وَقَبْلَ أَنْ نُبِيّنَهَا يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ السَّعَادَةِ فِي عُلُوِّ الْمَنْصِبِ أَوْ فِي كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الْمَلَذَّاتِ وَكَثْرَةِ الشَّهَوَاتِ، وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ بَاطِلٌ؛ فَلَوْ كَانَتِ السَّعَادَةُ فِي الْمَنْصِبِ لَنَاَلَها فِرْعَونُ الذِي كَانَ يَقُولُ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟ وَكَانَ مَآلُهُ أَنْ...
الْحَمْدُ للهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَدَارَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ جَاءَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِبَيَانِهَا أَتَمَّ بَيَانٍ.
وَقَبْلَ أَنْ نُبِيّنَهَا يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ السَّعَادَةِ فِي عُلُوِّ الْمَنْصِبِ أَوْ فِي كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الْمَلَذَّاتِ وَكَثْرَةِ الشَّهَوَاتِ، وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ بَاطِلٌ؛ فَلَوْ كَانَتِ السَّعَادَةُ فِي الْمَنْصِبِ لَنَاَلَها فِرْعَونُ الذِي كَانَ يَقُولُ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟ وَكَانَ مَآلُهُ أَنْ أَهْلَكَهُ اللهُ بِالْمَاَء الذِي كَانَ يَجْرِي مِنْ تَحْتِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ)[الأنفال:54].
وَلَوْ كَانَتِ السَّعَادَةُ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ لَنَفَعَتْ قَارُونَ، الذِي كَانَتْ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ مَالِهِ تَثْقُلُ عَلَى الرِّجَالِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)[القصص:76]، وَلَكِنْ فِي النِّهَايَةِ هَلَكَ مَعَ مَالِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)[القصص:81].
وَلَيْسَتِ السَّعَادَةُ فِي اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَالتَّمَتُّعِ بِالْمَأْكُولاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَنِ الْكُفَّارِ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)[محمد:12].
إِذَنْ: أَيْنَ تَكُونُ السَّعَادَةُ؟ السَّعَادَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَقَطْ، بِتَقْوَى اللهِ -عَزّ وجَلّ-، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:97].
وَقَالَ الشَّاعِرُ الحَكِيْمُ:
لَعَمْرُكُ مَا السَّعَادَةُ جَمْعُ مَالٍ *** وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْرَاً *** وَعِنْدَ اللهِ لِلْأَتْقَى مَزِيدُ
فَتَقْوَى اللهِ هِيَ سَبَبُ السَّعَادَةِ، لا سَبَبَ لِلسَّعَادَةِ غَيْرُها، والتَقْوَى تَكُون بِفِعْلِ أوامر اللهِ، وَتَرْكِ نَوَاهِيه.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنْ تَقْوَى اللهِ أَنْ تَتَّصَفَ بِثَلاثِ صِفَاتٍ: فَتَكُونَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذَنَبَ اسْتَغْفَرَ؛ فَهَذِهِ الثَّلَاثُ هِيَ عُنُوانُ السَّعَادَةِ! وَتَعَالَوْا نَأْخُذْهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ انْظُرْ فِي نَفْسِكَ: هَلْ لَكَ حَظٌ مِنْهَا؟.
الصِّفَةُ الأُولَى: إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ: وَالْعَطَاءُ يَكُونُ مِنَ اللهِ -عَزّ وجَلّ-، وَهُوَ الْأْصَلُ، وَيَكُونَ مِنَ النَّاسِ، فَالْوَاجِبُ شُكْرُ اللهِ -تَعَالَى-، وَكَذَلِكَ شُكْر مَنْ كَانَ سَبَبَاً فِي وُصُولِ هَذِهِ النِّعْمَةِ لَكَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ).
وَمَا أَكْثَرَ نِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا فِي أَنْفُسِنَا وَفِي أَهَالِينَا وَفِي مُجْتَمَعِنَا! قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل:53]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم:34].
وَلَكِنْ؛ مَا أَكْثَرَ مَا يَتَعَامَى النَّاسُ عَنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَى غَيْرِهِمْ وَيُقَارِنُونَ أَنْفُسَهُمْ بِهِم! فُرَبّمَا كَفُرُوا النِّعْمَةَ. وَمِنْ أَسْبَابِ رُؤْيَتِكَ نِعْمَ اللهِ عَلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ وَلا تَنْظُر إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ شُكْرَ اللهِ -عَزّ وجَلّ- يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، فَأَمَّا بِالْقَلْبِ فَتَعْتَقِد أَنَّ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ وَالنِّعَمَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَواتِ، وَأَمَّا الشُّكْرُ بِاللِّسَانِ فَتَكُونَ شَكَّارَاً مُتَحَدِّثَاً بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْكَ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْاسَبَةٌ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11].
وَأَمَّا الشُّكْرُ بِالْجَوَارِحِ فَأَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ -عَزّ وجَلّ- وَتَجْتَنِبَ مَعْصِيَتَهُ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ النِّعَمِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُنْعِمُ اللهُ عَلَيْهِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ أَوْ فِي صَرْفِهَا فِي الشَّرِّ، أَوْ يُسَافِر بِهَا إِلَى الْخَارِجِ لِيُفْسدَ هُوَ وَيُفْسِدَ أَوْلادَهُ وَزَوْجَتَهُ بِالْخَارِجِ، لِأَنَّهُ غَنِيٌّ، فَيَأْخَذ أَرْقَى الْفَنَادِقِ وَيَذْهَب إِلَى الْمَسَارِحِ وَإِلَى دُورِ الشَّرِّ وَمَوَاطِنِ الْفَسَادِ، وَرُبَّمَا ظَنَّ هَذَا أَنَّهُ حُرٌّ فِي مَالِهِ وَأَنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ كَيْفَ شَاءَ!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ: الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ؛ سَوَاءً أَكَانَ الْبَلَاءُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي سُمْعَتِهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا؛ فَالسَّعِيدُ هُنَا مَنْ إِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ عَلَى قَدَرِ اللهِ وَقَضَائِهِ وَلَمْ يَجْزَعْ وَلَمْ يَتَسَخَّطْ، وَيَعْلَم أَنَّ مَا أَصَابَهُ إِنَّمَا هُوَ بِذَنْبِهِ، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[الشورى:30]؛ فَيُحَاسِب نَفْسَهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَيُصْلِح عَمَلَهُ، وَبِهَذَا تُصْبِحُ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ مُصْلِحَةً لَهُ وُمُنَبِّهَةً لَهُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11]. قَالَ عَلْقَمَةُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَم أَنَّهَا مِنَ اللهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّم".
وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّسَخُّطَ خِلَافُ الصَّبْرِ، ثُمَّ إِنَّ التَّسَخُّطَ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا أَصَابَهُ بَلَاءٌ، وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّهُ، أَوْ أَنّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لا يُبْتَلَى بِكَذَا أَوْ كَذَا، وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ اللهَ ظَلَمَهُ، وَهَذَا حَرَامٌ لا يَجُوزُ، وَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ قَلْبِهِ وَيَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنَ الشيَّطْانِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا ابْتُلِيَ صَارَ يَتَذَمَّرُ بِلِسَانِهِ، وَرُبَّمَا شَتَمَ نَفْسَهُ أَوْ نَدَبَ حَظَّهُ، وَأَنْ غَيْرَهُ سَعِيدٌ وَهُوَ شَقِيٌّ، وَرُبَّمَا خَاطَبَ رَبَّهُ لِمَاذَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا حَصَلَتْ عَلَيْهِ مُصِيبَةٌ شَقَّ ثِيَابَهُ أَوْ نَتَفَ شَعرَهُ أَوْ صَارَ يَحْثو التَّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَكُلُّهُ حَرَامٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَالْوَاجِبُ -إِذِن- الصَّبُرُ وَانْتِظَارُ الْفَرَجِ وَاحْتِسَابُ الْأَجْرِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:155-157]؛ فَنَسْأَلُ اللهُ أَنْ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا.
أَقُولَ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ الصِّفَةَ الثَّالِثَةَ لِمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ: أَنَّهُ إِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
وَالذُّنُوبُ مَدَارُهَا عَلَى شَيْئَيْنِ: إِمَّا تَرْكُ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلُ مُحَرَّمٍ؛ فَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَأَذْنَبَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَمَنْ أَسْبَلَ ثَوْبَهُ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ فَقَدْ أَذْنَبَ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَمَنْ قَصَّرَ فِي حَقِّ وَالِدَيْهِ أَوْ أَقَارَبِهِ فَقَدْ تَرَكَ وَاجِبَاً، وَمَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ أَوْ عُمَّاله أَوْ خَدَمه فَقَدْ وَقَعَ فِي مُحَرَّمٍ، وَالْوَاجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لِكَيْ تَحْصُلَ عَلَى السَّعَادَةِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّوْبَةَ لا تَكُونُ مَقْبُولَةً إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: إِخْلَاصٌ للهِ، وَإِقْلَاعٌ مِنَ الذَّنْبِ، وَعَزْمٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ، وَنَدَمٌ عَلَى مَا فَعَلْتَ، وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ بِكَ أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ يِتَعَلَّقُ بِآدَمِيٍّ فَلا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْحُقُوقِ عَلَى أَصْحَابِهَا وَإِلَّا كَانَتِ الْمقَاصَّةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهُ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرَ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي