عباد الله: لم يزل اليهود في عداء الإسلام متمردين، يريدون القضاء عليه، وعلى أهله، حسدا وبغيا، واعتداء، والله لا يحب المعتدين. فلقد كانت لهم مواقف عدائية مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرفها من قرأ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فأظهره على الباطل، أيده الله بنصره وبالمؤمنين، فكانوا متآلفين متحابين مجتمعين، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحليم الكريم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، عليه أفضل الصلاة والتسليم.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: لم يزل اليهود في عداء الإسلام متمردين، يريدون القضاء عليه، وعلى أهله، حسدا وبغيا، واعتداء، والله لا يحب المعتدين.
فلقد كانت لهم مواقف عدائية مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرفها من قرأ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتاريخ حياته.
كانوا من أعظم الناس تهييجا للأحزاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن الدائرة -ولله الحمد- تكون عليهم في جميع مواقفهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي شهر المحرم من السنة السابعة؛ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتجهز لغزوهم في خيبر.
وكانت خيبر حصونا لهم زراعية، ثمانية حصون، أو خمسة، تبعد عن المدينة نحو مئة ميل من الشمال الغربي.
فحاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أول حصن من حصونهم، فمكث عليه ستة أيام لم يصنع شيئا، وفي الليلة السابعة ظفر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيهودي خارج من الحصن، فأتى به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أدركه الرعب، قال: "إن أمنتموني أدلكم على أمر فيه نجاحكم؟" فقال: إن أهل هذا الحصن أدركهم التعب والملل، وهم يبعثون بأولادهم إلى الحصن الذي وراءه، وسيخرجون لقتالكم غدا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله علي يديه"(البخاري (2847) مسلم (2406) أحمد (5/333)).
فلما أصبح سأل عن علي بن أبي طالب، فقيل: إنه يشتكي عينيه، فدعا به فبصق في عينيه، فشفاهما الله في الحال، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فحمل المسلمون على اليهود حتى فتح الحصن، ومازال المسلمون يفتحونها حصنا حصنا، حتى أتم الله فتحها -ولله الحمد-، وأذل اليهود، ونصر المسلمين عليهم، وغنموا منهم مغانم كثيرة، وملكوا أرضهم.
ولكنهم طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبقوا فيها يعمرونها ويزرعونها على النصف، فأقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "نقركم ما شئنا".
فلما كان زمن عمر أجلاهم عمر -رضي الله عنه- إلى تيما وأريحا.
وكان من أسباب إجلاء عمر إياهم: أنهم حرضوا عبدا على قتل أحد الأنصار، وكان قد بات بخبير، وأنهم فدعوا يدي عبد الله بن عمر ورجليه، ثم إن المسلمين استغنوا عن بقائهم بخيبر، وكان الشرط الذي بينهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنا نقرهم ما شئنا، فلما حصل منهم العدوان، واستغنى عنهم المسلمون أجلاهم عمر سنة عشرين من الهجرة إلى تيما وأريحا.
وفي هذه الغزوة: "أهدت امرأة يهودية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة، فأكل منها هو وبعض أصحابه، لكنه صلى الله عليه وسلم مضغها، ولم يسغها، ولفظها، ثم دعا بالمرأة، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: أردت إن كنت تريد الملك أن نستريح منك، وإن كنت نبيا فستخبر بها"(البخاري (2474) مسلم (2190) أبو داود (4508) أحمد (3/218)).
قال أنس: "فما زلت أعرفها في لهوات النبي -صلى الله عليه وسلم-".
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر"(أبو داود(4510) الدارمي (67)).
فهذا تاريخ اليهود مع الإسلام وأهله -قاتلهم الله وأذلهم وقلبهم على أعقابهم خائبين، إنه جواد كريم-، قال الله -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة:109].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي