إن لهذا الشهر الكريم فضائل وخصائص عظيمة اختص بها عن بقية شهور العام منها: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إدا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت...
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده تعالى وأشكره حمدا وشكرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأحمده وكما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله حق التقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102](وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].
عباد الله: يعيش المسلمون هذه الأيام موسما من مواسم الخير العظيمة التي أنعم الله -تعالى- بها على الأمة، وشرفها به، إنه موسم عظيم رابح لمن وفقه الله -تعالى- فيه للعمل الصالح، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة: 185].
شهر فيه تضاعف الحسنات، وفيه ترفع الدرجات، وفيه تكفر الخطايا والسيئات، وفيه تعتق الرقاب من النار؛ إنه والله موسم للإكثار من الطاعات، والتنافس في القربات، والعفو عن الزلات، قد خصه الله -تعالى- بخصائص وميزات لا توجد في غيره من الشهور، وهي تدل على شرفه وفضله، ومن المعلوم أن العبادة، كما تفضل ويعظم أجرها بفضل المكان فهي كذلك تفضل ويعظم أجرها بفضل الزمان؛ فالعبادة في رمضان ليست كالعبادة في غيره، بل تختص لمضاعفة الأجر لمن أتى بالعمل الصالح على الوجه المطلوب، وإذا كان كذلك؛ فحري بالمسلم أن يغتنم ساعات هذا الشهر فيما يقربه إلى ربه -عز وجل-؛ فما هي والله إلا أيام معدودات وتنقضي وتطوى صحائفها بما عمل الإنسان فيها، وربما تدرك الإنسان المنية فلا يدرك مثلها في هذه المواسم الفاضلة فيما بعد.
عباد الله: وإن بلوغ هذا الشهر العظيم لنعمة عظيمة من الله -تعالى- على عبده، كيف وقد حرمها أناس نزل بهم الموت قبل بلوغه، فليقدر العبد هذه النعمة، وليحمد الله عليها، ولينتهزها بعمارة وقته هذا الشهر بطاعة ربه -سبحانه- قبل أن يحل به ما حل بمن سبقه، فيصبح مرتهنا بعمله، لا يستطيع زيادة في الحسنات، ولا نقصا من السيئات.
عباد الله: إن لهذا الشهر الكريم فضائل وخصائص عظيمة اختص بها عن بقية شهور العام منها: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إدا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين"، وفي رواية في غير الصحيحين: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، ونادى مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"؛ ففي هذا الحديث بيان اختصاص شهر رمضان بهذه الأمور وتفضيله بها وهي: فتح أبواب الجنة لكثرة الأعمال الصالحة من المؤمنين، وترغيبا لهم في ذلك، وغلق أبواب النار رحمة بالمؤمنين لقلة اقترافهم المعاصي في هذا الشهر، وتصفيد الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره.
ومن فضائل هذا الشهر: أن الله -تعالى- اختصه بفريضة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال المقربة إلى الله -سبحانه- وأجلها؛ فهو سبب لمغفرة ما تقدم من الذنوب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، وقوله: "إيمانا" أي: إيمانا بالله، وتصديقا بوعد الله -تعالى- بالثواب عليه، و"احتسابا" أي: احتسابا للأجر، والثواب، لا لقصد رياء، أو غيره.
ومن خصائص الصيام: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -عز وجل-: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي"، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يسخط، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه"؛ فدل هذا الحديث العظيم على فضل الصيام من وجوه:
الوجه الأول: أن الله -تعالى- اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال؛ وذلك لشرفه عنده، ومحبته له، وظهور الإخلاص لله -سبحانه وتعالى- فيه؛ لأن الصوم سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه إلا الله -تعالى-؛ فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس، متمكنا من تناول ما حرم الله -تعالى- عليه في الصيام؛ فلا يتناوله لأنه يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك؛ فيتركه لله، خوفا من عقابه، ورغبة في ثوابه، فيكون الصيام أقرب إلى الإخلاص من سائر الأعمال، ولهذا قال -عز وجل- في الحديث القدسي السابق: "يدع شهوته وطعامه من أجلي"؛ فكأنه تعليل لما سبق، نعم لن يكون رقيب من البشر على الإنسان طيلة النهار يراقبه هل يلتزم بالصيام أم لا؟ وإنما إذا كان الإنسان على جانب من مخافته لربه سبحانه فإنه لن يفطر، وسيكون مراقبا لله -عز وجل-، فيظهر أثر الإخلاص في هذه العبادة العظيمة.
الوجه الثاني: أن الأعمال تضاعف بأعداد معلومة، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا هذه العبادة، عبادة الصيام، فإن الله -عز وجل- قال: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"؛ فليس للجزاء به عدد معين، والكريم الجواد يعطي على قدر كرمه وجوده، وكما قيل: العطية بقدر معطيها، الله -تعالى- أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، فيكون أجر الصائم عظيما كثيرا بلا حساب، وهذا كما قال ربنا سبحانه في الصبر: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر:10].
والصيام صبر ففيه صبر على ألم الجوع والعطش، وصبر على طاعة الله بلزوم ذلك، وصبر عن معصية الله -سبحانه-، فتجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة.
الوجه الثالث: قوله: "الصوم جنة" أي: وقاية وستر يقي صاحبه من اللغو والرفث، ولهذا قال: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يسخط؛ فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم"، وفيه إرشاد للإنسان بألا يقابل الإساءة بمثلها، والسباب بمثله، احتراما لعبادة الصيام، مع أن المقابلة جائزة، وجزاء سيئة سيئة مثلها، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم" أي: أن إثم السباب يكون كله على البادئ، أما المعتدى عليه فلا إثم عليه بشرط: مالم يعتد المظلوم، أي: مالم يعتد الذي قد سب، إذا اكتفى بأن سب من سبه، فلم يكن عليه إثم، لكنه إذا كان صائما فينبغي أن يترك ذلك، احتراما لهذه العبادة، ولهذا قال: فإن امرؤ "سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم" أي: لا يقابل السيئة بمثلها، ولا يقابل السباب بمثله، فإذا أخطأ عليك أحد وأنت صائم فقل له: إني امرؤ صائم.
كما أن الصيام جنة ووقاية من النار، كما جاء في مسند الإمام أحمد بسند حسن، عن جابر – رضي الله عنه -: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصيام جنة يستجن بها العبد من النار".
الوجه الرابع: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وخلوف فم الصائم هو تغير رائحته بسبب الصيام لخلو المعدة من الطعام والشراب، فهذا التغير لما كان ناشئا من طاعة الله -عز وجل- كان جزاؤه أن جعل له عنده أطيب من ريح المسك، وكل ما نشأ من عبادة الله وطاعته فهو محبوب إلى الله -سبحانه-، كما ورد أن الشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دما لونه لون الدم، وريحه ريح المسك.
الوجه الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره بتمام صومه، وإكمال هذه العبادة العظيمة، فهو عندما يفطر عندما تغرب الشمس، يأتي الصائم إلى مائدة الإفطار فرحا مستبشرا بأن الله -تعالى- من عليه بإكمال صيام هذا اليوم؛ فهو يفرح بذلك، وهذا من أعظم نعم الله -تعالى- عليه، وكذلك يفرح بتناول ما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي منعه وقت الصيام، وهذا من فضل الله عليه، ثم له فرحة أخرى يفرح بهذا الصيام، يفرح به عند لقاء ربه بما يجده من ثواب الصيام الذي لا حد له ولا حصر بعدد معين، فيجده عند ربه، يجد ثواب هذا الصيام مدخرا له أحوج ما يكون إليه، وهذا هو الفرح العظيم الذي يسر به الإنسان ويغتبط به عندما يلقى ربه، فيجد الأجر والثواب الجزيل على الصيام عظيما، فإنه يفرح لذلك الفرح العظيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 183- 184].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
عباد الله: عبادة الصيام من أفضل الأعمال المقربة إلى الله -سبحانه-، وينبغي التفقه فيما ينتقض به وما يحصل به التفطير، وإذا أشكل على المسلم شيء من ذلك فليسأل أهل العلم عنه، وقد ذكر الله -تعالى- أصول مفطرات الصيام في قوله -سبحانه-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[البقرة: 187]، ويمكن إجمال مفطرات الصيام في سبعة أنواع:
الأول: الجماع وهو أعظمها وأكبرها إثما ويلزم من الوقوع في ذلك يترتب عليه أولا: التوبة إلى الله -تعالى- من هذا العمل المنكر الذي هو من كبائر الذنوب.
ثانيا: الكفارة المغلظة وهي: عتق رقبة وقد انقرض الرق في الوقت الحاضر، فينتقل إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
الأمر الثالث: قضاء ذلك اليوم بعد رمضان.
الثاني من المفطرات: إنزال المني باختياره، أما إذا كان بغير اختياره كأن يكون باحتلام ونحوه فلا يفسد به الصوم.
الثالث: الأكل والشرب أيا كان نوع المأكول والمشروب، أما شم الروائح فلا يفطر الصائم؛ لأنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف، لكن ينبغي للصائم أن يتقي البخور؛ لأنه ربما إذا تراكم يخشى أن يكون له جرم، فينبغي أن يتقيه الصائم.
الرابع: ما كان في معنى الأكل والشرب ومن ذلك: حقن الدم في الصائم، مثل: أن يصاب بنزيف فيحقن به دم فإنه يفسد الدم بذلك؛ لأن الدم هو غاية الغذاء في الطعام والشراب، ومن ذلك: الإبر المغذية التي يكتفى بها في الأكل والشرب، فإنها تفسد الصيام، أما الإبر الغير مغذية كإبر الأنسولين وجميع الإبر العلاجية فإنها غير مفطرة؛ لأنها ليست أكلا، ولا شربا، وليست في معنى الأكل والشرب.
وأما علاج الربو فإن كان بطريق ما يسمى بالبخاخ، بخاخ ضيق النفس الذي يستخدمه المصابون بالربو فإن هذا لا يفسد الصيام؛ لأنه إنما يذهب لمجاري النفس، والقصبة الهوائية، وما قد ينفذ منه إلى المعدة شيء يسير جدا معفو عنه؛ لأنه أقل من أثر ملوحة الماء التي تختلط بالريق فيبتلعها الصائم، وهي معفو عنها بالإجماع.
وكذلك أيضا قطرة العين، وقطرة الأذن، لا تفطران الصائم حتى لو وجد الطعم في الحلق.
وأما قطرة الأنف فإن الأنف له نفوذ إلى الجوف، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" والمريض إذا تعذر أن يعطى الطعام والشراب عن طريق الفم يعطى عن طريق الأنف، ولذلك فإن قطرة الأنف مفطرة إذا وصل ماؤها إلى الجوف.
الخامس: إخراج الدم بالحجامة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفطر الحاجم والمحجوم" (أخرجه أحمد وأبو داوود)، وقال البخاري: ليس في الباب أصح منه، وفي معنى إخراج الدم بالحجامة ما كان فيه إخراج بدم كثير، ومن ذلك: التبرع بالدم فإنه يحصل به التفطير للصائم، لكن إذا اقتضت الضرورة أن يتبرع بالدم، كأن يوجد شخص مريض، واضطر إلى أن يتبرع له بالدم، فلا بأس أن يتبرع له بالدم، والمتبرع يقضي هذا اليوم بعد رمضان، وفي معنى ذلك: تحليل الدم إذا كان الدم المستخرج منه كثيرا ؛ كأن يكون مثلا: في حدود أربعة براويز أو خمسة أو أكثر فهذا دم كثير في معنى دم الحجامة يفسد به الصوم، أما الدم اليسير فإنه لا يفسد الصوم، ومن ذلك: القطرة التي يكون بها اختبار مستوى السكر فإن هذه لا تفسد الصيام، وكذلك الدم الذي يخرج عند قلع السن إنه دم يسير لا يفسد الصيام، وكذلك -أيضا- خروج الدم اليسير بغير اختياره كأن يخرج برعاف ونحوه؛ فإنه لا يفسد الصيام.
السادس: التقيؤ عمدا لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقضي" (أخرجه أبو داوود وغيره)، ومعنى ذرعه القيء: أي غلبه القيء رغما عنه، فإنه لا يفطر بذلك، أما إذا تعمد القيء إما بفعله، وإما بالشم، وإما بالنظر أو بغير ذلك فإنه يفسد به الصوم.
السابع: خروج دم الحيض والنفاس، فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها، سواء أكان ذلك في أول النهار، أو في آخره، حتى ولو كان قبل غروب الشمس بدقيقة، أما لو أحست المرأة بانتقال الدم لكنه لم يبرز إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح.
وأما غسيل الكلى فإنه مفسد للصيام بنوعيه، سواء أكان الغسيل الكلوي الدموي، أو الغسيل الكلوي، وحينئذ الذي يغسل الكلى إن كان يستطيع القضاء بعد رمضان فإنه يقضي ولا شيء عليه غير ذلك، وإن كان لا يستطيع القضاء فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا، والمرجع في كونه يستطيع القضاء أم لا هو الطبيب المختص.
وهكذا المرضى المرجع في كونهم يستطيعون الصيام أو لا يستطيعون هو الأطباء المختصون فيرجع إليهم في تحديد ذلك.
ومن أكل أو شرب ناسيا فصومه صحيح، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".
ومن الأمور التي لا تؤثر على صحة الصيام: بلع الريق، فإن بلع الريق لا يفسد الصيام باتفاق أهل العلم.
ولا بأس بذوق الطعام لحاجة لكنه يلفظه كالطباخ، والمرأة عندما تكون في المطبخ لا بأس بأن تذوق الطعام لمعرفة ملوحة الطعام، لكنه المتذوق يلفظ ذلك.
وينبغي للصائم أن يتسحر فإن السحور سنة؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تسحروا فإن في السحور بركة"، والسنة تأخير السحور، وأن يكون قبيل الفجر.
وتعجيل الفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وللصائم عند فطره دعوة ما ترد، فينبغي أن يغتنم الصائم اللحظات التي تسبق الإفطار وأن يكثر فيها من الدعاء فإنها هذا موطن من مواطن إجابة الدعاء.
ومن الأسئلة التي تكثر هذه الأيام الأكل والشرب وقت آذان الفجر فنقول: لا بأس بذلك لك أن تأكل وأن تشرب إلى أن يفرغ المؤذن من آذان الفجر، إذا كان المؤذن يؤذن في الوقت المحدد؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه" (أخرجه أبو داوود وغيره)، وهو حديث صحيح، ومن جهة النظر: الفجر إنما يطلع شيئا فشيئا ليس مصباح يضيء فجأة، والأصل بقاء الليل، ولهذا قال أهل العلم: من أكل وهو شاك في طلوع الفجر فإن صومه صحيح، بخلاف من أكل شاك في غروب الشمس فإن صومه لا يصح.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي