اختيار الزوجة

محمد خير الشعال
عناصر الخطبة
  1. أهمية اعتناء الزوج باختيار زوجته والحكمة من ذلك .
  2. معايير اختيار الزوجة .
  3. ضوابط اختيار جمال المرأة .
  4. نصائح لمريدي الزواج وللمتزوجين .

اقتباس

اختيار الزوجة هو اختيار لطبيعة أولادك، عندما تختار زوجتك فأنت تختار كيفية تربية أولادك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم"؛ يعني تزوجوا الأكفاء وزوجوهم...

الخطبة الأولى:

يقول الله -تبارك وتعالى- في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

نحن في سلسلة الأسرة والتربية، وسبب اختياري لهذه السلسلة أن الحرب على الإسلام معلنة؛ فقد حاربونا بالطائرات، وحاربونا بالجيوش، وحاربونا بالثقافات، واليوم يحاربوننا حرب تربية، يريدون من بيوتنا أن تتنازل عن التربية، ويريدون من مدارسنا أن يسقطوا حصص التربية الدينية، ويريدون إلغاء كليات الشريعة، ويريدون إيقاف معاهد تعليم القرآن الكريم؛ لأنهم يخططون للأجيال القادمة، يريدون أن ينشأ أولادنا منذ نعومة أظفارهم على الخضوع، وعلى الركوع، وعلى الاستسلام لأعداء المسلمين، ولما كان حرب الطائرات يُرد عليها بالطائرات، وحرب المال يرد عليها بالمال، فحرب التربية يرد عليها بالتربية، الأسرة والتربية وهذه هي الخطبة الثالثة في هذه السلسلة عنوان خطبة اليوم: اختيار الزوجة.

لأن اختيار الزوجة هو اختيار لطبيعة أولادك، عندما تختار زوجتك فأنت تختار كيفية تربية أولادك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم"؛ يعني تزوجوا الأكفاء وزوجوهم، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن".

أيها الأخوة الكرام: لا يختلف عاقلان على أن الزوجة التي ستصير أماً، هي المربية الأولى في البيت، هي نعيم البيت وجنانه، وهي عذاب البيت ونيرانه، هي أم أولادك التي ستهز سريرهم بيمينها، لكنها ستهز العالم بيسارها، هي أصل التنشئة الحسنة إذا صلحت، وأصل التربية السيئة إذا فسدت، إن اختيار الزوجة هو أكثر الخيارات أهمية -على الإطلاق-، وخير من تختار من النساء من جمعت خمس خصال "من كانت شريفة جميلة دينة ذات خلق مطيعة" أما الشريفة فالمراد بها أن تكون من أسرة عريقة، عرفت بالصلاح والخلق، وأصالة الشرف، وأرومة الأصل؛ لأن علم الوراثة اليوم قرر بأن الأولاد يتلقون من آبائهم وأمهاتهم، وأعمامهم وأخوالهم، وأجدادهم وأصولهم عامةَ مزايا يأخذونها؛ فالولد يتأثر من الأصل الذي خرج منه، وأنتم تقرأون سورة الكهف في يوم الجمعة في قصة الخضر مع موسى عندما أقام الجدار قال له الخضر: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)[الكهف:82].

قال المفسرون: ببركة صلاح الأب حُمِيَ الأولاد، وقالوا: هذا الأب لم يكن الأب المباشر، ولكن الجد السابع، ببركة الجد السابع حمى الله الأولاد من نسله.

لذلك لابد أن تختار المرأة الشريفة، فعندما يجتمع في الولد عامل الوراثة الصالحة، وعامل التربية الناجحة، يصل الولد إلى القمة في الدين والخلق.

وأما المرأة الجميلة فتختارها؛ لأنها تسر زوجها إذا نظرت إليه وإذا نظر إليها، لكن معيار الجمال مختلف، فالذي يراه رجل جميلاً، يراه غيره غير جميل، وربما رأت الأم فتاة جميلة اختارتها لولدها، لكن الولد لم ير هذه الفتاة جميلة، وربما كان العكس؛ فكم من ولد اختار فتاة يراها جميلة قالت له أمه: إنها غير جميلة؛ فمعيار الجمال مختلف، والشريعة أرادت للزوج أن يختار امرأة جميلة، يرتاح لرؤياها، ويسر بجمالها.

ولكن انتبهوا فالأمر خطير فإنه يُشترط في الجميلة ثلاثة أمور: إن كانت موجودة في جمالها فبها ونعمت، وإن لم تكن موجودة فالأمر على غاية في الخطورة يشترط في الجميلة ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن يكون جمالها لزوجها ولبيتها، لا أن يكون جمالها معروضاً للعامة فتكون للجميع، ذكروا أن رجلاً طُلِبَ منه أن يختار زوجته من طائفة من الفتيات الفاتنات، وكن على مقربة منه، فأرسل بنظره إلى قمة جبل شاهق وقال: أختار أن أتزوج تلك المرأة التي تقف فوق تلك القمة؛ لأنها صعبة المنال، بعيدة عن الأنظار، أما إذا كانت الجميلة قريبةَ المنال، قريبةً من الأنظار، فهذا أمر خطير.

الأمر الثاني -الذي يُشترط في الجميلة-: أن لا تكون مفتونة بجمالها، معتدة به، تمتنُّ على زوجها ليل نهار بجمالها، تقول له أنها تفضلت عليه؛ لأنها رضيت به زوجاً، هذه المرأة تتعب زوجها.

ذكروا في كتب الطرائف أن امرأة تزوجها أعمى، فكانت تستغل عماه فتقول له: آهٍ يا زوجي لو كنت بصيراً لرأيت جمال عيني، آهٍ يا زوجي لو كنت بصيراً، ورأيت تورُّد وجنتي، آهٍ يا زوجي لو كنت بصيرا،ً ورأيت حلاوة نفسي، آهٍ يا زوجي آهٍ يا زوجي.. فما كان من هذا الزوج لمّا طال عليه الأمر، وكَثُر منها المن والأذى إلا قال لها: دعيني منك يا امرأة لو كنت جميلة كما تقولين لما تركك المبصرون لأعمى مثلي.

الأمر الثالث: أن يكون جمالها محفوظاً بدينها، وإلا فإن المرأة الحسناء بغير دين يحفظها تهلك وتُهلك، وإليكم القصة الشعرية التالية:

برق من العشق لم تسبقه أجراسُ *** أضاء لما خبا في القلب نبراس

سرٌّ سرى كي لم يدرك حقيقته *** إلا وقد دار نشواناً بها الراس

خضراء في دربه ألقت حبائلها *** وفوقها الورد والريحان أكداس

(المراد بالخضراء هي: المرأة الجميلة، لكن ليس لها دين، ولا تنضبط بالشريعة)

فتى على مثله تبكي العيون دماً *** من معدن الطيب حيث الناس أجناس

صخر تهاوى على أقدام فتنتها جذع ترنح أم غاصت به الفأس

تزوجا فإذا الأيام كالحة *** والآن قد كبرت في البيت أغراس

صبيتان بعمر الزهر ويحهما *** يا لطف ربك والتيار دعّاس

صبيتان على منوال أمهما *** للسوط كسر وللأجفان إنعاش

ألعوبتان تثيران القلوب هوى *** فهيتا مبسمٍ والقدّ مياس

مناكب سطعت في الشمس ثائرة *** صدر حسير تلالأ حوله الماس

نادٍ ورقص ومنتزه لقاءات *** مع الشباب وكل الصيف أعراس

لكنما الأب يا مسكين أي أب *** في عرضه الصحب والأغراب قد جاسوا

الآن تندم والظهر انحنى كبراً *** وما تبقى لأجل القلع أضراس

حل الذي حل والأمر أنقضى ومضى *** فما عليك إذا رمت الردى داسوا

من يذكر المصطفى يذكر وصيته *** تخيروا العرق إن العرق دساس

إن الجمال -أيها الأخوة- أمر جميل ومهم، لكنه يحتاج إلى هذه الأمور الثلاثة وإلا فهو القارعة، وهو المهلكة، يحتاج أن يكون جمال المرأة لزوجها، ويحتاج أن لا تكون المرأة مفتونة بجمالها، ويحتاج أن يكون الجمال محفوظاً بالدين، فهذي هي المرأة الشريفة والجميلة، والدينة التي تَصْلُح لك، أما المرأة الخلوقة ذات الخلق، فهي التي تحلت بفضائل الخصال، حتى تزرعها في أولادها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فالمرأة الكريمة تزرع في أولادها الكرم، والمرأة الصادقة تزرع في أولادها الصدق، والمرأة الحيية تزرع في أولادها الحياء، وهكذا سائر الأخلاق والفضائل، أما الصفة الخامسة والأخيرة في خير النساء فهي: أن تكون مطيعة لزوجها، وكيف يعرف أحدنا أن هذه الفتاة ستصير مطيعة للزوج؟ انظر إلى أمها في علاقتها مع أبيها، وانظر إلى أختها في علاقتها مع زوجها؛ فالبنت بنت أمها، وتلميذة أختها، وخير امرأة لك هي المرأة المطيعة لزوجها.

أيها الإخوة الكرام: هذه هي الزوجة التي تعين زوجها في تربية الأولاد "أن تكون شريفة جميلة دينة ذات خلق مطيعة"، وإن مَثَلَ الزوجين كمثل البيت من الشعر، ولا يحكم البيت من الشعر إذا كان شطره محكماً، والشطر الآخر متخاذلاً. أوصى عثمان ابن أبي العاص أولاده في تخير زوجاتهم، فقال: "يا بني: الناكح -يعني الرجل الذي يريد الزواج- الناكح مغترس يزرع غرساً؛ فلينظر أمرؤٌ حيث يضع غرسه" والعرق السوء قلما ينجب إلا مثله فتخيروا.

أختم خطبتي بثلاثة نصائح لكل شاب يريد الزواج، يبحث عن زوجة، وبثلاث نصائح للمتزوجين فينا، أما النصائح الثلاث للشباب الذين يريدون الزواج:

1- لا تسأل عن المدرسة التي تعلمت بها الفتاة قبل أن تسأل عن البيت الذي رُبيت فيه الفتاة.

2- تزوج فتاةً أمُّها صالحة، ما معنى صالحة: تحسن عبادة ربها، وطاعة زوجها، ورعاية بيتها هذه هي المرأة الصالحة. وإذا كانت الأم بهذه الصفة فالغالب أن البنت قريبة من أمها.

3- اختر زوجةً توافقك مشرباً وطباعاً وأخلاقاً، هذه هي نصائح ثلاث لكل شاب يبحث عن زوجة.

أما النصائح الثلاث للمتزوجين فينا:

1- ارض بما قسم الله لك في زوجتك، والرضا بقضاء الله ركن من أركان الإيمان.

2- ادع لزوجتك، وعلّمها ما تريد بلطف ورحمة.

3- خذ بيدها، واذهبا معاً إلى مجالس العلم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي