رمضان شهر الجود

محمد بن مبارك الشرافي
عناصر الخطبة
  1. فضل الصدقة وثوابها على الفرد في الدنيا والآخرة. .

اقتباس

وَكَانَ لا يَسْأَلُهُ أَحْدٌ شَيْئًا عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لا يَخْافُ الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ وَكَانَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيه أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ يَمِينُهُ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ...

الخطبة الأولى:

إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ، وَأَعْظَمِ الْقُرَبِ، وَأَنْفَعِ الطَّاعَاتِ: الصَّدَقَةَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ، وَالْإِنْفَاقَ عَلَى مُحْتَاجِيهِمْ، وَاْلبَذْلَ عَلَى مَنْ أَصَابَتْهُمُ الْأَمْرَاضُ وَالْعَاهَاتُ فَأَقْعَدَتْهُمْ عَنِ التَّكَسُّبِ وَالْعَمَلِ، وَالْجُودَ عَلَى مَنْ حَلَّتْ بِأَرْزَاقِهِمْ الْجَوَائِحُ مِنْ سُيُولٍ وَعَوَاصِفَ وَأَعَاصِيرَ وَزَلازَلٍ، وَالْإِعَانَةَ لِمَنْ خَنَقَتْهُمُ الدُّيُونُ أَوْ حَبَسَتْهُمْ فِي السُّجُونِ؛ وَإِنَّ الصَّدَقَةَ سُمِّيَتْ بِهَذَا الاسْمِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِ صَاحِبِهَا وَيَقِينِهِ بِوَعْدِ اللهِ وَثَوَابِهِ, وَخَلَفِهِ الْعَاجِلِ وَالآجِلِ, قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].

فَتَأَمَّلْ -يَا مُسْلِمُ- كَيْفَ يَتَضَاعَفُ مَالُكَ إِذَا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى قَدْ يَصِلُ إِلَى سَبْعِمَائَةِ مَرَّةٍ, وَاللهُ يُضَاعِفُ أَكْثَرَ, وَهَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ بِحَسَبِ إِخْلَاصِكَ فِي عَمَلِكَ وَبِحَسَبِ اتِّبَاعَكِ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ تَعَالَى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)[الحديد: 7]؛ اللهُ أَكْبَرُ انْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا جَعَلَنَا اللهُ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهَا, ثُمَّ إِذَا أَنْفَقْنَاهَا فِي الْخَيْرِ فَقَدْ وَعَدَنَا اللهُ أَجْرَاً كَبِيرَاً, فَأَيْنَ الْمُنْفِقُونَ؟

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُضَاعِفُ اللهُ لَهُ صَدَقَتَهُ, وَيَجِدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَامَهُ أَوْفَرَ مَا تَكُون, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَمَعْنَى فَلُوَّهُ: أَيْ  مُهْرَهُ الصَّغِير.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ مَالِكَ وَنَمَائِهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

إِنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُحْسِنٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ), وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ: "أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

إِنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُتَسَبِّبٌ فِي بَسْطِ رِزْقِهِ، وَزِيَادَةِ مَالِهِ، وَحُلُولِ الْبَرَكَةِ فِيهِ، قَالَ اللهُ –سُبْحَانَهُ-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ مَالِكَ وَدُخُولِهِ مَعَكَ فِي قَبْرَكِ ,عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يُنْقِصُ مَالَكَ بَلْ يَزِيدُهُ, فَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ذَلِكَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ أَسْبَابِ مَحْوِ خَطَايَاكَ, عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطِيبِ النَّفْسِ, وَالْعَكْسِ بِالْعَكْسِ, قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ النَّاسِ صَدَقَةً بِمَا مَلَكَتْ يَدُهُ، وَكَانَ لا يَسْتَكْثِرُ شَيْئًا أَعْطَاهُ للهِ –تَعَالَى- وَلا يَسْتَقِلُّهُ، وَكَانَ لا يَسْأَلُهُ أَحْدٌ شَيْئًا عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لا يَخْافُ الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ وَكَانَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيه أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ يَمِينُهُ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ … وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَحَ الْخَلْقِ صَدْرًا وَأَطْيبَهُمْ نَفْسًا وَأَنْعَمَهُمْ قَلْبًا، فَإِنَّ لِلصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي شَرْحِ الصَّدْرِ.

وَقَالَ: "فَإِنَّ لِلصَّدَقة تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي دَفْعِ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَاجِرٍ أَوْ مِنْ ظَالِمٍ بَلْ مِنْ كَافِرٍ فَإِنَّ اللهَ –تَعَالَى- يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُ أَنْوَاعًا مِنَ الْبَلَاءِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ خَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهمُ مُقِرُّونَ بِهِ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوهُ". انْتَهَى كَلامُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُضَاعَفُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَتُزَادُ فِيهُ الْأُجُورُ, قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَانْبَسِطُوا فِيهِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ مُضَاعَفَةٌ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَتْسِبيحَةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تَسْبيحَةِ فِي غَيْرِهِ".

فَاغْتَنِمْ رَمْضَانَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ وَأَنْفِقْ مِنْ طِيبِ مَالِكَ قَبْلَ أَنْ تَذَهَبَ عَنْهُ, فَإِنَّ مَالَكَ مَا قَدَّمَتَ وَمَالَ وَارِثِكَ مَا خَلَّفْتَ…

أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمْ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الرَّسُولِ الْمُلْهَم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَلِمَنْ هُدَاهُ تَعَلَّم.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التِي تُنْفِقُ فِيهَا مَالَكَ وَخُصُوصَاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ مُضَاعَفَةِ الْأُجُورِ: الْمُسَاهَمَةَ فِي خِدْمَةِ كِتَابِ اللهِ الْقُرْآن, وَذَلِكَ بِدَعْمِ حَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, ودعم الدور النسائية, الَّتِي تَقُومُ بِجُهُودٍ جَبَّارَةٍ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, وَهِيَ مُمْتَدَّةٌ فِي أَرْجَاءِ مَمْلَكَتِنَا حَرَسَهَا اللهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمْ مِنْ سَكِينَةٍ نَزَلَتْ عَلَى بِلَادِنَا بِسَبَبِ هَذِهِ الْحَلْقَاتِ الْمُبَارَكَةِ!، وَكَمْ مِنْ رَحَمَاتٍ غَشِيَتْ مُجْتَمَعَنَا مِنْ نُورِ هَذِهِ الْحَلْقَاتِ!، وَكَمْ مِنْ مَلائِكَةٍ تَحُفُّنَا إِكْرَامَاً وَإِجْلَالاً لِأَهْلِ الْقُرْآنِ!, وَكَمْ دَوَّتَ أَصْوَاتُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِي بُيُوتِنَا يُرَتِّلُونَ كِتَابَ اللهُ النَّورَ الْمُبِينَ!.

إِنَّ لِجَمْعِيَّاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ آثَاراً حَمِيدَةً عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعِ يَطُولُ الْمَقَامُ بِذِكْرِهَا, يَشْهَدُ بِهَا مَنْ عَرَفَ جُهُودَهَا, وَإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى عَشَرَاتِ الْحَلَقَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ, وَعَشْرَاتِ الْحَلْقَاتِ فِي الدُّورِ النِّسَائِيَّةِ الْمُنْتَشَرِةِ فِي أَرْجَاءِ الْمُحَافَظَةِ, وَإِنَّ هَذِهِ الْحَلْقَاتِ وَالدُّورِ تَحْتَاجُ لِلدَّعْمِ الْمَادِيِّ لِكَيْ تَسْتَمِرَّ, لِأَنَّ الْمَصْرُوفَاتِ الشَّهْرِيَّةَ تَصِلَ إِلَى عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ بَلْ رُبَّمَا مِئَاتِ الْأُلُوفِ, مِنْ مُكَافَآتٍ لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ وَمِنْ حَوَافِزَ وَجَوَائِزَ لِلطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّكَ بِمُشَارَكَتِكَ بِمَالِكَ تُسْهِمُ فِي دَفْعِ عَجَلَةِ الِعْلِمِ وَالتَّعْلِيمِ لِكِتَابِ اللهِ وَتُعِينُ بِإِذْنِ اللهِ عَلَى اسْتِمْرِارِ عَطَاءِ الحَلَقَاتِ القُرْآنِيَةِ, وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدَّمَ الْجِهَادَ بِالْمَالِ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

فَاعْلَمْ أَنَّكَ بِدَعْمِكَ لِجُهُودِ جَمْعِيَّةِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ أَنَّكَ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنَّكَ مُسَاهِمٌ بِمَالِكَ فِي دَعْمِ جُهُودِ تَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ.

فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى الْمُسَاهَمَةِ فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَأَنَّ يُوَفِّقَنَا لِدَعْمِ جُهُودِ الْعِنَايَةِ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَأَهْلِهِ, وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنَ الشَّيْطَانِ الذِي يُخِذِّلُنَا عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَشَارِيعِ الْخَيْرِيَّةِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا, وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا.

اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمورِنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وعبادَكَ الصالحينَ, اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ, اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ, اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَا وجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها  وَمَا بَطَن, اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي