الحرص على الوقت والاستفادة منه

صالح بن عبد الله بن حميد
عناصر الخطبة
  1. الوقت أغلى ما يملك العبد وأنفس .
  2. من المؤسف المهلك إضاعة الوقت .
  3. الشبكة العنكبوتية أضرار وفوائد .
  4. وجوب النظر في مدى الاستفادة من الأجهزة الحديثة والمواقع .

اقتباس

ومن الخطأ البيِّن أن يظن بعضُ مَنْ جعل له اسما مستعارا أن ذلك يبيح له الكذبَ والتزويرَ ونقل ما لا صحة له، ولا حقيقة له، والوقوع في الأعراض، وهذا حرام ولا يجوز، فالله -سبحانه- مطَّلِع على الأسماء والحقائق وعليم بذات الصدور...

الخطبة الأولى:

الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام، الملك القدوس السلام، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، غافر الذنب وقابل التوب، شديد الانتقام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلِّغ رضوانَ اللهِ ودارَ السلامِ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خاتم النبيين وسيد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، السابقين إلى الإسلام والتابعين، وَمَنْ تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا على الدوام.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أن من علامات توفيق الله للعبد، وعنوان سعادته تيسير الطاعة وموافقة السُّنَّة، وصحبة أهل الصلاح، وحُسْن الأخلاق وبذل المعروف وصلة الرحم وحفظ الوقت، والاهتمام بالمسلمين، ثم بعد ذلك -حفظكم الله- أليس ألذَّ من العافية ولا أَمَرَّ من الحاجة، ولا أنفع من ترك المعاصي، ولا حسب أرفع من الأدب، ولا مروءة لمن لا صِدْقَ له، ولا كرمَ لمن لا حياءَ له، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الْأَعْرَافِ: 199].

أيها المسلمون: في موسم الإجازات يحسن الحديث عن الوقت؛ في حفظه وتنظيمه، وحسن الاستفادة منه ومحاسبة النفس عليه، فلقد قالوا: إن أعظم المقت إضاعة الوقت، وقالوا: "ليس الوقت من ذهب بل هو أغلى من الذهب، وأغلى من كل جوهر نفيس، الوقت هو الحياة، وهو العمر، والإنسان يفدي عمرَه بكل غالٍ وثمين"، وقالت الحكماء: "من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أداه، أو مجد أثَّله، أو فعل حميد حصَّله، أو علم اقتبسه فقد ظلم نفسَه، وعقَّ يومَه وخان عمرَه".

وإن توزيع فرائض الإسلام على الأوقات يؤكد ضرورة حفظ الدقائق والساعات مع حركة الكون ودوران الفَلَك، وقد نُقِلَ عن بعض السلف أنه كان يسمي الصلوات الخمس: "ميزان اليوم"، ويوم الجمعة: "ميزان الأسبوع"، وشهر رمضان: "ميزان العام"، والحج: "ميزان العمر". كل ذلك محاسبة دقيقة، وتنبيه حصيف ليسلم له يومُه وأسبوعُه وعامُه وعمرُه.

ومن المؤسف المهلك أن ترى من لا يبالي بإضاعة وقته سدى، بل إنهم يسطون على أوقات الآخرين ليقطعوها باللهو الباطل والأمور المحقرة.

أيها الإخوة: وحديث الإجازة والوقت وتنظيمه والعمر وحفظه يبعث على النظر في وافد جديد، شغل الأوقات ودخل وتدخل في أدق التفصيلات، في حياة الناس وشئونهم؛ إنه ما يعرف بـ"الشبكة العنكبوتية" ومواقعها، ومجموعاتها، وحساباتها، وأدوات التواصل الاجتماعي المنبثقة عنها.

أيها المسلمون: إن الشبكة العنكبوتية وما تنتظمه من المواقع والمجموعات والأدوات وما تستبطنه من معلومات، وما يتعلق بكل ذلك، وما يلتحق به ذلك كله من أفضل ما أنتجته البشريةُ لتقريب المسافات وبناء العلاقات وتوثيق الصلات وضبط الأوقات والاتصال بجميع الجهات وإثراء المعلومات، وتوظيف كل ذلك في الأعمال الصالحة والمسالك النافعة والمشاريع المثمِرَة، وتلك نِعَم عظيمة تستوجب الشكر، ومن أعظم الشكر استعمالها والاستعانة بها على طاعة الله، وابتغاء مرضاته ونفع النفس والناس بحسن توظيف الوقت وتنظيمه من خلالها. غير أن هذه الوسائل والأدوات والمواقع من نظر آخر من أعظم ابتلاءات العصر على العامة والخاصة، على حد قوله -عز شأنه-: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35].

معاشر المسلمين: من أنشأ له موقعا أو فتح له حسابا في هذه الأدوات والشبكات فقد فتح على نفسه باب المحاسبة، وليستحضر عموم هذه الآية الكريمة: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الْكَهْفِ: 49].

المسلم -رعاكم الله- محاسَب على أوقاته، وعلى آرائه، ووسائله، ومشاركاته وما رأته عيناه وما سمعته أذناه وما عملته يداه، فحاسِبْ نفسك يا عبد الله، حاسب نفسك يا عبد الله، ولا تُكثر التنقلَ من حساب فلان إلى حساب فلان، ومن موقع فلان إلى موقع فلان، ولا تضيع وقتك واحرص على ما ينفعك، ودع عنك الشتات واحفظ نفسك من الضياع.

أرأيت كيف يكون الابتلاء وصرف الأوقات حينما يكون أول ما يفتح عليه المرء عينيه في يومه هو هذه الأدوات؟ وآخر ما يغمض عليه قبل النوم هو هذه المواقع؟ أيُّ ابتلاءٍ أعظم من هذا الابتلاء؟ متابعة في الليل والنهار والنور والظلام، إنه بلاء عظيم حين تستحوذ هذه الأجهزة على مجمل الأوقات وجميل الساعات، تصرف عن جليل الأعمال وتحد من التواصل مع من ينبغي التواصل معه من الوالدين والأقربين والمقربين، فكيف إذا كانت المشاغبات والمشاكسات مع المغردين مقدَّمة على النفس وعلى حقوق الوالدين والأهل والأولاد وكل ذي حق؟

أيُّ بلاء وأي فتنة حينما يتعطل جهاز هذا المبتلى فتراه يصاب بالذهول ويشعر بالعزلة والاغتراب والوحدة والضجر؟ أليس من البلاء أن يكون إمساك الطلاب بهذه الأجهزة وعكوفهم عليها أكثر وأحسن من إمساكهم بالكتاب والقلم؛ ومن ثم فلا تراهم يُحسنون القراءة ولا الكتابة ولا تعبيرا، أليس من البلاء أن ترى أبوين أو زوجين أو صديقين في مكان نزهة وابتهاج أو في مجلس أنس وانبساط لكنهما متقابلان، وكأنهما صنمان، أو جسمان محنَّطان، الرؤوس منكَّسة والأبصار شاخصة نحو شاشات الهواتف والأجهزة وكأنهم ذوو قلوب لا يفقهون بها، وأعين لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها، تساوى في ذلك المثقفُ والجاهلُ، والكبيرُ والصغيرُ، والذكرُ والأنثى، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

كم أخذت هذه الأجهزةُ والأدواتُ من الوقت والتفكير والتركيز والحضور؟ إنها سيطرة مخيفة وانصراف مذهل وانشغال خطير، كم من الناس فقدوا الإحساسَ، وفقدوا المتعة وفقدوا الفائدة وأهدروا الأوقات، يرسلون ويكتبون ويستقبلون ويغردون ويجتمع عندهم ركام من الرسائل، شهورا بعد شهور دون أن تجد من ينفض عنها الغبار، وكم من هؤلاء المبتلين يخدع نفسَه في مواقع فيها قرآن كريم، وحديث شريف، وكلام لأهل العلم والاختصاص مفيد، وحِكَم وتوجيهات ولكنه لم يفتحها، وربما كان الرابط معطوبا وهو لا يدري.

ومن عظيم الابتلاء أن يتحدث متحدث عن أخلاقيات لا يفعلها، أو ينهى عن ممنوعات وهو يرتكبها.

أيها الإخوة: ولمزيد من التأمل والنظر فإن المتابع يرى أن هذه الأدوات والأجهزة قد أضعفت نفوس بعض الفضلاء من طلبة العلم وأصحاب المقامات الرفيعة ومسئوليات وذوي الاختصاصات العلمية والفنية، نعم، إنهم حينما يكونون رموزا وقدوات فالتوجه إليهم أعظم وحسن الظن بهم أكبر، لقد وقع بعض هؤلاء الكرام في عثرات ما كان ينبغي أن يقعوا فيها؛ فترى هذا الرجل الكريم يُبرز ما يتلقاه من مدائح يغرِّد بها، ثم يسارع إلى تدويرها وترديدها وإعادتها، كما يتحدث عن مقابلاته ومؤتمراته وإنجازاته وكان حقه أن يتسامى ويترفع عن هذه الصغائر وتطلُّب أضواء الشهرة الخادع والمهلك، كما قد يسترسل في كثرة التغريدات والتعليقات والمتابعات في قضايا ومسائل ينقصها التمحيص والتثبُّت والمراجعة وقد علم أن خطأ هذه المسالك أكثر من صوابها، ومن غرد في كل واد فقد سفه نفسه وأشغل العباد.

ناهيكم عما يُطرح من أفكار هشَّة لمشكلات كبار، ورؤى فجة لقضايا خطيرة، وحلول ضعيفة لمسائل شائكة كلها تحتاج إلى سهر الليالي وإلى دراسات ومؤتمرات وخبراء ومتخصصين، تم تأملوا الابتلاء فيما يظهر من التهافت على التغريد فيما يُعرف بالوسم، حول قضية معينة، فيخوض فيها مَنْ يخوض ثم ينساق بعض هؤلاء الفضلاء مع العامة طلبًا للمكاثرة من غير رويَّة ولا تبصُّر.

أيها المسلمون: ومن المآسي أن يسلك بعض المغمورين مسالك إزجاء بعض عبارات المديح لمن يستحق أو لا يستحق بغرض أن يظهر اسمه؛ ومن ثَم يسعى في إعادة هذه التغريدات ليتردد اسم هذا المغمور ويزداد متابعوه على حساب هؤلاء الفضلاء وسمعتهم، وقد أرشد نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يُحثى في وجوه هؤلاء المداحين الترابُ، وهذا يقود -حفظكم الله وسددكم- إلى ما يفاخر به من يفاخر بكثرة المتابعين والمرددين، وتزداد المأساة -إن صح ذلك- أن سُوقَ المتابعينَ مفتوحةٌ لمن يريد الشراء، أو سوق مَنْ يرددون التغريدات ويعيدون نشرها، وأكثر الناس في هذا الباب -ولو حرصت- يضرون ولا ينفعون، ويسيئون ولا يحسنون.

ويزداد الأمر خطورةً حينما يكون هذا المديح والإبراز في الأعمال الخيرية، وأعمال البر والأعمال الصالحة والمشاريع النافعة فيبالغ هذا المبتلى في تصويرها ونشرها في أوضاع مختلفة وأحوال متفاوتة ومواقع متعددة فيذكر تفاصيل أعماله وعباداته من صلاة وصيام وحج وعمرة وصدقات وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ودعوة إلى الله ومحاضرات وكلمات ومؤتمرات ومشروعات وغير ذلك مما يُوقِع في الرياء والسمعة بقصد أو بغير قصد، وقد يؤدي إلى فساد هذه المشاريع وإجهاضها والعبث بها.

ألا يخشى هذا المحسن على نفسه أن يكون ممن يفعل الخير وليس له من أجره نصيب؟ وتأملوا قول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "المنافق هو الذي يصف الإسلام ولا يعمل به". وقد علم أهل الإسلام بقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب العبد التقي النقي الغني الخفي"(رواه مسلم في صحيحه).

وأول من تسعَّر بهم النار ثلاثة: قارئ ومجاهد ومنفق، هذا الحديث أيضا في (صحيح مسلم).

وما ذلك إلا لما تزيَّنوا للناس بما يجب فيه من الإخلاص والإخفاء قدر الإمكان، ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "أحرزُ العملينِ من الشيطان عملُ السرِّ". وكم كان يحرص السلف الصالح على أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا يعلم به أقرب المقربين إليه، وقد يُخشى على بعض هؤلاء الكرام والذي قد يكون نال شيئا مما يبتغيه من شهرة أو متابعة يُخشى عليه أن يخسر صفاء القلب ونقاء السريرة وعمل الآخرة.

معاشر الأحبة: ثم انظروا إلى ما تمتلئ به هذه الأجهزة والأدوات والمواقع من الإشاعات والدعايات والأحاديث الموضوعة والفتاوى المقلوبة التي لا سند لها ولا مصدر، ولا خطم لها ولا أزمة.

ومن الخطأ البيِّن أن يظن بعض من جعل له اسما مستعارا أن ذلك يبيح له الكذب والتزوير ونقل ما لا صحة له، ولا حقيقة له، والوقوع في الأعراض، وهذا حرام ولا يجوز، فالله -سبحانه- مطلع على الأسماء والحقائق وعليم بذات الصدور.

معاشر الأحبة: وإذا كان السفر هو الذي يُسفر عن أخلاق الرجال فإن هذه الأدوات -بتغريداتها ومتابعاتها- أصبحت تُسفر عن أخلاق الناس مجتمعات وأفرادا، إنها الأجهزة والأدوات التي دخلت وتدخلت وكشفت وفضحت أدق التفاصيل في حياة الأفراد والأُسَر في أفراحهم وأتراحهم وأسفارهم وتنقلاتهم ومآكلهم ومشاربهم وكل تصرفاتهم ومتغيرات حياتهم.

أيها الإخوة: التعلق الدائم بهذه الأجهزة أثَّر تأثيرا كبيرا على العلاقات الاجتماعية والتواصل المثمر مع الأهل والأقارب وكل من تطلب صلته ومواصلته حتى انقلبت في كثير منها إلى أدوات تقاطع لا أدوات تواصل.

وبعدُ -رعاكم الله-: فإذا رأيت الرجل يمشي بين الناس مرفوع الرأس فاعلم أنه لا يحمل من هذه الأجهزة شيئا، وعنوان صفحات وشعار موقعه ونغمات هاتفه مئنة من عقله، وقل من دخل في معارك كلامية، وحوارات شبكية أن يفلح، ونعوذ بالله من علم يفضي إلى الجهل، ومن حوار ينتهي إلى حمق، ومن جدل يوقع في سفه، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الْإِسْرَاءِ: 13-14].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله يمحو الزلات ويصفح، من اعتصم به حفظه، ومن لاذ به أفلح، أحمده -سبحانه- وأشكره، نعمه محيطة بعبده ما أمسى وما أصبح، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي النجاة والمربح، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، دعا إلى الهدى ودين الحق وأوضح، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن سار على نهجهم واتبع هديهم وأصلح، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: معاشر المسلمين: كم عاكفٍ على هذه الأدوات أهدر الأوقات، وأضاع كثيرا من الأولويات والمهمات، واشتغل بحوارات ومجادلات نتائجها التحريش وإيغار الصدور، ولم يستفد من موقعه ومتابعته سوى أن جمع فيه قيل وقال، الوقت -حفظكم الله- هو الحياة وهو العمر، فهل هان على المرء عمره وحياته، لقد ظهر في هذه المواقع والأدوات الرويبضة؛ وهو الرجل التافه يتكلم في أمور العامة والناس، لا قيمة له لا في العلم ولا في الحلم، ثم يصبح لهم من الأتباع والمتابعين والمعجبين ما تزداد به الفتنة وتضيع فيه أقدار الرجال ومقامات القامات.

إي عبد الله: إن طرق تعامل كثير من الناس مع وسائل الاتصال ورسائله ينبغي أن تكون أكثر وعيا وحكمة، والتعلق الدائم بهذه الأجهزة أدى إلى إهمال من لا يجوز إهماله، والإساءة إلى مشاعر من يجب احترام مشاعره، أوقات تضيع بما لا ينفع وأولاد تبنى عقولهم بما لا ينفع وأموال تصرف بما لا ينفع وعبادات تفرغ مما ينفع.

ومما يستوقف النظر قول بعض الفضلاء: "درس يحضره اثنان أفضل وأكثر بركةً من مقطع يشاهده مليونان".

ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- فالمطلوب هو النظر ووقفة المحاسبة من أجل إحسان الاستفادة من هذه الأجهزة وتقنياتها والاستكثار من إيجابياتها وتقليل سلبياتها، ولا يكون ذلك إلا بضبط الوقت وتحديد أوقات استعمالها، واختيار ما يؤخذ منها، ولا يحفظ الوقت تمام الحفظ إلا التنظيم، وحُسْن الترتيب، فلا يطغى غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ومعلوم أن الوقت لا يتسع لجميع الأشغال، ومن شغل نفسه بغير المهم ضيع المهم وفوت الأهم، (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 17- 18]، (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)[الْفُرْقَانِ: 31].

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلكم ربكم في محكم تنزيله فقال وهو الصادق في قيله قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى والنبي المجتبى وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك وإكرامك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وخذ الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك الصالحين.

اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم أمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وَأَعْلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، وارزقه البطانة الصالحة وأعز به دينك وأعل به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى، ووفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعزاز دينك وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين.

اللهم انصر إخواننا، اللهم انصر إخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بورما وفي إفريقيا الوسطى وفي ليبيا وفي العراق وفي اليمن وفي سوريا، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم قد مسهم الضر، اللهم قد مسهم الضر وحل بهم الكرب واشتد عليهم الأمر، تعرضوا للظلم والطغيان والتهجير والحصار اللهم انتصر لهم، اللهم انتصر لهم، وتولَّ أمرَهم، واكشف كربهم، وارفع ضرهم، وعجِّل فرجَهم، وألِّف بين قلوبهم، واجمع كلمتهم، اللهم مدهم بمددك وأيدهم بجندك، وانصرهم بنصرك.

اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين، فإنهم لا يعجزونك، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم يا ذا الجود والمن احفظ علينا هذا الأمن، وسدد قيادته وقو رجاله، وخذ بأيديهم، وشد من أزرهم وقو عزائمهم وزدهم إحسانا وتوفيقا وتأييدا وتسديدا، اللهم واشف مرضاهم وارحم شهداءهم واحفظ أسرهم وذرياتهم يا رب العالمين، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبل طاعاتنا ودعاءنا وأصلح أعمالنا وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا واغفر لنا وارحمنا إنك أنت أرحم الراحمين. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي