وحين يحول الحول على العقار تقدر قيمته الحالية في السوق ولا عبرة بثمن شرائه، وإذا كانت تُجهل القيمة الحالية للعقار يخرج زكاة ثمن الأرض الذي دفعه فالأصل عدم الربح وبعد البيع يخرج زكاة الربح، ويخرج ربع عشر القيمة، وإذا قسمت القيمة على أربعين؛ فالناتج هو...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، أَمَّا بَعْدُ:
أيها المسلمون: حديثي معكم في هذه الجمعة عن "زكاة العقار" فأذكر أهم المسائل المتعلقة بزكاة العقار وجوبا وعدما فأقول مستعينًا بالله:
العقار المعد للقنية ليس فيه زكاة؛ فالأصل في أموال القنية عدم وجوب الزكاة؛ فعن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" (رواه مسلم)؛ فما يقتنيه الشخص من بيوت واستراحات ولو كانت زائدة عن حاجته لا تجب فيها الزكاة، أما إذا أُعد العقار للتجارة فتجب فيه الزكاة؛ فهو داخل في عموم أدلة وجوب الزكاة، ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة: 267]، وقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) [التوبة: 103]؛ فهذا عامة في الأموال كلها، ويدخل فيها العقار المعد للتجارة وفي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ" (رواه البخاري ومسلم).
ولا تجب الزكاة في العقار المعد للتجارة؛ إلا إذا حال عليه الحول لعموم حديث، "لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْه الحَوْلُ"؛ قال ابن قدامة -رحمه الله-: الأموال الزكائية خمسة: "السائمة من بهيمة الأنعام، والأثمان وهي الذهب والفضة، وقيم عروض التجارة، وهذه الثلاثة الحول شرط في وجوب زكاتها، لا نعلم فيه خلافاً".
وحين يحول الحول على العقار تقدر قيمته الحالية في السوق ولا عبرة بثمن شرائه، وإذا كانت تُجهل القيمة الحالية للعقار يخرج زكاة ثمن الأرض الذي دفعه فالأصل عدم الربح وبعد البيع يخرج زكاة الربح، ويخرج ربع عشر القيمة، وإذا قسمت القيمة على أربعين؛ فالناتج هو الزكاة.
ومما ينبه عليه في هذا المقام إذا كان المال عنده فترة ثم اشترى به عقارا أو حصل له المال ببيع عروض تجارة فحول العقار حول المال كشخص عنده مال وبعد مضي ستة أشهر اشترى قطعة أرض للتجارة؛ فحول الأرض حول المال فبعد ستة أشهر ينظر قيمة الأرض ويخرج زكاتها البعض يكون عنده عقار للقنية ثم يبيعه وله أحوال:
منها: أن يبيعه عجزًا عن القيام به كشخص عنده مزرعة ثم شق عليه متابعتها والعناية بها فعرضها للبيع؛ فليس فيها زكاة ولو عرضت للبيع سنين.
ومنها: أن يريد أن يبدله بغيره كشخص اشترى قطعة أرض للسكن، أو ليبني عليها ثم يؤجرها ثم بدأ له أن يبدلها بأرض أخرى فعرضها للبيع فلا تجب فيها الزكاة.
ومنها: أن يكون مستغنيًا عنه مثل شخص عنده بيت ثم اشترى بيتا آخر؛ فاستغنى عن البيت الأول فباعه فليس فيه زكاة؛ سئل الشيخ محمد العثيمين، أمتلك شقة وأسكن بها وأقوم حالياً ببناء منزل آخر بغرض السكن وأنوي عند الانتهاء منه والسكن فيه أن أبيع الشقة فما الموقف من الشقة التي أسكنها حالياً؟ والمنزل الذي أبنيه ولم أكمل بناءه بعد من الزكاة؟
فأجاب: "لا زكاة عليك في هذا لا في البيت ولا في الشقة، ولو كانت نيتك أن تبيع؛ لأن هذه النية ليست نية تجارة إنما نية إزالة الملك عن هذا المملوك عند الاستغناء عنه، وكذلك الأرض الممنوحة من البلدية أو غيرها يبيعها الشخص رغبة عنها أو لعدم مناسبتها للسكن أو حاجة للمال فليس فيها زكاة".
والبعض يشتري عقارًا لأجل أن يحفظ ماله وليس له نية في تجارة أو غيرها فلا تجب الزكاة فيه، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: عمن جعل ماله في أرض لا يريد بها تجارة، ولا إقامة بناء عليها أو زراعة، وإنما قال: تحفظ مالي، وإن احتجت إليها بعتها؛ فهل فيها زكاة؟
فأجاب: "لا زكاة فيها".
الحمد لله رب العالمين ....
عباد الله: وأما العقار الذي يؤجر لا تجب الزكاة في قيمته وإنما الزكاة في الأجرة؛ فإن أخرج الزكاة إذا قبض الأجرة فحسن فبعض أهل العلم يقيس الأجرة على ثمرة الشجر وإن انتظر حتى يحول عليه الحول من تاريخ عقد الإجارة؛ فإذا بقي المال عنده أخرج زكاته فله ذلك لعموم حديث، "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"، وإن أنفق الأجرة قبل تمام الحول فلا زكاة عليه؛ فبعض العقارات تؤجر على المؤسسات الحكومية وربما تأخر صرف الأجرة فحكم الأجرة حكم الدين على المماطل لا تجب فيه الزكاة وإن أخرج زكاة سنة حين قبضه فحسن.
وكذلك لا تجب الزكاة في المساهمات العقارية التي يسوف التاجر السنين فيها ويتذرع بالحجج وربما طلب المساهم رأس ماله ولم يحصل عليه، أما إذا كانت المساهمة رائجة ولم تتعثر؛ فتجب فيها الزكاة كل سنة وإن انتظر حتى البيع وأخرج الزكاة عن ما مضى فله ذلك؛ فالبعض يشتري الأرض ثم يقوم بالبناء عليها وبيعها بعد اكتمال البناء وأحيانا يبيعها قبل اكتماله طلبا للربح فهذه عروض تجارة تجب فيها الزكاة فعند الحول يقيمها ويخرج زكاتها ولو لم يكتمل البناء.
ومن يبيع العقار بالأقساط الشهرية أو مؤجلاً إذا حال الحول أحصى جميع الأموال التي له في ذمم المشترين حالة أو مؤجلة ويخرج زكاتها ولا يجب عليه إخراج زكاة المال الذي في ذمة المعسر و المماطل؛ فالبعض يشتري أرضاً بالأقساط بنية التجارة؛ فهذه المسألة ترجع إلى مسألة هل الدين يمنع الزكاة أو لا؟ والخلاف فيها مشهور والذي يظهر لي أن الدين يمنع الزكاة؛ فالمدين في هذه المسألة وغيرها له ثلاث أحوال:
إن كان الدين أكثر من المال الزكوي، أو مساويا له؛ فلا تجب عليه الزكاة، وإن كان الدين أقل من المال الزكوي فتجب الزكاة في القدر الزائد عن الدين.
والزكاة مؤتمن عليها الغني؛ فهي أمانة بينه وبين ربه في مقدارها وفي وجوبها وعدمه ويحرم التحايل لإسقاطها؛ فالحيل لا تحل الحرام ولا تسقط الواجب؛ فهي مخادعة لله -عز وجل- قال تعالى: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 163]؛ فكانوا ينصبون ما يصيدون به يوم الجمعة، ويأخذون السمك يوم الأحد؛ فكانوا بهذه الحيلة معتدين، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوهَا" (رواه البخاري ومسلم).
ما تقدم من المسائل التي لا تجب فيها الزكاة في العقار مسائل اجتهادية وقع فيه الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين؛ فمن أخذ بها و لم يخرج زكاة العقار بناء على قول من يثق بدينه وعلمه فلا تثريب عليه، ومن سلك الأحوط وأخرج الزكاة، وإن كان يعتقد عدم الوجوب؛ فهو على خير وعمله أفضل؛ فهو متطوع محسن.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي