إذا لقيتَ يوماً مُتجهِّماً فابتسمْ له أنتَ، وإذا قابلتَ مُتكبِّراً فسلِّم عليه أنتَ، إذا غَضبَ من غضبَ فعليكَ بالحِلمِ أنتَ، إذا خانَكَ أحدٌ فأوفِ إليه أنتَ، وإذا أساءَ إليكَ فأحسنْ إليه أنتَ، إذا شتمَكَ الشَّاتمُ فادعُ له أنتَ، إذا عاملكَ النَّاسُ بأخلاقِهم فعاملهم بأخلاقِك أنتَ، فإذا كانَ هُو هُو فكنْ أنتَ أنتَ...
الحمدُ للهِ الذي رفعَ بمكارمِ الأخلاقِ أقوامًا فكانوا من المتقينَ، وحطَّ آخرينَ بسيئها فكانوا من المخالفينَ لهديِّ المرسلينَ، أحمدُه سبحانَه هو الذي أَدَّبَّ نبيَه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- بالقرآنِ، فقالَ عنه ربُّنا مادحًا إياه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صاحبَ الخُلقِ القَويمِ، سُئلَ عن أكثرِ ما يُدْخِلُ النَّاسَ الجنةَ؟، فقالَ: "تقوى اللهِ وحُسنُ الْخُلُقِ"، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -أيُّها المسلمونَ-؛ فالتَّقوى عِّزٌّ وشَرفٌ وأهلُها هم الفائزونَ، أسالَ اللهَ أن يجعلَنا من عبادِه المتقينَ.
أيُّها الأحبَّةُ: تعالوا إلى موقفٍ في مدرسةِ محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- التي يتخرَّجُ منها العلماءُ، ويستفيدُ من مواقفِ سيرتِه العُقلاءُ، ولنرى لماذا استغربَتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- هذا الفِعلَ الغريبَ، ولكنَّه أصلٌ من أُصولِ التَّعاملِ مع صِنفٍ من النَّاسِ عَجيبٍ ..
عَنْ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُ عنها-: أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ"، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ". درسٌ عظيمٌ في الأخلاقِ .. فقد أخبرَها -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بقاعدةٍ عظيمةٍ في التَّعاملِ مع النَّاسِ، وهي: أنَّه لا ينبغي لنا أن نُعاملَ النَّاسَ بأخلاقِهم، وإنما نُعاملُ النَّاسَ بأخلاقِنا.
فعليكَ -أيُّها المؤمنُ- بحُسنِ الخُلقِ ولا تتأثرُ بسَفهِ السُّفهاءِ، ولا تتركْ كرمَكَ لبُخلِ البُخلاءِ، وإن غدرَ بكَ الأصحابُ فقابلهم بالوفاءِ، وإذا لقيتَ فُجوراً فالبسْ له لِباسَ الحياءِ، وإن قبضَ النَّاسُ أيديَهم فمُدَّ يديكَ بالعطاءِ .. كُن رؤوفاً رحيماً وعاملِ النَّاسَ باللِّينِ، احلمْ ولا يستخفَّنَّكَ طيشُ الجاهلينَ، واستمسكْ بالأمانةِ ولا تغترَّ بكثرةِ الخائنينَ .. انصحْ في زمنٍ قلَّ فيه النَّاصحونَ، واصدقْ ولو أحاطَ بكَ الكاذبونَ، واصبرْ في زمنٍ كَثُرَ فيه المستعجلونَ، وكن كعبادِ الرَّحمنِ الذينَ قالَ اللهُ فيهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63]، قولاً سليماً من الأذى والعُدوانِ، يُقابلونَ فيه الإساءةَ بالإحسانِ، (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص:55].
اسمع إلى توجيهِ اللهِ -تعالى- إلى موسى وهارونَ -عليهما السَّلامُ- (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طه:43] تجاوزَ حدَّ العبوديةِ، فقالَ: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38]، وقالَ: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات:24]؛ فكيفَ أوصاهم اللهُ -عزَّ وجلَّ- أن يتعاملوا مع هذا الإنسانِ؟ (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا) [طه:44]، لا إلهَ إلا اللهُ .. كلامًا لطيفًا سَهلًا رقيقًا، ليسَ فيه ما يُغضبُ ويُنفِّرُ؛ فهذه -واللهِ- أخلاقُ الأنبياءِ، وهذه طريقةُ الأولياءِ، حتى في تعاملِهم مع الأعداءِ.
من الأخطاءِ المُنتشرةِ بيننا: أننا نُشجِّعُ أنفسَنا وغيرَنا على أنَّه لا بُدَّ أن ننتصرَ على من أخطأَ علينا، ولو استدعى الأمرُ أن يُقابلَ الغلطَ بالغلطِ، والسَّفاهةَ بالسَّفاهةِ، والطَّيشَ بالطَّيشِ، وأن نَردَّ عليه الكلمةَ عشراً، حتى يُقالُ فَخراً: فلانٌ لا يُسكِّتُه أحدٌ؛ فَأينَ أخلاقُنا وكَظمُ غيظِنا الذي هو صِفةٌ عظيمةٌ من صفاتِ أهلِ الجنَّةِ؟! قالَ سُبحانَه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133-134]؛ فواللهِ هم الشُّجعانُ الأشِدَّاءُ كما قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"، وهكذا تظهرُ أخلاقُ الكِبارِ عندما يتطاولُ عليهم الصِّغارُ.
اسمعْ إلى موقفٍ آخرَ يُظهرُ لكَ أخلاقَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- التي لا يُغيِّرُها كائنٌ من كانَ، قَالَتْ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُ عنها-: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ -أيْ المَوتُ عليكَ-، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ، فَيُسْتَجَابُ لَنَا فِيهُم وَلَا يُسْتَجَاب لَهُم فِينَا"؛ فعاملَهم -بأبي وأمي- بأخلاقِهِ العظيمةِ، ولم يلتفتْ إلى أخلاقِ اليهودِ الذَّميمةِ.
كُنْ كالنَّخيلِ عن الأحقادِ مُرتفعاً *** يُرمى بصَخرٍ فيُلقي أَطيبَ الثَّمرِ
أخبِرني كيفَ ستتعاملُ مع والديكَ إذا كانا يبذُلانِ أعظمَ الجُهدِ لتُشركَ باللهِ العظيمِ؟، اسمع إلى توجيهِ ربِّكَ أيُّها المؤمنُ: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) في الشِّركِ، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان:15]؛ فأوصاكَ بالبرِّ والصُّحبةِ بالمعروفِ، لأنَّكَ مسلمٌ تبتغي رِضا الرَّحيمِ الرَّؤوفِ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضيَ اللهُ عنه- قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ"، وانتهى الموقفُ.
إذا لقيتَ يوماً مُتجهِّماً فابتسمْ له أنتَ، وإذا قابلتَ مُتكبِّراً فسلِّم عليه أنتَ، إذا غَضبَ من غضبَ فعليكَ بالحِلمِ أنتَ، إذا خانَكَ أحدٌ فأوفِ إليه أنتَ، وإذا أساءَ إليكَ فأحسنْ إليه أنتَ، إذا شتمَكَ الشَّاتمُ فادعُ له أنتَ، إذا عاملكَ النَّاسُ بأخلاقِهم فعاملهم بأخلاقِك أنتَ، فإذا كانَ هُو هُو فكنْ أنتَ أنتَ، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:35] لا تغدرْ بمن غدرَ بكَ، ولا تغتبْ من اغتابكَ، ولا تسبُّ من سبَّكَ.
يخاطبني السَّفِيهُ بكلِّ قُبْحٍ *** فأكرهُ أن أكونَ له مُجيبَا
يزيدُ سَفَاهَةً فأزيدُ حِلمًا *** كعُودٍ زادَه الإحراقُ طِيبَا
خُذ هذا الموقفَ لعمرَ بنِ الخطَّابِ -رضيَ اللهُ عنه- .. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ؛ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ -تعالى- قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ؛ فهذه هي محاسنُ الأخلاقِ التي أوصى بها العليمُ الخلَّاقُ.
واستشعرْ الحِلمَ في كلِّ الأمورِ ولا *** تُسرعْ ببادرةٍ يوماً إلى رجلِ
وإن بُليتَ بشخصٍ لا خَلاقَ له *** فكنْ كأنك لم تَسمعْ ولم يَقُلِ
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وليِّ الصادقينَ، ولا عُدوانَ إلا على الظالمينَ، وأصلي وأسلمُ على الهادي البشيرِ، والسراجِ المنيرِ، قائدِ الإنسانيةِ، ومزعزعِ كيانِ الوثنيةِ محمدٍ بن عبد الله عليه أفضلَ صلاةٍ وتسليمٍ.
أما بعدُ: قد يقولُ قائلٌ: إنَّ ما ذكرتَه حَسَنٌ جِدَّاً، ولكنَّه صعبٌ جِدَّاً؛ كيفَ لشخصٍ أن يتحكَّمَ بأعصابِه أمامَ إساءاتِ الآخرينَ؟، فأقولُ: اسمعْ لهذِه المُحفِّزاتِ، لعلكَ تتجاوزُ بعدَها عن الهفواتِ:
اعلم أنَّ حُسنَ خُلقِ الإنسانِ هو مِيزانُ يُعرفُ بهِ قَدرُ الإيمانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ اللهُ عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا"، بل إنَّ خيارَ أهلِ الإسلامِ، هم أصحابِ الأخلاقِ الكِرامِ، كما في الحديثِ: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا".
ثُمَّ اسألْ نفسَك: هل تُطيقُ صيامَ النَّهارِ وقيامِ اللَّيلِ؟ ونحنُ نعلمُ ما فيه من عظيمِ الأجورِ، ومحبةِ العزيزِ الغفورِ .. إن كانَ يصعبُ عليكَ ذلك، فخُذ البديلَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُ عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يَقُولُ: "إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ"؛ فماذا ننتظرُ؟.
والأعظمُ من ذلكَ، عندما تَنالُ محبَّةَ الحبيبِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وتجلسُ قريباً منه في دارِ السَّلامِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟"، فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا".
فيا أيُّها العاقلُ: عليكَ بحُسنِ الخُلقِ، وعاملْ النَّاسَ بأخلاقِك الإسلاميةِ؛ فإنَّهُ -واللهِ- شرفُ الدُّنيا والآخرةِ.
اللهمَّ اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ، واصرف عنا سيئَها لا يصرفُ عنا سيئَها إلا أنتَ.
اللهم إنك ترى مكانَنا وتسمعُ كلامَنا وتعلمُ سرَّنا وعلانيتَنا، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمرِنا، نحن البؤساءُ الفقراءُ المستغيثونَ المستجيرونَ، والوجلونَ المشفقونَ، المقرونَ المعترفونَ، نسألُك مسالةَ المساكينِ، ونبتهلُ إليك ابتهالَ المذنبينَ وندعوك دعاءَ الخائفينَ، دعاءُ من خشعتْ لك رقابُهم، وذلتْ لك أجسادُهم، وفاضتْ لك عيونُهم، ورغمت لك أنوفُهم، اللهم أصلح فسادَ قلوبِنا، اللهم أصلحْ فسادَ قلوبِنا، وارحم ضعفَنا وحسِّنْ أخلاقَنا، اللهم إنا لأنفسِنا ظالمونَ، ومن كثرةِ ذنوبِنا خائفونَ، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ يا أرحمَ الراحمينَ، فاغفرْ لنا إنكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ.
اللهم وفقْ إمامَنا لهُداكَ، واجعل عملَه في رِضاكَ، ووفِّق جميعَ ولاةَ المسلمينَ للعملِ بكتابِك وتحكيمِ شرعِك يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللهم اجمعْ كلمةَ المسلمينَ على التوحيدِ يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ألِّفْ بين قلوبِهم.
سبحانَك اللهم وبحمدِك، نشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ نستغفرُك ونتوبُ إليكَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي