ذو الأخلاق الفاضلة تجده وقورا رزينا، ذا سَكِينة وتؤدة، عفيفا نزيها، لا جافيا ولا لعانا، لا صخَّابا ولا صياحا، لا عَجُولا ولا فاحشا، يقابل تصرفات الناس نحوه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منها إلى البر والتقوى، وأشبه بما يُحمد ويرضى.
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والتقى.
أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -جل وعلا- وأطيعوه، فمن اتقاه أسعده وأرضاه.
أيها المسلمون: الأخلاق الحسنة عنوان سعادة العبد وفلاحه، وما استُجلب خيرٌ بمثل جميل الخصال ومحاسن الفعال، وإن نصوص الوحيين متواترة على الدعوة إلى المسالك المثلى والْمُثُل العليا؛ فمن الصفات العظيمة والمحاسن الجليلة لأفضل الخلق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ما وصفه به ربه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [الْقَلَمِ: 4]، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يُوجِز دعوتَه في قواعدها بقوله: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" (رواه أحمد ومالك وغيرهما)، وهو صحيح عند أهل العلم.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- دعا دعوةً صريحةً إلى التخلق بالخُلُق الحَسَن فقال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَة تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (رواه أحمد والترمذي)، وقالا: حسن صحيح.
حُسْن الخُلُق سجية تقرب العبد إلى مولاه، وتجعله رفيع الدرجات عظيم الحسنات، يقول ربنا -جل وعلا-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فُصِّلَتْ: 34-35]، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا" (رواه البخاري ومسلم).
وقد رغب -صلى الله عليه وسلم- في حسن الخلق ورتب عليه الأجر العظيم والثواب الجسيم، يقول صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ" (رواه أحمد بإسناد صحيح)، و(رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يبيِّن فضيلة درجة حسن الخلق فيقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَرْءَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خَلْقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" (رواه أبو داود وصححه ابن حبان وغيره من المحققين).
معاشر المؤمنين: صاحب الخلق الزكي ينال المرتبة العليا والمكانة الأسمى، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا" (رواه الترمذي) وقال: حسن غريب، وأروده المنذري في الترغيب.
وسئل -عليه الصلاة والسلام- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" (رواه الترمذي) وقال: حديث صحيح غريب، وصححه ابن حبان والحاكم.
الخلق الحسن له في الإسلام مكانة عالية ودرجة رفيعة، يقول ربنا -جل وعلا-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الْحِجْرِ: 88]، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ" (رواه الترمذي) وقال: حديث صحيح، وروى مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فسر البر وهو الجامع لخصال الخير فقال: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ".
إخوة الإسلام: إذا تقرر ذلك فإن حسن الخلق يشمل كل جميل من الأقوال والأفعال؛ فهو كل مسلك مَرْضِيّ شرعًا وطبعًا، في التصرفات كلها والتعاملات جميعها، حسن الخلق هو الالتزام بالآداب الشرعية الواردة في النصوص من أطايب الأقوال وجميل الفعال وحميد الخلال وشريف الخصال، حسن الخلق كل تصرف يقوم به الإنسان مما يَكْثُر معه مصافوه، وَيَقِلّ به معادوه، وتَسْهُل به الأمور الصعاب، وتلين به القلوبُ الغضابُ، فمواقف صاحب الخلق الحسن في التعامل كلها حُسْن ورفق وإحسان وتحلٍّ بالفضائل وسائر المكارم.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلْوَ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (رواه مسلم).
ومن حسن الخلق على سبيل المثال لا الحصر: بَسْط الوجه وطلاقته وبشاشته، وبذل المعروف وكف الأذى، واحتمال ما يكون من الآخرين من إساءة وزلل، ومنه كظم الغيظ والبعد عن الفضول ومجانبة المعاتبة والمخاصمة واللجاج.
حسن الخلق أن يكون الإنسان بَرًّا رحيمًا، كريما جوادا سمحا، باذلا سخيا، لا بخيلا أو شحيحا، صبورا شكورا، رَضِيًّا حليما، رفيقا متواضعا، عفيفا شفيقا رؤوفا، هَيِّنًا لَيِّنًا في طباعه، سمحا سهلا في تعاملاته.
قال تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) [لُقْمَانَ: 18]، وقال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ" (رواه الترمذي) وقال: حسن غريب.
ومن حسن الخلق تهذيب الألفاظ وحسن المعاشرة ولطف المعشر والبعد عن السفه ومجانبة ما لا يليق ولا يجمل ولا يسمع لصاحبه في المجالس عيبة ولا تحفظ له زلة ولا سقطة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرينا جزءا من النبوة".
ذو الأخلاق الفاضلة تجده وقورا رزينا، ذا سَكِينة وتؤدة، عفيفا نزيها، لا جافيا ولا لعانا، لا صخَّابا ولا صياحا، لا عَجُولا ولا فاحشا، يقابل تصرفات الناس نحوه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منها إلى البر والتقوى، وأشبه بما يُحمد ويرضى.
من أعظم أنواع الخلق الحسن: خلق الحياء في الأقوال والأفعال، كما قال ابن القيم، فهو أفضلها وَأَجَلُّهَا وأعظمها قَدْرًا.
ومن أفضل الأخلاق وأجملها: الإيثار وستر العيوب وإبداء المعروف والتبسم عند اللقاء، والإصغاء عند الحديث، والإفساح للآخرين في المجالس، ونشر السلام وإفشاؤه ومصافحة الرجال عند اللقاء والمكافأة على الإحسان بأحسن منه، وإبرار قسم المسلم والإعراض عما لا يعني وعن جهل الجاهل بحلم وحكمة، وهكذا كل تصرف طيب يجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا، على حد القائل:
يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ حَقًّا *** كَفِعْلِ الْوَالِدِ الرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ
فكل ذلك من الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، ويجمع قاعدة الأخلاق ذلكم القول الوجيز اللفظ، العظيم المعنى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
نفعنا الله بما علمنا، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من سائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أحمد ربي وأشكره وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد فيا أيها المسلمون: أيها المسلم: كُنْ من ذوي الأخلاق الحسنة، متحليا بالمحامد متخليا عن المذام، أَلُوفًا مألوفا، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ" (رواه أحمد والطبراني والبيهقي)، وصححه الألباني.
عباد الله: والواجب المتحتم ألا يتقرب العبد إلى الله بشيء إلا ما ورد فيه دليل من قرآن أو سنة، فما يزعم من فضائل بتخصيص شهر رجب بعبادة ما فذلك غير صحيح في الشرع المطهر، فلم يرد في ذلك شيء من الشرع كما نص على ذلك المحققون كابن حجر وابن رجب والنووي وابن تيمية وغيرهم من العلماء -رحمهم الله-.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بالصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا ورسولنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن سائر الصحابة والآل أجمعين، وعن التابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين؛ فإنهم لا يعجزونك؛ اللهم من أرادَ المسلمين أو أراد مقدساتهم بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، اللهم اجعله للعالمين عبرة وآية، اللهم اجعله للعالمين عبرة وآية، اللهم من أراد المسلمين أو مقدساتهم بسوء فعليك به، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر.
اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم فرج لهم الهموم واكشف عنهم الغموم يا حي يا قيوم، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم انشر دينك في كل مكان، اللهم انشر دينك في كل مكان، اللهم أعل كلمتك، اللهم أعل كلمتك ولو كره الكافرون ولو كره المشركون يا ذا الجلال يا عزيز يا حكيم.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا ونائبه لما تُحبُّه وترضَاه يا رب العالمين، اللهم احفظ بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل من أرادها بسوء ومكروه يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وسائر بلاد المسلمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنك غني حميد اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا واسق ديار المسلمين، اللهم اسق ديارنا وديار المسلمين، ، اللهم اسق ديارنا وديار المسلمين.
اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، يا حي يا قيوم.
عباد الله: اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبِّحوه بكرة وأصيلا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي