-أيها المرابطون- على جبهاتنا الخارجية والداخلية، من عزهم عزي، وعزي عزهم، ومن لحمهم لحمي ومن دمهم دمي، يا أسود الشرى، ويا ليوث الورى، يا مفترشة الأرض وملتحفة السماء، يا جبالا فوق الجبال، يا نصالا أحد من النصال، لا تكرهوا ما أنتم فيه، فإننا نغبطكم..
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن بهداهم اهتدى وعلى آثارهم اقتفى إلى يوم الدين، أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ:70-71]، واعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إنها لتتحرك مع كل صاروخ وعدوان، وتتعالى مع كل مساس بأمن وطن لا كالأوطان، إنها خلجات نفس لأسود العرين في الميدان، إنها خواطر عقل لكل مواطن يهوى العيش بأمن وأمان، ولعلها تصل؛ ففي كل مرة يظن فيها أصحاب عمائم السوء أنهم يحركون من رأس التكاتف السعودي شعرة بصواريخهم، بل إنه يزداد قوة واتحادا، وصلابة واتفاقا، وثباتا وإيمانا واتصالا ولحمة خلف قيادته، وعندها تقوى ريحه ويشتد أمره، وتعلو همة أهله، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الْأَنْفَالِ: 46].
وحيث إننا ننعم في سعادة وأمن وننام على فرشنا نوم المطمئن والعالم من حولنا عاج بالفتن؛ فإنا لذلك حكما وأسبابا وعللا وأسرارا، لا بد من معرفتها والعض عليها بالنواجذ، وهي هذه الخلجات والخواطر، ولعلها تصل إليكم -أيها المرابطون- على جبهاتنا الخارجية والداخلية، من عزهم عزي، وعزي عزهم، ومن لحمهم لحمي ومن دمهم دمي، يا أسود الشرى، ويا ليوث الورى، يا مفترشة الأرض وملتحفة السماء، يا جبالا فوق الجبال، يا نصالا أحد من النصال، لا تكرهوا ما أنتم فيه، فإننا نغبطكم، لا تملوا مقامكم؛ فإنا نسدنكم، لا تبرحوا رباطكم فإنا ندعو لكم، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الْبَقَرَةِ: 216].
كيف يكره المرء هذه الفضائل وقد فتح له بابها؛ فلم يبق له إلا الولوج، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التَّوْبَةِ: 111]، هنيئا لمن أرخص نفسه لترتفع "لا إله إلا الله"؛ هنيئا لمن أسهر عينه لتحمى "لا إله إلا الله"، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ألا يغبط من يعمل عملا حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي يمينا برة عليه وعلى رجائه وتمنيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرَسُولِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ –أي: جُرْح- يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ دَمٌ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّي لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلُهُمْ، وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدَدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أَغْزُوَ فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أَغْزُوَ فَأُقْتَلَ" (رواه مسلم في صحيحه).
يا مساعير الهيجاء، يا مداعيس العدا، هل يروي رياض المجد إلا الدماء، وهل تزين جنات البطولة إلا بأجساد من نحتسبهم عند الله شهداء؟ هل تستوي عند الله صيحات التكبير "الله أكبر" وصيحات الشرك "يا حسين، يا علي" وهما منهما براء؟ كلا والله والذي بسط الأرض ورفع السماء فجددوا في النفوس طلب الأجر من الله الكبير، وطئوا بأقدام العز على أنف كل مشرك حقير:
الله أكبر بسم الله مجريها *** الله أكبر بالتقوى سنرسيها
الله أكبر قولوها بلا وَجَل *** وحققوا القلب من مغزى معانيها
بها ستعلو على أفق الزمان لنا *** رايات عز علمنا كيف نفديها
أيها الجنود البواسل: نشكركم من الأعماق وندعو لكم بالنصر والثبات، ونحيي فيكم عزتكم وهمتكم وتسلحكم بالإيمان وبالقرآن فبهما يقترب النصر بإذن الله، (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الْفُرْقَانِ: 52]، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الرُّومِ: 47].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، نفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، واستغفروا ربكم إنه غفور رحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله -تعالى- تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
أيها المواطنون في كل بقعة من بلادي ولكم هذه الخواطر والخلجات ولعلها تصل:
أنا شعب على الوجود أطلا *** بثبات فوق التحدي تجلى
لا بأرضي ولا بتلوين جسمي *** بل بديني شأوت ذاتا وأصلا
فبه قُوَّتِي وفيه انطلاقي*** روَّع العالمينَ قولًا وفعلا
أيها المسلمون: عيون ساهرة وجهود مبذولة، وأموال مصروفة في بلد آمن يتخطف الناس من حوله، كيف لا يكون لنا في صنع مجده نصيب؟ كيف نرضى أن يفوز المرابطون بالعز والفخر والأجر وعندنا رباط وعز وفخر وأجر آخر؟
أيها الجنود البواسل: سيروا على بركة الله؛ فنحن من خلفكم، لا نتزحزح عن أسباب النصر إن شاء الله، ولا ننزل لمواقع الهلاك والعطب بإذن الله، وسننصر أمر الله فينا، ونأخذ على يدي سفيهنا، وندعو بالهداية لعاصينا، وننكر المنكر، ونأمر بالمعروف، وأي نصر يرتجى بغير هذا؟ (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [مُحَمَّدٍ: 7]، والنصر لا يتسجلب بمعاصي الله، ولا بالتمادي في حدود الله، ولا بالخلود إلى الأرض، وترك مواقع الثبات استعجالا لزهرة الدنيا، ومن شاء فلينظر لم جاء قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) [آلِ عِمْرَانَ: 130]؛ بين الآيات المتعلقة بغزوة أحد، إلا للدلالة على أن المعاصي من أعظم أسباب الهزيمة وتأخر النصر.
وأنتِ -أيتها الأخت المسلمة-: لكِ شأن في تعجيل النصر ورد كيد الأعداء، كما فعلت صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما مر بهم وهم في الحصن أيام الأحزاب رجل من يهود بالحصن فقالت وقد حاربت بني قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن يصرفوا عنا من ذلك شيئا- قالت: "احتجزت –أي: ربطتُ على بطني شيئا- ثم أخذتُ عمودا ثم نزلتُ من الحصن إليه فضربتُه بالعمود حتى قتلتُه"؛ فاحتجزي يا أختنا بإيمانك وتسلحي بعفتك وحجابك، واضربي بعمود عقيدتك وثباتك رأس الفتنة التي تجتاحنا وتجتاحك، وهذا من أعظم الجهاد، وفيه أجزل العطاء من رب العباد.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم كن لجنودنا البواسل عونا ونصيرا، ومؤيدا وظهيرا، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم ومن فوقهم، ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم.
اللهم آمن روعهم واجبر كسيرهم، واشفِ مرضاهم، وارحم موتاهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ردهم إلينا ردًّا جميلا، اللهم ردهم إلينا ردًّا جميلا سالمين غانمين، وثبتهم يا أرحم الراحمين.
اللهم صَلِّ على محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصل على محمد ما تعاقب الليل والنهار، وصل على محمد وعلى المهاجرين والأنصار وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي