الصنف الثاني: المساكين: والمسكين أحسن حالا من الفقير وهو الذي يجد نصف حاجته وأكثر ولكن لا يجد تمام كفايته.
الحمدلله الذي فرض الزكاة على الأغنياء وبيَّن مصارفها, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله –عزوجل-.
معاشر المسلمين: لقد أوجب الله الزكاة عليكم وجعلها الركن الثالث من أركان الإسلام, وجعلها قرينة الصلاة تعظيماً لشأنها في أكثر من عشرين موضعاً في القرآن الكريم, وقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- مانعيها, قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة: 43]، وقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة: 103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حَجَّة الوداع: "اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ"[1] (أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني).
والزكاة يا عباد الله هي: "إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالكٍ مخصوص"[2]. وبالزكاة -يا عباد الله- ينمو المال وتحصل فيه البركة, ويحصل الترابط والتآلف بين المجتمع غنيهم وفقيرهم, فيكون مجتمعاً متماسكاً, قال ابن حجر -رحمه الله-: "كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف وأخرجوا الزكاة"[3].
معاشر المسلمين: وتجب الزكاة في الذهب والفضة وما يلحق بهما من النقود وهي الأوراق المالية إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول وفي سائمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم ضأناً ومعزى, وفي الزروع والثمار وفي عروض التجارة وفي الركاز؛ كل ذلك حسب الشروط التي ذكرها أهل العلم, قال ابن المنذر -رحمه الله-: "أجمع أهل العلم على أن الزكاة تجب في تسعة أشياء: في الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والبر والشعير والتمر والزبيب. إذا بلغ من كل صنف منها ما تجب فيه الزكاة"[4].
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تفريق الزكاة على المستحقين الذين في بلد المال، وما فضل عنهم منها حملت إليه ففرقها هو صلى الله عليه وسلم"[5].
عباد الله: لقد بيَّن الله مصارف الزكاة فقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60]؛ فهؤلاء هم الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة ولا يجوز صرفها لغيرهم والواجب على مخرج الزكاة أن يتأكد من صرفها لمستحقها, وهم:
الصنف الأول: الفقراء. والفقير هو الذي لا يجد شيئاً أو يجد دون نصف حاجته.
الصنف الثاني: المساكين: والمسكين أحسن حالا من الفقير وهو الذي يجد نصف حاجته وأكثر ولكن لا يجد تمام كفايته.
والأولى على المزكي أن يدفع زكاته إلى الفقراء والمساكين الأتقى والأكثر طاعة[6], والأفضل على المزكي أن يبدأ بقرابته المستحقين للزكاة ممن لا تجب عليه النفقة عليهم, قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله-: "يستحب أن يبدأ بالأقرب فالأقرب، إلا أن يكون منهم من هو أشد حاجة فيقدمه، ولو كان غير القرابة أحوج أعطاه. وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: إن كانت القرابة محتاجة أعطاها، وإن كان غيرهم أحوج أعطاهم"[7]. وقال الإمام ابن باز –رحمه- الله عن المقدار الذي يعطى للفقراء والمساكين: "يعطون ما يكفيهم ويكفي عوائلهم في حاجاتهم الضرورية سنة كاملة"[8].
الصنف الثالث: العاملون عليها, قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "العاملون على الزكاة، وهم كل من له عمل وشغل فيها، من حافظ لها، أو جاب لها من أهلها، أو راع، أو حامل لها، أو كاتب، أو نحو ذلك، فيعطون لأجل عمالتهم، وهي أجرة لأعمالهم فيها"[9]. وقال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "يعطون منها بقدر عملهم وتعبهم على ما يراه ولي الأمر"[10].
معاشر المسلمين: لا يجوز للعامل عليها أن يأخذ من الزكاة شيئا بدون إذن الإمام لأنَّه نائب الإمام في قبض الزكاة ممن وجبت عليه, ومن أخذ شيئا دون علم الإمام فهو من خيانة الأمانة, وكذلك ليس للعامل أن يأخذ من الناس ما يعطونه باسم الهدية أو غيرها قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبته بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا، وَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلَّا لَقِيَ اللهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ"[11] (متفق عليه).
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم, قال الإمام ابن عثيمين -رحمه الله- عنهم: "هم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام، إما كافر يرجى إسلامه، وإما مسلم نعطيه لتقوية الإيمان في قلبه، وإما شرير نعطيه لدفع شره عن المسلمين، أو نحو ذلك ممن يكون في تأليفه مصلحة للمسلمين"[12].
الصنف الخامس من أصناف مصارف الزكاة: صرفها في الرقاب قال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- عنهم: "هم الأرقاء المكاتبون...فيعطى المكاتب ما يقدر به على وفاء دينه حتى يُعتق ويخلُص من الرق، ويجوز أن يشتري المسلم من زكاته عبدًا فيعتقه، ويجوز أن يُفتدى من الزكاة الأسير المسلم؛ لأنَّ في ذلك فكُّ رقبة المسلم من الأسر"[13].
الصنف السادس: الغارمون, قال الإمام ابن تيمية عنهم: "هم الذين عليهم ديون لا يجدون وفاءها فيعطون وفاء ديونهم ولو كان كثيرا إلا أن يكونوا غرموه في معصية الله –تعالى- فلا يعطون حتى يتوبوا"[14]. وقال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "الغارمون هم المدينون الذين عليهم ديون يعجزون عن أدائها، يعطون من الزكاة، وإذا كان غارمًا لإصلاح ذات البين فيعطى ولو كان غنيًّا ليؤدي الحمالة، حتى يصلح بين قبيلتين أو جماعتين، أصلح بينهم بمال فهذا محسن، فيعطى هذه الغرامة من الزكاة ولو كان غنيًّا"[15].
معاشر المسلمين: الصنف السابع من أصناف مصارف الزكاة: صرفها في سبيل الله, قال الإمام ابن عثيمين -رحمه الله-: "المراد بسبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فيعطى المقاتلون في سبيل الله الذين يظهر من حالهم أنهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، يعطون من الزكاة ما يحتاجون إليه من النفقات والأسلحة وغير ذلك. ويجوز أن تشترى الأسلحة لهم من الزكاة ليقاتلوا بها، ولكن لابد أن يكون القتال في سبيل الله"[16].
الصنف الثامن: ابن السبيل وهو المسافر الذي انقطعت به الأسباب عن بلده وماله, فهذا يعطى من مال الزكاة قدر حاجته حتى يصل إلى بلده وإن كان غنياً.
معاشر المسلمين: هذه هي أصناف مصارف الزكاة الثمانية لا يجوز صرفها لغيرهم, وينبغي على المزكي أن يتحرى ويتأكد حتى تصل زكاته إلى مستحقها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدلله الذي خلقنا لعبادته, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وأدوا زكاة أموالكم في وقتها, فإنَّه لا يجوز تأخيرها.
معاشر المسلمين: لا يجوز إعطاء الزكاة إلى غير الأصناف الثمانية, فلا يجوز صرفها في بناء المساجد ولا في صيانتها ولا في ماء السبيل ولا على من تلزمه نفقته من الوالدين والزوجة والأولاد, أمَّا الزوجة الغنية فيجوز أن تدفع زكاتها لزوجها إن كان داخلاً في أحد أصناف مصارف الزكاة الثمانية, ولا يجوز إعطاء الزكاة للغني ولا للقوي المكتسب ولا للكافر إلا المؤلفة قلوبهم، ولا يجوز أن تعطى لمن لا يصلي حتى يتوب, قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "من لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطى شيئا حتى يتوب ويلتزم بأداء الصلاة"[17].
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وارزقنا الإخلاص في القول والعمل.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين.....
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
[1] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه برقم (22161) والترمذي في أبواب السفر برقم (616) وصححه الألباني في الصحيحة برقم (867)
[2] التعريفات (ص: 114).
[3] فتح الباري لابن حجر (13/ 310-311).
[4] مجموع الفتاوى (25/ 10).
[5] ينظر زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 9).
[6] ينظر فتاوى اللجنة الدائمة (10/9) رقم الفتوى (2716).
[7] ينظر المغني لابن قدامة (2/ 513).
[8] مجموع فتاوى ابن باز (14/ 14)
[9] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 341).
[10] مجموع فتاوى ابن باز (14/ 14).
[11] أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور, باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم برقم (6636) ومسلم في كتاب الإمارة, باب تحريم هدايا العمال برقم (1832) واللفظ له.
[12] فقه العبادات للعثيمين (ص: 205، بترقيم الشاملة آليا).
[13] ينظر الملخص الفقهي (1/ 362).
[14] مجموع الفتاوى (28/ 274).
[15] فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (15/ 309).
[16] فقه العبادات للعثيمين (ص: 205، بترقيم الشاملة آليا).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي