فلا يجوز صرف الزكاة المفروضة إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا تصرف حتى في بناء المساجد أو إصلاح الطرق، أو غيرها من أعمال البر لأن الله -تعالى- ذكرها بقوله: (إنما) وهي للحصر، تثبت المذكور وتنفي ما عداه، ونقل ابن قدامة وابن المنذر وغيرهما الإجماع على ذلك...
عباد الله: إن من أعظم أركان الإسلام الزكاة، حتى إنها قرنت بالصلاة في قرابة الثلاثين موضعا في القرآن، ولعظمها حدد الله -جل وعلا- مستحقيها، فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60]؛ فلا يجوز صرف الزكاة المفروضة إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا تصرف حتى في بناء المساجد أو إصلاح الطرق، أو غيرها من أعمال البر لأن الله -تعالى- ذكرها بقوله: (إنما) وهي للحصر، تثبت المذكور وتنفي ما عداه، ونقل ابن قدامة وابن المنذر وغيرهما الإجماع على ذلك.
وأصناف مستحقي الزكاة هم:
الأول: الفقراء، وهم: من لا يجدون شيء من الكفاية أو يجدون بعضاً من الكفاية، ولا يملك نصاباً نامياً فائضاً عن حاجته، وهم بالغالب بلا كسب، أو لديهم كسب لا يسد نفقتهم، أو يسد نفقة من تجب عليهم نفقتهم، فيعطى ما يكمل له كفايته، سنة كاملة إن أمكن ذلك، والأصل أن يعطى الفقير في كل عام ما يكفي لمثله، حتى يتفرغ لعبادة ربه وتربية أولاده.
الثاني: المساكين، وهم الذين يجدن أكثر الكفاية أو نصفها، من كسبٍ أو غيره، فالمسكين قد يكون عنده مال، وعنده مصدر دخل، لكنه لا يكفيه أو لا يكفي من تجب عليه نفقتهم قال تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـاكِينَ يَعْمَلُونَ في الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف:79]؛ فقد سماهم الله مساكين مع أن لهم مصدر دخل وهي السفينة فعلم أن وجود مورد أو مصدر دخل، قد لا يخرج الإنسان من دائرة أهل الزكاة؛ فيعطى المسكين من الزكاة، ما يكمل له به كفايته، وكفاية من يعول من النفقة عاماً كاملاً، مثله مثل المسكين من مأكل ومشرب ومسكن وكسوة، قال -صلى الله وعليه وسلم-: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفُطنُ له؛ فيتصدق عليه ويستحي ولا يقوم فيسأل الناس إلحافاً"، وأصل الحديث في الصحيحين.
الثالث: العاملون عليها: وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام، لأخذ الزكاة من أربابها كجباتها وحفظها، وكتابها، وقسامها بين مستحقيها؛ فيعطى العامل من الزكاة بقدر أجرته، حتى ولو كان غنياً، فتكون أجرة العامل على الزكاة بقدر الكفاية لقوله -صلى الله وعليه وسلم-: "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادم، فإن لم يكن له مسكناً فليكتسب مسكنًا" (رواه ابن خزيمة في صحيحه)، أما إذا كان له مرتب أو عطاء من بيت المال مقابل جهده فلا يعطى من الزكاة شيء؛ فإذا كان للعمال عطاء من بيت المال؛ فيحرم عليهم الزكاة، لقوله -صلى الله وعليه وسلم-: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً ثم أخذ بعد ذلك فهو غلول" (رواه أبو داود بسند صحيح)، وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- سَاعِيًا، ثُمَّ قَالَ: "انْطَلِقْ أَبَا مَسْعُودٍ، وَلَا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ وَعَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ، قَدْ غَلَلْتَهُ" قَالَ: إِذًا لَا أَنْطَلِقُ قَالَ: "إِذًا لَا أُكْرِهُكَ" (رواه أبو داود).
وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على من أوكل لهم دفع الزكاة أن يدفعوها بأنفس راضية، فلهم مثل أجر المتصدقين: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ، الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ" (متفق عليه).
الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهو السيد المطاع في عشيرته مما يرجى إسلامه، أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيرة، أو جباية الزكاة مما لا يعطيها، فلولي الأمر أن يعطي من غير المسلمين من توفرت بهم الضوابط الماضية، كما أعطى صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل تأليفاً لقلبه، وأصل الحديث عند مسلم، ويعطي ولي الأمر من أهل الإسلام ولو كانوا أغنياء؛ ليؤلف قلوبهم على الإسلام أو من أجل أن يتأثر بهم من يضاهيهم بالجاه من غير المسلمين، أو من أجل أن يعينوا ولي الأمر على جباية الزكاة من بلدانٍ لا يعطوها، أو لأقوام مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم، كما أعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وزيد الخير؛ فيعطى لهؤلاء قدر ما يحصل به التأليف.
الخامس: في الرقاب والأصل فيهم المكاتبون المسلمون، الذين اشتروا أنفسهم من سادتهم بثمن مؤجل، يؤدى مقسطناً فيعان على ذلك حتى يعتق رقابهم، ويشمل الرقاب أيضاً، الأسير المسلم الذي وقع في قبضة الكفار، ومثله المملوك المسلم، قال تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد:11]، ومعنى الآية فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة ولعظم أجر عتق الرقاب جعلها الله تعالى المكفرة الأولى للقتل والظهار والوطيء في نهار رمضان، وإحدى خيارات كفارات اليمين، فيدفع إلى المكاتب المسلم ما تفك به رقبته أو يكمل ما دفعه، ويدفع لمن أسر المسلم ما يفك به أسره.
السادس: الغارمون وهم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم، ويشمل أيضاً الذي استدانوا للإصلاح بين الناس، فهناك من يتحمل ديناً لتسكين فتنة، أو إصلاح بين طائفتين، فيدفع له لتسديد ما لحق ذمته ولو كان غنياً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ورجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله" (رواه مسلم)؛ فيعطى الغارم ما يقضي عليه من الغرم.
السابع: في سبيل الله والمقصود نصرة دين الله، فيعطى الغزاة الذين لا رواتب لهم، وخرجوا مع الجيش متطوعين، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على الجهاد ونفقات أولادهم حتى لو كانوا أغنياء، لقوله صلى الله وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة وذكر منهم غازٍ في سبيل الله" (رواه أبو داود وغيره بسندٍ صحيح)، واختلف العلماء هل يعتبر الحج في سبيل الله؟ فذهب بعضهم إلى ذلك، قال شيخنا ابن باز: "فيجوز دفع الزكاة في الحج، وهو الأظهر لأن الحج جهاد في سبيل الله"، وقال شيخ الإسلام في الاختيارات: "ومن لم يحج حجة الإسلام، وهو فقير أعطي ما يحج به، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقد أفتت اللجنة الدائمة بذلك".
الثامن: وابن السبيل وهو المسافر الغريب المنقطع في سفره عن أهله وماله، وليس له ما يرجع به إلى بلده، ولو كان غنياً في بلده، فيعطى منها ما يوصله إلى بلده.
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: وهناك مسائل مهمة في مصارف الزكاة:
المسألة الأولى: أن الزكاة لا تحل إلى آل النبي وهم بنوا هاشم، لقوله -صلى الله وعليه وسلم-: "إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس" (رواه مسلم)، قال ابن قدامة رحمه: "لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة".
المسألة الثانية: لا تدفع الزكاة إلى امرأة فقيرة؛ إذا كانت تحت غني ينفق عليها، أما إذا لم ينفق عليها، وتعبوا بإصلاحه؛ فإنه يجوز دفع الزكاة لها على قدر حجتها.
المسألة الثالثة: كذلك لا تدفع الزكاة إلى فقير وجد من ينفق عليه، لاستغنائه بذلك، كذلك لا تدفع الزكاة إلى الآباء والأمهات والأجداد والجدات، ولا الأبناء والبنات وابناء الأبناء، ولا تدفع لوارث، كذلك لا يدفع الزوج زكاته لزوجته، وأما الزوجة الغنية وزوجها فقير، فالراجح أنه يجوز أن تدفع له من الزكاة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم" (رواه البخاري في صحيحه).
وهناك مسائل معاصرة أفتى بها بعض أهل العلم، وهي محل خلاف واسع، كحفر آبار لفقراء لم يحصلوا عليها من صدقة التطوع، وإنشاء مستشفيات للفقراء والمساكين إذا دعت الحاجة الماسة إليها، وكذلك إنشاء مدارس للفقراء والمساكين تعلمهم العلوم الشرعية إذا كانوا في وسط أجواء تدعو إلى تنصيرهم، وأما ولائم الإفطار التي تقام في المساجد؛ فلا يجوز أن تدفع فيها من الزكاة؛ لأنها عرضة لانتفاع الفقراء والأغنياء.
وإذا اجتمع في واحد من أهل الزكاة سببان جاز أن يأخذ بكل واحدٍ منهما منفرداً، كالفقير الغارم؛ فيعطى ما يقضي دينه، ويعطى ما يغنيه ويسد حاجته.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي