خطبة عيد الفطر 1439هـ (التاءات الخمس)

عبد الله اليابس
عناصر الخطبة
  1. تاءات خمس توجيهية للمسلمين في يوم العيد .
  2. التاء الخامسة توجيه للأخوات المسلمات .

اقتباس

تعاهدوا من حولكم.. فتِّشوا عنهم.. اجعلوهم سعداءَ بهذا العيد.. أحسنوا إليهم بالكلمةِ الطيبة.. والابتسامةِ الصادقة.. والصدقةِ الخفية.. ارحموهم ..فإنما "يرحمُ اللهُ من عبادِه الرُّحَماءَ".

الخطبة الأولى:

الله أكبر (تسعاً)..

اللهُ أكبر عددَ ما صام صائمٌ وأفطر، الله أكبر عددَ ما هَلَّلَ مُهَلِلٌ وكَبَّر، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله الذي سَهَّلَ لِلعِبادِ طريق العبادة ويَسَّر، وأفاض عليهم من خزائن جُودِهِ التي لا تُحصَر، وجَعَلَ لهم عيدًا يعودُ في كل عامٍ ويتكرر، نَقَّاهُم به من دَرَنِ الذنوبِ وطَهَّر, أحمدُهُ سُبحانَهُ على نِعَمِهِ التي لا تُحصَر، وأَشكُرُه وهو المُستحق لأن يُحمَدَ ويُشكَر.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خَلَقَ فَقَدَّرَ، ودَبَّرَ فَيَسَّر. وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسوله, صاحبُ اللواء والكوثر، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك قام على قَدَمِهِ الشريفِ حتى تَفَطَّر.

اللهم صَلِّ على محمد وعلى آله وصحبه ما لاحَ هِلالٌ وأنور، وسَلِّم تسليما كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فأوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- .. يا من خَرَجتُم للعيد .. ولَبِستُم الجديد .. وخَتَمتُمُ الشهرَ الفقيد َحمِلُ لَكُمُ اليومَ (تاءاتٍ خمس).. أبثها إلى قلوبكم.. -نفعني الله وإياكم بها-.

التاء الأولى: تقبلَ اللهُ منا ومنكم, وعيدكم مبارك, وكلَّ عام وأنتم بخير.

أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاءَ هِـلالُـه *** فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ

وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ *** قـد أثقلتْـهُ حُمُـولـَةٌ من عَنْبَـرِ

هاقد أقبلَ العيد.. فالبسوا فيه الجديد.. وأظهروا الفرح والسعادة, فهي سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم أيها السادة-.

والعيدُ أَقبَلَ مـَزهُوَّاً بِطَلعَتِهِ *** كأنه فارسٌ في حُلَّةٍ رَفَـلَا

والمسلمون أشاعوا فيه فَرحَتَهُم *** كما أشاعوا التحايا فيهِ والقُبَلا

فَليَهنَأِ الصائمُ المُنهي تَعَـبُّدَهُ *** بمَقدِمِ العيدِ إنَّ الصومَ قد كَمُلَا

التاء الثانية: تصافحوا .. نعم.. تصافحوا في هذا العيد المبارك.. روى الطبراني وصححه الألباني عنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ".

قال ابن بطّال رحمه الله‏:‏ "المصافحةُ حَسَنةٌ عند عامّة العلماء‏".

وكان أصحابُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إذا تلاقَوا تصافَحُوا, وإذا قدِموا من سفرٍ تعانَقُوا.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لقِيَهُ أحدٌ من أصحابِهِ فتناول يَدَهُ ناوَلَهُ إيَّاها, فَلَمْ ينزِعْ يَدَهُ منه حتى يكونَ الرَّجُلُ هوَ الذي ينزِعُ يدَهُ منه.

التاء الثالثة: تراحموا .. تراحموا فيما بينَكم .. ليعطفِ الكبيرُ على الصغير.. وليُوَقِّرِ الصغيرُ الكبير.

من أراد أن يرحَمَهُ اللهُ فليرحَمْ عبادَ الله..

تفقدوا من حولكم في هذا العيد.. تفقدوا الفقراء والمساكين.. والأيتام والمعوزين.. تفقدوا الأرامل والمديونين.. تفقدوا العُمَّال والمُسَتخدَمين..

هذا هو العيدُ فلتَصْفُ النفوسُ بهِ * وبَذلُكَ الخيرِ فيه خيرُ ما صُنِعا

أيامُهُ مَوسِمٌ للبِرِّ تَزرَعُهُ *** وعند ربي يُخَبِي المرءُ ما زَرَعَا

فتعهدوا الناسَ فيهِ:مَن أَضَرَ به ***ريبُ الزمانِ ومن كانوا لكُم تَبَعَا

وبَدِّدُوا عن ذَوِي القُربى شُجُونَهُمُ *** دعــا الإلهُ لهذا والرسولُ معا

واسُوا البَرَايا وكونوا في دياجِرِهم *** بَــدرَاً رآه ظلامُ الليلِ فانقَشَعَا

تعاهدوا من حولكم.. فتِّشوا عنهم.. اجعلوهم سعداءَ بهذا العيد.. أحسنوا إليهم بالكلمةِ الطيبة.. والابتسامةِ الصادقة.. والصدقةِ الخفية.. ارحموهم ..فإنما "يرحمُ اللهُ من عبادِه الرُّحَماءَ".

التاء الرابعة.. تسامحوا.. نعم تسامحوا فيما بينكم.. فالعيدُ فرصةٌ لإزالةِ ما في القلوب.. وجَلوِ ما في النفوس..

قال الحسنُ البصري رحمه الله: "أفضلُ أخلاقُ المؤمنِ العفو".

أيها الحبيبُ: أكثرتَ في رمضان من سؤال الله: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا".. طلبتَ العفو من الله.. ألا تعفو اليومَ عن خلق الله؟ اليومُ يومُ الجوائز.. ألا تريد جائزةَ الله؟

أخرجَ مسلمٌ في صحيحه من حديث حذيفةَ بن اليمان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن رَجُلٍ لَقِيَ رَبَّهُ فقال: ما عَمِلْتَ؟ قال: ما عَمِلْتُ مِنَ الخَيرِ إلَّا أني كُنتُ رجُلًا ذا مالٍ. فكُنتُ أُطالِبُ بهِ الناسَ. فكُنتُ أقبَلُ الْمَيسورَ, وأتَجاوَزُ عَنِ المَعسورِ. فقال الله: تَجاوَزوا عَن عَبدي.

نعم.. إذا عفوتَ فأبشرْ بالعفوِ مِن الله..

أتعلمُ -يا محبُّ- أن خُصومتَك مع أخيك تمنعُ أعمالَك من أن تصعد إلى الله؟ حتى أعمالُكَ التي اجتهدتَ فيها في رمضان.. منعتها خصومتك أن تُرفع لله..

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ، ويومَ الخميسِ، فيُغفَرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رجلًا كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، فيُقالُ: أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا".

قال الأحنف بن قيس -رحمه الله-: "إياكم ورأيُ الأوغاد، قالوا وما رأيُ الأوغادِ؟ قال: الذين يَرَونَ الصَّفحَ والعفوَ عارًا".

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا, وتجاوز اللهم عن تقصيرنا وتفريطنا, يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ.. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. أما التاء الخامسة: فهي للأخوات خاصة.. تخلقي بأخلاق الإسلام.. وتأدبي بآداب القرآن..

أيتها الأخت الكريمة: لا تستهيني بنفسِكِ.. فأنتِ حِصنٌ من حُصُونِ الأُمة..

لقد فَطِنَ المفسدون إلى أن المرأة نصفُ المجتمع.. وهي التي تبني النصفَ الآخر.. فَرَمَوهَا بسهامهم.. وسَلَّطُوا الضوء على حالاتٍ شاذَّةٍ في المجتمعِ من تَسَلُّطِ الرجالِ على النساءِ أو ظُلِمتِ المرأةُ فيها.. ضَخَّمُوا هذه الحالات.. وجعلوها أصلاً.. وحرضوا بعضَ الغافلاتِ من النساء للتَمَرُّد.. بزعمِ الحُرِّيةِ وأَخذِ الحُقوق..

خَدعُوهُنَّ باختلافاتٍ فقهية.. فَتَخَفَّفَتْ بعضُ النساءِ من الحجابَ, وتَبِعَ ذلك كشفُ الوجوه.. بزعم أن تَغطيةَ الوجهِ لم تَكُنْ على عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

خَدعوهنَّ بذلك.. وما عادوا لأهل الذكر من العلماء وطلبة العلم للسؤال عن حكمه. (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

لقد كانت نساءُ الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم أجمعين- يُغَطينَ وُجُوهَهُنَّ عندَ الرِّجالِ حتى في الحج، سُئلت عائشةُ -رضي الله عنها-: كيف تُخَمِّرُ المرأةُ وجهَهَا؟ فأخذت أسفل خمارها فغطت به وجهها.

وليس صحيحًا ما ينسب للإمام الشافعي -رحمه الله- من جواز كَشفِ الوجه.. قال الموزعي الشافعي: "ما أَظُنُّ أحداً من الأئمة الأربعة يبيحُ للشابَّةِ أن تَكشِفَ وجهها لغيرِ حَاجَة" وقال أيضًا: "لم يَزَلْ عَمَلُ الناسِ على هذا قديماً وحديثاً في جميعِ الأمصار, فيتسامحون للعجوزِ في كَشفِ وَجهِها, ولا يتسامحون لِلشَابَّة، ويَرَونَهُ عَورةً ومنكراً".

أيتها الصالحة: سِترُكِ في الدنيا سَبَبٌ لِأنْ يَستُرَكِ اللهُ في الآخرة..

جعلكِ الله هادية مهدية, ووفقكِ لِكُلِ خير.. إنه سميع قريب مجيب.

أيها الإخوة: لقد اجتمع في يومكم هذا عيدان.. عيدُ الفِطرِ وعيدُ الجُمُعَة.. فمن صلى العيدَ مَعَنَا فقد سَقَطَتْ عنه صلاةُ الجُمُعة لكنْ يجبُ أن يُصلِيَها ظُهراً.. ولو حَضَرَ صلاةَ الجمعة فخَيرٌ إلى خير.. وإنَّا مُصَلُّوا الجمعةِ في هذا الجامع بإذن الله..

يا أهل العيد: عَيِّدوا.. وافرحوا في غير معصيةِ الله.. تقبل الله منا ومنكم.. وكل عام وأنتم بخير..

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي