إن دين الإسلام دين الوسطية والاعتدال.. والوسطية تعني أن نقوم بما أوجب الدين علينا من الأوامر، ونترك المحرمات لكن تؤديها كما كان يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تزيد على نفسك إلى درجة المشقة، وفي نفس الوقت لا تقصر في شيء من الواجبات، أو ترتكب المحرمات،...
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعدُ؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: إن دين الإسلام دين الوسطية والاعتدال قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[سورة البقرة: 143].
فما معنى الوسطية في الإسلام أنه الخيار العدل في كل شيء، وهو الخيار الأفضل في كل شيء لا إفراط وغلو من جانب ولا تفريط ولا تقصير من الجانب الآخر.
ولذلك فإن الشيطان حريصٌ على الإنسان أن يجعله مغاليًا متشددًا في أمر إلى درجة أن يخرجه عما أراد الله أو مقصرًا ومضيعًا في الأمر.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان؛ إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر".
وقد أقسم الشيطان فقال: (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 17].
من مظاهر الاعتدال والوسطية في الإسلام ما يلي:
1- في مجال الاعتقاد فهناك مَن كفَّر المسلمين بارتكاب الكبائر، وجعله مخلدًا في النار، وتشددوا في تكفير المسلمين وهم الخوارج وذيولهم حاليًا هم فرقة داعش أو غيرهم الذين خرجوا على المسلمين فقتلوا فيهم وكفَّرُوهم، فهؤلاء عندهم غلو وتشدد في الدين.
وهناك على النقيض فِرَق أخرى؛ كالمرجئة المتهاونين في ارتكاب الكبائر بحجة أنه لا يضر مع الإيمان كبيرة؛ فتساهلوا في المعاصي، وارتكبوا الفواحش.
وأما أهل السنة والجماعة فقد كانوا معتدلين؛ فلم يكفِّروا أحدًا من المسلمين، ولم يكفروا مرتكبي الكبائر، بل قالوا ينقص إيمانه بقدر معصيته؛ فهذا الوسط في دين الله -عز وجل-.
2- أيضًا من مظاهر الاعتدال في الإسلام عند أهل السنة: الوسطية في العبادة؛ فقد سأل نفرٌ عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنهم تقالوها؛ أي: قالوا إنها عبادة قليلة، فقال أحدهم: أما أنا أقوم ولا أنام. وقال الآخر: أما أنا أصوم ولا أفطر. وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء. فلما سمع عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قام على المنبر خطيبًا وقال: "والله إني لأخشاكم لله، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني" (متفق عليه).
وأيضًا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه؛ فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا" (رواه البخاري).
عباد الله: قد يقصر بعض الناس في الصلوات، وغيرها من العبادات، وتراه لا يصلي الفجر مع الجماعة أو العصر وبعض الصلوات، ويقولون: الدين يسر، ولا تشددوا على الناس، وعليكم بالوسطية، ولم يعلم هذا المسكين أنه ليس من الوسطية في شيء، بل هذا من التقصير في الدين وهو التفريط.
فالوسطية تعني أن نقوم بما أوجب الدين علينا من الأوامر، ونترك المحرمات لكن تؤديها كما كان يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تزيد على نفسك إلى درجة المشقة، وفي نفس الوقت لا تقصر في شيء من الواجبات، أو ترتكب المحرمات؛ فقد كانت امرأة تصلي ليلاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان بجانبها خيط معلّق؛ فإذا تعبت من القيام أمسكت الحبل، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحبل، قال: "حُلُّوه ليصلِّ أحدكم ما استطاع، ثم ليرقد"، وكذلك منع بعض الصحابة من الصوم المتواصل.
هذا هو المطلوب منك أخي المسلم أداء الواجبات والزيادة عليها قدر الاستطاعة، وترك المحرمات, نسأل الله أن يرزقنا الوسطية في ديننا ودنيانا، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عباد الله: اعلموا أن من الوسطية إعطاء الحقوق؛ فللرجل حقوقه، وللمرأة حقوقها، وللزوج حقوقه، وللزوجة حقوقها، وللآباء حقوقهم، وللأبناء حقوقهم، وللأقارب حقوقهم، وللجيران حقوقهم؛ كل ذلك في إطار التوازن والعدل، ويجب أن يُعطي المسلم كل ذي حق حقه، وأن لا تكون متعديًا على أحد من المسلمين من قريب أو جار، ونحو ذلك؛ قال -تعالى-: (.. وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190].
فالوسطية إعطاء الحقوق لكل صاحب حق، وقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- سلمان الفارسي عندما نام عند أخيه أبي الدرداء، فوجده يقوم الليل من أوله، ولا ينام، فقال له: نم، فلما أراد أبو الدرداء قيام الليل، قال: لا، نم. فكلما أراد أبو الدرداء قيام الليل، قال: لا، نم. فلما جاء آخر الليل أمره بالقيام ثم لما جاء النهار وجده دائمًا يصوم، ولا يأتي أهله، فأمره أن يفطر أحيانًا حتى يؤنس أهله، فتعجب أبو الدرداء من ذلك، وذهب يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام-: "صدق سلمان؛ ثم قال: "إن لربك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقه". نسأل الله أن يرزقنا الوسطية والاعتدال في الدين وإعطاء كل ذي حق حقه.
ألا صلّوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي