قصة أصحاب السبت

ناصر بن محمد الأحمد

عناصر الخطبة

  1. ملخص قصة أصحاب السبت
  2. دروس وعبر من قصة أصحاب السبت
  3. صور من ابتلاء الله لأهل القرى
  4. خطورة التحايل على أوامر الله عز وجل
  5. أحوال الناس في إنكار المنكر
  6. إنجاء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر
  7. مأساة أهل الكويت وحرب الخليج الثانية

إن الحمد لله..

أما بعد: قال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(168)﴾ [الأعراف: 163- 168].

عباد الله: هذه آيات من سورة الأعراف، تحكي قصة أصحاب السبت، وملخص هذه القصة أنه كان هناك قرية من قرى اليهود، تقع على شاطئ البحر، وقد أمر الله عز وجل اليهود سكان هذه القرية، بعدم صيد الحيتان والأسماك يوم السبت، وأبيح لهم في باقي أيام الأسبوع. ثم ابتلاهم الله عز وجل بهذا التكليف؛ حيث كانت الأسماك تبتعد عنهم في أيام الصيد المسموح لهم بينما كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا، أي بارزة ظاهرة.

فوسوس الشيطان في نفوس طائفة من أهل هذه القرية، وزين لهم اصطياد الأسماك ففكروا كيف يتحايلون على أمر الله؟ فهداهم شيطانهم إلى حيلة شيطانية ماكرة، وهو أن ينصبوا شباكهم يوم السبت. الذي حرم عليهم الصيد فيه، فإذا جاء يوم الأحد أخذوا ما صادته الشباك.

عند ذلك انقسم أهل القرية إزاء هذا التصرف إلى فريقين: الفريق الأول: هم الصالحون الدعاة، قاموا بواجبهم في الدعوة إلى الله، وأنكروا على المتحايلين على أوامر الله، وصيدهم يوم السبت.

الفريق الثاني: هم الساكتون، سكتوا عن عدوان المعتدين، وتوجهوا باللوم والإنكار على الصالحين الدعاة، بحجة أنه لا فائدة، من نصح ووعظ قوم هالكين معذبين.

﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ عندها أجاب المصلحون بأن هدفهم من الإنكار، هو العذر أمام الله عز وجل، وأداء الواجب، سواءً استجاب الأخر أم لم يستجب، ثم لعل القوم المعتدين يتقون، وتؤثر فيهم النصيحة ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

وتتمة للقصة: فلما وقع عذاب الله بالمعتدين مسخهم الله قردة خاسئين، وكان المسخ حقيقيًا، وأنجى الله من ذلك العذاب، فريق المصلحين الدعاة، وسكت القرآن عن مصير فريق الساكتين. فالله أعلم بمصيرهم.

هل سكت عنهم لهوانهم على الله، ولأنهم سكتوا عن إنكار المنكر، أم أنهم كانوا مع الهالكين، الله أعلم بحالهم. ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(166)﴾ إلى أن قال الله عز وجل في أواخر هذه الآيات الكريمات ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

أيها المسلمون: لنا أمام هذه القصة، عدد من القضايا نود أن نقف عندها.

القضية الأولى: أن يوم السبت، لليهود، والنصارى لهم يوم الأحد، ونحن المسلمين هدانا الله ليوم الجمعة. قال الله تعالى: ﴿جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النحل: 124]، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [النساء: 47]، وقال عز من قائل: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 154]، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: 65].

روى مسلم في صحيحه، عن حذيفة بن اليمان، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيَّ لهم قبل الخلائق".

القضية الثانية من القصة: ابتلاء الله لسكان القرى، لقد ابتلى الله سكان تلك القرية، حيث نهاهم عن صيد الأسماك يوم السبت، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 163] وابتلاء الله لأهل القرى له أشكال كثيرة، فبعض القرى تبتلى بالخير، والبعض الآخر تبتلى بالشر، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35].. فابتلاء الله لأهل القرى سنة ثابتة، فبعض القرى تنجح في هذا الاختبار وبعض القرى ترسب.

فمن القرى التى نجحت في الابتلاء ونفذوا أمر الله عز وجل، مسلمي مكة، عندما ابتلاهم الله بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في الصلاة، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 143] وينجح المسلمون أيضًا عندما ابتلاهم الله عن الصيد في الحرم وهم محرمون، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: 94].

ولم ينجح أصحاب السبت عندما ابتلاهم الله بصيد الأسماك، فرسبوا في الاختبار، ﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 163].

إذًا أيها الأخوة، القرى لابد أن تبتلى، لكن يختلف ابتلاء كل قرية من الأخرى، لحكم الله أعلم بها، فمن القرى ما تبتلى بالمصائب والشدائد، ومن القرى ما تبتلى بالنعم والخيرات، وكلها ابتلاءات ليعلم من يطيع أمر الله ومن يعصيه.

ولعل من أقرب الإبتلاءات للقرى، هذه الأيام، ما حصل لأهل الكويت، وكيف ابتلاهم الله بالخوف والجوع، والقتل والتشريد. وهذا نوع من الابتلاءات للقرى، لكن بقيت النتائج، هل ينجحون في ابتلائهم هذا، أم يرسبون، علمها عند ربي.ونحن أهل هذه القرية، نمر مع هذه الأحداث بصور أخرى من الابتلاءات.

فقدوم أهل الكويت إلينا، وكيف يكون موقفنا واستقبالنا لهم، هذا نوع من الاختبار لنا، هل نتضجر، هل نفرح هل نحزن، وأيضًا قدوم القوات الأجنبية لبلادنا اختبار وابتلاء آخر، ماذا يكون موقفنا منهم، هل سلبًا أم إيجابًا.

فأقول كل هذه ابتلاءات واختبارات لنا، وبقيت نتائجها، هل ننجح أم نرسب، علمها عند ربي.

القضية الثالثة: من قصة أصحاب السبت التحايل على أوامر الله عز وجل. إن التحايل واضح من فعل أهل تلك القرية اليهودية، فبعدما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، احتالوا على هذا الأمر الرباني، فنصبوا الشباك يوم السبت، وقالوا نحن لم نصطد يوم السبت، وصاروا يجمعون السمك يوم الأحد.

والمتأمل لأوضاع كثير من المسلمين في زماننا هذا، يجد التحايل على أوامر الله عز وجل، في كثير من المسائل أليس هناك تحايل بشتى الأشكال من كثير من المسلمين في أكل الربا مثلاً، أليس هناك تحايل من كثير من الموظفين بأخذ الرشوة بطرق لا تكاد تخطر على بال أحد، أليس هناك تحايل على الأنظمة في مسائل البيع والشراء، وعقد الصفقات بشتى الطرق والوسائل، حتى وصل الأمر إلى أن بعض الناس يحاول تلمس الحيل حتى في العبادات، يحاول أن يجد مخرجًا من هنا أو عذرًا من هناك.

فالحاصل أن من سلك أحد هذه المسالك، فليعلم أنه قد أخذ بخصلة من خصال اليهود وإلا كيف يتحايل على أوامر الله قلب متصل بالله، كيف يفكر بالحيلة مع الله، قلب ممتلئ ايمانًا بالله، معظم لحرمات الله، راغب في نعيم الله، إن القلب المؤمن يستقيم على صراط الله، ويلتزم بأوامر الله، ويبقى على هذه الحالة في ليله ونهاره. إنه لا يعرف التحايل ولا يفكر في الحيل، إلا القلب البعيد عن الله، إن القلب عندما يفسق عن منهج الله، ويلتوي عن صراط الله، يتعامل مع الأوامر الربانية بتحايل، فماذا يكون مصيره؟!!

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].

بارك الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله..

أما بعد عباد الله: القضية الرابعة وهي قضية مهمة جدًا يمكن أن تؤخذ من قصة أصحاب السبت. وهو انقسام أهل تلك القرية إزاء المخالفة والتحايل إلى ثلاثة فرق: الفريق الأول: هي الفرقة المعتدية الباغية التي صادت السمك يوم السبت. الفريق الثاني: هي الفرقة الواعظة التي قامت بوعظ ونصح المخالفين. الفريق الثالث: هي الفرقة الساكتة، والتي قامت بتوجيه اللوم للواعظين الناصحين، بدل أن يكون لومهم على المخالفين.

فما الذي يستوقفنا يا عباد الله تجاه هذه القضية وتجاه هذا التقسيم. إن المتأمل لحال أي مجتمع إسلامي اليوم، يجد بأن الناس موقفهم من المنكرات والمعاصي الموجودة في ذلك البلد، يكاد ينطبق عليها، هذ التقسيم. فهناك فئة من الناس هي التي تفعل المنكرات والمعاصي، وهناك فئة ثانية تقوم بالوعظ والإرشاد والنصح والدعوة إلى دين الله، وهناك فئة ثالثة وهي التي عليها غالب الناس. وهي الفئة الساكتة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرا، مبدئهم ومنطقهم، عدم التدخل في أحوال الناس الشخصية، وترك الناس وشئونهم الداخلية. ولعل أغلب الناس اليوم من الفئة الثالثة الساكتة وهذا أقل أحوالهم، إن لم يكونوا نسأل الله العافية من الفئة الأولى العاصية المخالفة.

فنقول أيها الأخوة. عندما نزل عقاب الله بأهل تلك القرى، من الذي نجا ومن الذي هلك، الذي نجا هم الفئة الناصحة الواعظة الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر. والذي هلك وشمله عقاب الله، الذين ظلموا والذين سكتوا ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [النساء: 165] وحديث الرجل الساكت في تلك القرية معروف. عندما أرسل الله الملك لينزل عذابه بقرية ظالمة مخالفة، فقال الملك: يارب إن فيها عبدك فلان رجل صالح. قال الله…

فيا عباد الله: إن رؤية المنكرات، ومعرفة مخالفات الناس، ثم السكوت بعد ذلك، بحجة عدم التدخل في أحوال الناس الشخصية، هذا ليس من دين الإسلام، فالذي يريد النجاة من عذاب الله، ومن أراد السلامة في الدنيا قبل الآخرة، لو نزل البلاء من الله بأهل قرية فليكن من الفئة الصالحة المصلحة. التي لا تسكت عن الأخطاء، فلا اعتبار أيها الأخوة للحريات الشخصية والأمزجة الفردية، إذا تعارضت مع مصحلة المجموع، فحرية الفرد تنتهي من حيث تبدأ مصلحة المجموع، فلا يحق لأي فرد أن يعمل شيئًا يضر المجموع، ويعرضهم للعذاب، ومن أقوى الأسباب التي تعرض القرى للعذاب، كما سمعتم من آيات أصحاب السبت، مخالفة أوامر الله، والتحايل على شرع الله.

ثم إن إنكار الدعاة وانكار المصلحين للمنكرات، ولأخطاء الناس، هو قيام بواجب شرعي أوجبه الله عليهم، وليس تدخلاً في خصوصيات الآخرين، أو اعتداء على حرياتهم واختياراتهم (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ) [الأعلى: 21- 24].

فلذلك يا عباد الله، يجب على الدعاة، ويجب على الناس كلهم أن يستمروا في نصح الأمة، ووعظها وإرشادها، وتذكيرها، لتبقى ذاكرة الأمة مستحضرة للتوجيهات والأحكام، وليبقى التفكير في الحلال والحرام، والممنوع والمسموح به حيًا في شعور الأمة.

ويجب على أهل كل قرية، أن تدرك خطورة مخالفة شرع الله، وخطورة التحايل على أوامر الله، لأنه سبيل العذاب والدمار ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117)﴾ [هود: 116- 117].

فعندما تعم المعاصي والمنكرات الأمة، يجب على الدعاة والمصلحون، وكل من يريد النجاة، أن يقوم بواجب النصح والتذكير، والنهي عن المنكر والفساد، لينجوا من عذاب الله، فهو وحده سبيل النجاة والفوز.

القضية الخامسة والأخيرة في خطبتنا هذه: هو قوله تعالى في آخر آية من مقطع آيات أصحاب السبت: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168]، هناك كثير من الآيات في القرآن يا عباد الله عندما يقرأها الإنسان اليوم، يجدها مطابقة تمامًا لكثير من الأحداث والوقائع، وكأن هذه الآية نزلت اليوم، وفي هذه الحادثة التي وقعت حالاً. وهذا من عجائب ومعجزات كتاب الله. فأهل تلك القرية، عندما وقعوا في المعاصي، وعندما خالفوا أوامر الله، وعندما تحايلوا على شرع الله، ماذا حصل لهم في النهاية ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾ أي أن الله فرّقهم وبعثرهم وجعل كل جزء منهم في جهة. وسبحان الله، كم هذه الآية مطابقة لأحداث الكويت، وكلما قرأت هذه الآية، تمثل أمامي حال أهل الكويت ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾ قسم ذهبوا الشمال، وقسم في الجنوب، وجزء في الغرب، وجزء في الشرق، ومنهم من بقي مكانه، وانطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾ وهذا لاشك فيه، فإن في هذه الأجزاء المقطعة أجزاء صالحة، وأجزاء دون ذلك ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لعلهم يرجعون هم، ولعله يرجع غيرهم، ويعلمون أن مخالفة أحكام الله، والتحايل على الله، والعصيان والفسوق، مصيره ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾…

اللهم إن أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم احفظنا بالإسلام قائمين. اللهم كل من أراد افساد وتخريب بلاد المسلمين فنسألك اللهم أن تصب عليه سوط عذاب، إنك يا ربي لبالمرصاد. اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، اللهم أدم علينا الأمن والصحة والعافية، في ديننا وأهلينا يا رب العالمين.  


تم تحميل المحتوى من موقع