الاستعداد لاستقبال رمضان

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. تفضيل شهر رمضان على غيره من الشهور .
  2. من فضائل شهر رمضان .
  3. وقفات حول استقبال شهر رمضان .

اقتباس

يجدر بشهر هذا فضله أن نقدُرَ له قدره، ونحفظَ أوقاته عن الملهيات، وما أكثرها في رمضان؛ حيث تنشط القنوات الفضائية في بثِّ برامج خاصة تتسابق فيها؛ لتكسب أكبر قدر من المشاهدين؛ فاحذورا إضاعة أوقاتكم أمامها، وأقبلوا على تلاوة كتاب ربكم وكــثرة الطاعات والاستغفار، ولنا وقفات لاستقبال هذا الشهر المبارك...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم للخيرات؛ ليتسابقوا فيها إلى عمل الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بعبادته، وأشهد أن محمدا رسولُ الله بعثه الله بشيرا ونذيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].

قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "كونوا مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم وأحوالهم لا تكون إلا صدقاً خليَّة من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة؛ فإنَّ الصدق يهدي إلى البر، وإنَّ البر يهدي إلى الجنة".

أيها المسلمون: إنكم في دنيا فانية، لا ينفعكم فيها إلا طاعتكم لربكم، ولقد فضَّل الله بعض الأيام وبعض الشهور، ومن الأشهر التي فضَّلها الله شهر رمضان، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185].

قال السعدي -رحمه الله-: "حقيق بشهرٍ هذا فضله، وهذا إحسانُ اللهِ عليكم فيه أن يكون موسماً للعباد مفروضاً فيه الصيام".

أيها المسلمون: من فضائل هذا الشهر فتحُ أبواب الجنة فيه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ" متفق عليه، وفي زيادة عند مسلم: "وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ".

قال القاضي عياض -رحمه الله- عن هذا الحديث: "يحتمل أنَّه على ظاهره وحقيقته، وأنَّ تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامةٌ لدخول الشهر وتعظيمٌ لحرمته، ويكون التصفيد؛ ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم. قال: ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم؛ ليصيروا كالمصفدين، ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء، ولناس دون ناس، ويؤيد هذه الرواية الثانية فتحت أبواب الرحمة وجاء في حديث آخر صفدت مردة الشياطين".

"فإِن قيل: نرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيراً؛ فلو كانت الشَّيَاطين مصفدة مَا وقع شرّ!؛ فالجواب من أوجه:

أَحدها: إِنَّما يغلُّ عن الصائمين صوماً حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أما ما لم يحافظ عليه فلا يغلُّ عن فاعله الشيطان.

الثاني: لو سُلِّم أَنَّها مصفدةٌ عن كل صائم فلا يلزم ألا يقع شَرّ؛ لأنَّ لوقوع الشَّرِّ أسباباً أُخرى غيرَ الشَّياطين، وهي النُّفُوس الخبيثة والعادات الركيكة والشَّياطِين الإنسية.

الثالث: أَن المرادَ غَالبُ الشَّيَاطِين والمردة منهُم، وأما غيرهم فقد لا يصفد، والمراد تقليل الشرور وذلك موجود في رمضان؛ فإِن وقوعَ الشرور والفواحِشَ فيه قليل بالنِّسبةِ إِلى غيره من الشُّهُور".

عباد الله: يجدر بشهر هذا فضله أن نقدُرَ له قدره، ونحفظَ أوقاته عن الملهيات، وما أكثرها في رمضان؛ حيث تنشط القنوات الفضائية في بثِّ برامج خاصة تتسابق فيها؛ لتكسب أكبر قدر من المشاهدين؛ فاحذورا إضاعة أوقاتكم أمامها، وأقبلوا على تلاوة كتاب ربكم وكــثرة الطاعات والاستغفار، ولنا وقفات لاستقبال هذا الشهر المبارك:

الوقفة الأولى: أهميَّة التوبة وكثرة الاستغفار، والتسبيح والدعاء والصدقات من إطعام الطعام، وإعانة المحتاج، والتنفيس عن المكروب، وسلِّ سخيمة القلب؛ ليصبح قلباً سليماً على إخوانه المسلمين.

الوقفة الثانية: الحذر كلَّ الحذر من النوم عن صلاة الجماعة، والحذر من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها؛ إذ على المرء أن يُرتِّب وقته؛ فلا يسهر ليله ولا ينام نهاره، بل ينام من ليله ما يعينه على طاعة ربه، ويقوم نهاره طالبا الرزق ومُكثراً من طاعة ربه.

الوقفة الثالثة: أنَّ من الناس من يسهر ليالي رمضان على مالا يفيده في دينه ولا في دنياه؛ فإما أن يجتمع مع أصحابه في الاستراحات على الإثم، على قيلَ وقال من غيبة ونميمة وكذب ووشاية، أو على شيء يغفل معه عن ذكر الله، أو أن يجتمع معهم على مشاهدة الشاشات التي تعرِضُ النساء الكاشفات المتجمِّلات في البرامج والمسلسلات، وما يصحبها من معازف فيكون اجتماعهم اجتماعاً على ما حرَّم اللهُ النظرَ إليه من المتبرجات وسماع ما حرَّم الله من صوت المعازف، وفي هذا إثم على أولئك، وغفلةٌ تكسِّل عن عمل الصالحات.

الوقفة الرابعة: أن لا يكون همُّ المرء في رمضان التكثير من أصناف الطعام، ومزاحمة الناس في الأسواق لملءِ البيت منها؛ فالبعض إذا قدم هذا الشهر كأنَّه سيقدم على مجاعة لا يدري متى تنقضي؛ فينوِّع أكله ويُكثِّره ويأكل بشراهة، والذي يبقى أكثرُ من الذي يأكل كأنَّه لن يُسأل عما بقي منه، حتى إذا كانت صلاة العشاء والتراويح ثقلَ وتكاسل، وإذا جاء إلى المسجد قال: أطال بنا الإمام التراويح مع أنَّ الإمام لم يتجاوز ساعةً واحدة في صلاته، قال صلى الله عليه وسلم: "ما مَلأ آدمِيٌّ وعاءً شرّاً مِنْ بطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدمَ أُكَيْلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحالَة؛ فثلُثٌ لِطَعامِهِ، وثلُثٌ لِشرابِهِ، وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

الوقفة الخامسة: أهمية الإقبال على تلاوة القرآن الكريم؛ فقد كان سلف هذه الأمة يكثرون من تلاوته ليلاً ونهاراً؛ فمنهم من يختمه عشر مرات في رمضان ومنهم من يزيد على ذلك، يتلونه تلاوة صحيحة مع فهم للمعنى.

الوقفة السادسة -يا عباد الله-: إنَّ أسعد الناس في رمضان من انصرف إلى طاعة ربه، وحفظ أوقاته واستعد بترتيب جميع ما يحتاج إليه قبل دخول رمضان؛ من حاجات الشهر وحاجات عيد الفطر له ولأهل بيته؛ ليتفرغ لعبادة الله فلا تجده يُضيِّع أوقاته بدخول السوق؛ لحسن استعداده ولتقديره أوقاتَ رمضان المبارك.

الوقفة السابعة: على الأب أن يكون قدوة صالحة لأبنائه في هذا الشهر، ويشجِّع أهل بيته على طاعة الله وعلى كثرة تلاوة القرآن الكريم، ولا مانع من المحفِّزات التي تكون دافعاً لهم على عمل الصالحات.

اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن وتقبله منا بعظيم فضلك وإحسانك ورحمتك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أمرنا بطاعته، ونهانا عن معصيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله واصحابه أجمعين.

أما بعد: فأوصيكم -يا عباد الله- بتقوى الله -تعالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أيها المسلمون: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" اللهم صلِّ وسلم على رسولك محمد صاحب الحوض والشفاعة والمقام المحمود وآله وصحبه، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وجميع بلدان المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان، وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك. اللهم أصلح وليِّ أمرنا ونائبيه وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم انصرهم بالحق وانصر الحق بهم، واجمع بهم كلمة المسلمين على الحق يا حي يا قيوم.

اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرها واحفظ علماءها وأهلها واصرف عنها الفتن والحروب، وزدها قوة وأمناً ورخاء وزدها تمسُّكاً بالدين، اللهم انصر بها دينك وأعل بها كلمتك، وارزق أهلها شكرَ نعمك.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في سوريا وفي فلسطين وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا وفي الاحواز وفي بورما وفي جميع البلاد الإٍسلامية.

اللهم صُبَّ غضبك وأليم عقابك على الكفار المعتدين الذين يفسدون في بلاد المسلمين، اللهم فرق جمعهم وخالف بين قلوبهم ودمرهم بسلاحهم، اللهم عليك بالصهاينة والصليبيين والمجوس والصفويين والحوثيين والروس المعتدين اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم.

اللهم انصر جنود التحالف العربي اللهم صوِّب آراءهم وثبت أقدامهم وسدد رميهم وأيِّدهم وأمدَّهُم بمدد من عندك، وانصرهم على الحوثيين وأعوانهم من الخونة والمرتزقة، اللهم عليك بالحوثيين ومن ناصرهم اللهم اهزمهم وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم صبَّ عليهم العذاب صبَّا، اللهم طهِّر أرض اليمن منهم.

اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد وانشر رحمتك على العباد.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والرياء والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلدان المسلمين عامة يا أرحم الراحمين.

اللهم عُمَّ بالرخاء والخير جميع بلدان المسلمين، اللهم أطفئ نيران الفتن والحروب واحقن دماء المسلمين.

اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا وتوَّلَ أمرنا، وانصرنا على أعدائنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين؛ فلا حول لنا ولا قوة إلا بك يا قوي يا عزيز.

اللهم آمن روعتنا واستر عوراتنا وعافنا في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا، وأصلح نساءنا وذرياتنا وأصلح شبابنا واكفهم شر كل ذي شر.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة:127-128].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي