أيها المسلمون: لقد يسر الله لكم سبل الخيرات، وفتح أبوابها، ودعاكم لدخولها، وبين لكم ثوابها. فهذه الصلوات الخمس آكد أركان الإسلام بعد التوحيد، هي خمس في الفعل وخمسون في الميزان. مفرقة في أوقات مناسبة لئلا يحصل الملل للكسلان، وليحصل لكل وقت حظه من تلك الصلوات، فسبحانه الحكيم الديان. وهذه الـ...
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، ووفق من شاء من عباده لعمارتها بالطاعات المتنوعة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وأولئك كان سعيهم مشكورا، وخذل من أعرض عن ذكره واتبع هواه وأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وكان الله على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: فقد كنتم ترتقبون مجيء شهر رمضان، ولقد جاء شهر رمضان وخلفتموه وراء ظهوركم، وهكذا كل مستقبل سوف ينتهي إليه العبد، ويصل إليه ويخلفه وراءه، حتى الموت.
أيها الناس: ولقد أودعتم شهر رمضان؛ ما شاء الله -تعالى- أن تودعوه من الأعمال؛ فمن كان منكم محسنا فليبشر بالقبول: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[هود: 115].
ومن كان منكم مسيئا فليتب إلى الله، فالعذر قبل الموت مقبول، والله يحب التوابين.
أيها الناس: لئن انقضى شهر الصيام، فإن زمن العمل لا ينقضي إلا بالموت، ولئن انقضت أيام صيام رمضان، فإن الصيام لا يزال مشروعا -ولله الحمد- في كل وقت، فقد سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم الاثنين والخميس، وقال: "إن الأعمال تعرض فيهما على الله -تعالى- فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"[الترمذي (747) ابن ماجة (1740)].
وأوصى أبا هريرة -رضي الله عنه- بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقال: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله"[النسائي (2408) أحمد (2/513)].
وأمر أن تكون هذه الأيام الثلاثة أيام البيض، وهي: اليوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فمن أمكنه أن يجعل الثلاثة في أيام البيض فهو أفضل، وإلا فلو في غيرها.
ولئن انقضى قيام رمضان، فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليالي السنة -ولله الحمد-، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"[البخاري (7056) مسلم (758)].
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وبادروا أعماركم بأعمالكم، وحققوا أقوالكم بأفعالكم، واغتنموا الأوقات بالأعمال الصالحات، فإن حقيقة العمر ما أمضاه العبد بطاعة الله، وما سوى ذلك فذاهب خسارا.
أيها المسلمون: لقد يسر الله لكم سبل الخيرات، وفتح أبوابها، ودعاكم لدخولها، وبين لكم ثوابها.
فهذه الصلوات الخمس آكد أركان الإسلام بعد التوحيد، هي خمس في الفعل وخمسون في الميزان.
مفرقة في أوقات مناسبة لئلا يحصل الملل للكسلان، وليحصل لكل وقت حظه من تلك الصلوات، فسبحانه الحكيم الديان.
وهذه النوافل التابعة للفرائض اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء الآخرة، وركعتان قبل الفجر، من صلاهن بنى الله له بيتا في الجنة.
وهذا الوتر سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولا وفعلا، وقال: "إن الله وتر يحب الوتر"[الترمذي (453) النسائي (1675) أبو داود (1416) ابن ماجة (1169) وأحمد (1/148) الدارمي (1579)].
وأقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة.
ووقته من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر.
وهو سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان تركه، حتى قال بعض العلماء: "إنه واجب".
وقال الإمام أحمد: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة".
وهذه الأذكار خلف الصلوات المفروضة، من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.
وهذا الوضوء من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين؛ فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".
وهذه النفقات المالية إذا أنفق الإنسان نفقة يبتغي بها وجه الله أثيب عليها، حتى ولو كان الإنفاق على نفسه أو أهله أو ولده.
وإن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها.
والساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر، والساعي عليهم هو الذي يسعى بطلب الرزق لهم، ويقوم بحاجتهم.
ولا شك أن عائلتك التي لا تستطيع القيام بنفسها من الأولاد الصغار، وغيرهم هم من المساكين، فالساعي عليهم كالمجاهد في سبيل الله.
فيا عباد الله: إن طرق الخير كثيرة، فأين السالكون؟ وإن أبوابها لمفتوحة، فأين الداخلون؟ وإن الحق لواضح لا يزيغ عنه إلا الهالكون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الحج: 77].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي