هذا ما يحتاج الصائم معرفته

محمد بن مبارك الشرافي
عناصر الخطبة
  1. ما يحتاج الصائم إلى معرفته في شهر الصيام .

اقتباس

كَيْفَ أَعِيشُ مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضانَ؟ وَالْجَوَابُ: لِيَكُنْ يَوْمُكَ فِي رَمَضَانَ يَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ أُمُورٍ مَعَ الْقُرْآنِ: التِّلَاوَةَ وَالْحِفْظَ وَالتَّدَبُّرَ؛ فَأَمَّا التِّلَاوُةُ فَاجْعَلْ لَكَ وِرْدًا مُحَدَّدًا مِنَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ احْرِصْ أَنْ تَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَاخْتَرِ الْوَقْتَ الذِي تَكُونُ فِيهِ مُرْتَاحًا، وَلا يَقِلُّ...

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مِنْ رَبِّكُمُ الْكَرِيمُ, رَبِّكُمُ الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ، أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاعَتْ بُطُونُكُمْ وَظَمِئَتْ أَكْبَادُكُمْ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ اللهِ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ؛ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمْلًا.

أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: هَذِهِ خُطْبَةٌ تُجِيبُ عَنْ تَسَاؤُلاتٍ طَالَمَا احْتَاجَهَا الصَّائِمُ، تُنِيُر أَجْوِبِتُهَا -بِإِذْنِ اللهِ- لَهُ طَرِيقَهُ، وَتَشْفِى أَدِلَّتُهَا مَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ صِيَامِهِ:

أَوَّلًا: مَا فَضِيلَةُ الصِّيَامِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟ وَالْجَوَابُ: أمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكَ تُطِيعُ رَبَّكَ وَتَمْتَثِلُ أَمْرَهُ، وَتُكْمِلُ دِينَكَ وَتَنَالُ التَّقَوى، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَيَنْتَظُرَكَ الْفَرَحُ وَتَدْخُلَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

ثَانِيًا: كَيْفَ أَصُومُ عَلَى السُّنَّةِ ؟ وَالْجَوَابُ: بِخَمْسَةِ أُمُورٍ: السُّحُورِ وَحِفْظِ الْجَوَارِحِ وَالدُّعَاءِ وَالْإِفْطَارِ وَالتَّرَاوِيحِ؛ فَأَمَّا السُّحُورُ: فَتَتَسَحَّرُ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ، وَيَكُونُ سُحُورُكَ قُبَيْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ)، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاةِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: وَأَمَّا حِفْظُ الْجَوَارِحِ: فَاحْرِصْ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ عَلَى الابْتِعَادِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ غَيْرِهَا ، فَلَيْسَ الصِّيَامُ أَنْ تَصُومَ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ ، ثُمْ تُطْلِقُ لِنَفْسِكَ الْعَنَانَ فِي فِعْلِ مَا تَشَاءُ بِحُجَّةِ أَنَّكَ صَائِمٌ تُرِيدُ تَسْلِيَةَ نَفْسِكَ ، فَهَذَا لا يَحِلُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةُ اللهِ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الصِّيَامِ وَيَقُولُونَ نَحْفَظُ صِيَامَنَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَا قَالَ: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ ، وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ صِيَامِكَ وَفِطْرِكَ سَوَاءً"(رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَاحْرِصْ عَلَيْهِ دَائِمًا, وَخَاصَّةً قَبْلَ الْإِفْطَارِ بِدَقَائِقَ فَتَوَجَّهْ لِلْقِبْلَةِ وَارْفَعْ يَدَيْكَ وَاسْأَلْ رَبَّكَ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ" (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

وَأَمَّا السُّنَّةُ فِي الْإِفْطَارِ فَتَكُونَ بِأَمْرَيْنِ: الْمُبَادَرَةِ بِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى رُطَبٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَتَمْرٌ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَمَاءٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-مَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْه)، وعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْطِرُ على رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فعلى تَمَرَاتٍ، فإن لم تكن تَمَراتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ: فَهِيَ قِيَامُ رَمَضَانَ وَالسُّنَّةُ فِعْلُهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجَدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ حُضُورُهَا فِي الْمَسَاجِدِ، وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَل، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).

ثَالِثًا: هَلِ الْمَعَاصِي فِي رَمَضَانَ تُبْطِلُ الصِّيَامَ ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا الْمَعَاصِي الْعَامَّةُ فَإِنَّهَا لا تُبْطِلُ الصِّيَامَ لَكِنَّهَا قَطْعًا تُنْقِصُ الْأَجْرَ، وَقَدْ يَكْسَبُ مِنَ الْأَوْزَارِ مَا يَطْغَى عَلَى حَسَنَاتِ الصِّيَامِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ" (رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَمِنْ أَسْوَأَ مَا يَقَعُ فِيهِ الصَّائِمُونَ وَخاَصَةً الشَّبَابَ النَّوْمُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ كَارِثَةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا.

وَأَمَّا الْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصِّيَامِ فَهِيَ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْمُغَذِّي الطِّبِّي، وَالْجِمَاعُ والاسْتِمْنَاءُ وَالْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ، فَهَذِهِ إِذَا فَعَلَهَا مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ مُخْتَارًا فَإِنَّهَا تُبْطِلُ صَوْمَهُ, بل إن إفساد الصيام بشيء منها عمدا بغير عذر من كبائر الذنوب, عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضُبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْراً فَقَالَا لِي: اصْعَدْ! حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ شَدِيدٍ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ ؟ قَالَ: هَذَا عُواءُ أَهْلِ النَّارِ! ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ, مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ, تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا! فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُوْنَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ" (رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

رَابِعًا: كَيْفَ أَعِيشُ مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضانَ؟ وَالْجَوَابُ: لِيَكُنْ يَوْمُكَ فِي رَمَضَانَ يَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ أُمُورٍ مَعَ الْقُرْآنِ: التِّلَاوَةَ وَالْحِفْظَ وَالتَّدَبُّرَ؛ فَأَمَّا التِّلَاوُةُ فَاجْعَلْ لَكَ وِرْدًا مُحَدَّدًا مِنَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ احْرِصْ أَنْ تَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَاخْتَرِ الْوَقْتَ الذِي تَكُونُ فِيهِ مُرْتَاحًا، وَلا يَقِلُّ جُلُوسُكَ عَنْ سَاعَةٍ فَفِيهَا تَخْتِمُ بِإِذْنِ اللهِ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، وَبِهَذاَ تَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ 3 مَرَّاتٍ.

وَأَمَّا الْحِفْظُ فَاحْفَظْ مَا تَيَسَّرَ وَلَوْ جُزْءًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ لَكَ حِفْظٌ سَابِقٌ فَرَاجِعْهُ وَاجْعَلْ لَكَ جَدْولًا تَمْشِي عَلَيْهِ، وَأَمَّا التَّدَبُّرُ فَاقْرَأْ فِي كِتَابِ تَفْسِيرٍ مَوْثُوقٍ, مِثْلِ تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ أَوْ ابْنِ سِعْدِي -رَحِمَهُمَا اللهُ-، وَلَوْ جَعَلْتَ قِرَاءَتَكَ فِي اللَّيْلِ لَكَانَ أَقْرَبَ لِلسُّنَّةِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَدَارَسُ الْقُرْآنَ مَعَ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَا قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، ذِي الطَّوْلِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً، أَمَّا بَعْدُ:

خَامِساً: كَيْفَ يَكُونُ حَالُكَ مَعَ أَهْلِكِ في رمضان؟ وَالْجَوَابُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ)؛ فَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ لِلْمُسْلِمِ يَسِيرُ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ابْنًا أَمْ أَبًا أَمْ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ، فَاحْرِصْ يَا مُسْلِمُ أَنْ تَكُونَ بَرَكَةً عَلَى أَهْلِكَ يَسْعَدُونَ بِكَ وَيَجِدُونَكَ حَوْلَهُمْ، وَتُعِينُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تُشَارِكَهُمْ فِي الْإِفْطَارِ وَالسُّحُورِ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنِ اسْتِمْرَارِ الْإِفْطَارِ الْجَمَاعِيِّ مَعَ أَهْلِ الْحِيِّ أَوِ الْأَقَارَبِ ثُمَّ يَتْرُكُ أَهْلَ الْبَيْتِ يُفْطِرُونَ لِوَحْدِهِمْ أَوْ رُبَّمَا كَانَ حَظُّهُمْ هُوَ الْطَبْخُ وَالنَّفْخُ وَالتَّعَبُ، فَهَذَا لا شَكَّ تَقْصِيرٌ وَاضِحٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ رَمَضَانَ لَيْسَ مَوْسِمَ أَكْلٍ وُشُرْبٍ وَصَرْفٍ لِلْأَمْوَالِ وَضَرْبٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهْرُ عِبَادَةٍ وَإِقْبَالٍ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ الْخَيْرِ مَا اسْتَطَعْتَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.

أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمُ عَلَى طَاعَتِهِ وَعَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّءَ الأَخْلاقِ لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْت!

اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغلاء والوباء وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن !

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ ! اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ !

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي