أوصيك بالزاد والراحلة الحلال، فإن للمال الحلال أثراً كبيراً على عبادتك وسلوكك فيها، وللمال الحلال أثر بالغ في طمأنينة قلبك وسرور فؤادك، ومن أجل هذا أمر الله -عز وجل- عباده بما أمر به رسله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء كل يوم هو في شأن، نحمده ونستغفره ونسأله الهداية والأمن والإيمان ونعوذ به من الخزي والهوان والخيبة والحرمان ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا ثان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث بأفضل الأديان، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واغتنموا فرص أيامكم السريعة الذهاب واعملوا في أعماركم التي تمر مر السحاب.
يا من عزمت على الحج في هذا العام: إليك هذه الوصايا من أخ محب لك ويرجو لك القبول والغفران، والعود بالأجر وتكفير الخطايا والآثام:
الوصية الأولى: أوصيك بالإخلاص في هذه العبادة العظيمة التي شرعها الله وفرضها على من استطاع من عباده، فلا تخرج رياءً وبطراً حتى لا تعود منها بالوزر والخسران، والتعب والكفران، فإن الله -عز وجل- أمر عباده بالإخلاص في عبادته فقال جل ذكره: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[البينة: 5]، وفي الحديث القدسي قال الله –تعالى-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
الوصية الثانية: أوصيك بمتابعة نبيك -عليه الصلاة والسلام- في هذه العبادة الجليلة، فتحج وتعتمر كما حج نبيك واعتمر حتى تسلم من الخطأ والزلل الذي قد يفسد حجك ويبطله، أو ينقصه ويشينه.
واعلم أنك لن تدرك المتابعة -عبد الله- في هذه العبادة إلا بالتعليم والجلوس عند العلماء والاستفادة منهم، أو بقراءة ما كتبه العلماء الموثوق بعلمهم في هذه العبادة من كتب ورسائل، وما سطر من فتاويهم، أو بسماع الأشرطة التي تتحدث عن هذه العبادة وصفتها وأركانها وواجباتها وسننها، حتى تطمئن أنك حججت كما حج نبيك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا سيما إذا كانت هذه الحجة هي حجة الفريضة حجة الإسلام، فقد قال الله -عز وجل- في محكم تنزيله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7]، وقال عليه الصلاة والسلام: "خذوا عني مناسككم" أو "لتأخذوا عني مناسككم"، وقال عليه الصلاة والسلام "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي لفظ آخر "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"؛ أي: مردود عليه ومع الجهل بأحكام هذه العبادة قد يأتي الحاج فيها بما ليس عليه أمر الله وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فينصرف من حجه مأزوراً غير مأجور.
وانظروا -عباد الله- إلى ما يقع من كثير من الحجاج الذين يقدمون من غير هذه البلاد من البدع، بل ومن الشركيات التي يعتقدون أنها من الشرع، وليست كذلك، فيرجعون من حجهم وقد أبطلوه وأفسدوه بهذه الأعمال المخالفة لشرع الله -جل وعلا-.
الوصية الثالثة: أوصيك بالزاد والراحلة الحلال، فإن للمال الحلال أثراً كبيراً على عبادتك وسلوكك فيها، وللمال الحلال أثر بالغ في طمأنينة قلبك وسرور فؤادك، ومن أجل هذا أمر الله -عز وجل- عباده بما أمر به رسله وبالأكل من الطيبات فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172]، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" الحديث.
والحج يحتاج إلى زاد وراحلة تبلغ بهما المشاعر، فاحصر على أن يكون زادك وأن تكون راحلتك حلالا، ألست تريد أن يتقبل الله منك حجك ويكتبه في ميزان حسناتك، وتكره أن ترجع من حجك خاوي الوفاض ليس لك منه إلا التعب والمشقة؟ بلى تريد ذلك، فكيف تريده ومالك الذي تزودت به حرام وسحت! وكيف ترجو إجابة الدعاء ومالك من حرام! هل سمعت ما قاله نبيك في هذا؟!
إليك ذلك تذكيراً إن كنت ناسيا أو تعليماً إن كنت جاهلاً ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام ،وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟".
الوصية الرابعة: تلمس الرفقة الصالحة في هذا السفر الجليل والمقصد العظيم؛ فإن الرفقة الصالحة تعينك على نفسك، فتحميك بإذن الله من الوقوع في الزلل والتقصير، وتدلك على ما فيه نفعك في الدنيا والآخرة، وترشدك إلى ما فيه صلاح قلبك وطمأنينته، واستقامة دينك وسلامته، وتحثك على ذكر الله وتسبيحه وتهليله وتحميده؛ فقد روى الدارمي في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي"، وإذا كان معها عالم أو طالب علم كان هذا خيراً على خير، فيحصل منه بيان صفة هذه العبادة وأحكامها حتى تكون على بينه منها، ويحصل منه توجيه لك إلى الصواب إذا ما خفي عليك الحكم وجهلت صفة العمل.
الوصية الخامسة: أوصيك بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته في هذه العبادة، فلا تنظر إلى ما لا يحل لك النظر إليه، إلى امرأة أجنبية سواء نظرت إليها مباشرة أو عن طريق الشاشة الفضائية، ولا تسمع إلى ما لا يحل لك سماعه من أغاني هابطة ومزامير ممرضة، ولا تؤذي اخوانك الحجاج بقول منك أو فعل، لا سيما في أداء بعض الواجبات كالطواف والسعي ورمي الجمرات، أو بالدفع من عرفه إلى مزدلفة إذا كنت قائداً لسيارتك فتقودها بتهور وسرعة، فلا يحصل منك رفق وسكينة ولا يحمل منك إيثار وتضحية، فإن ربك -جل وعلا- قال في كتابه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، وقال عليه الصلاة والسلام للحجاج: "السكينة السكينة"؛ فلا تزاحم إذا كنت قويا مزاحمة تضر بالمرأة والرجل الضعيف وذي الشيبة؛ بل كن عوناً لهم وسندناً لهم في هذه الأعمال، ولا تتلفظ بالألفاظ النابية السيئة من سب وشتم فإنك سوف تلقى من بعض الحجاج جهلاً وسوء خلق، فإذا لم تتحل بخلق الحلم والصبر فسوف يذهب وقتك في سباب وشتم وإيذاء، قال أحدهم:
إذا أنا كافأت الجهور بفعله *** فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره
ولكن إذا ما طاش بالجهل طائش *** علي فإني بالتحلم قاهره
فاحرس أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
والوصية السادسة: املأ وقتك في المشاعر بذكر الله -عز وجل- والدعاء والصدقة والدعوة إلى الله بالحكمة والرفق واللين، والمساهمة في توعية الناس إذا كنت طالب علم أو عالماً، أو في توزيع الكتب والنشرات التي سمح بتوزيعها ونشرها بين الحجاج، إذا لم تكن طالب علم أو عالماً لا سيما ما يتعلق بالعقيدة وبين الحجاج الذين يقدمون من بلاد تضعف فيها العقيدة، ويكثر فيها الشرك وتكثير فيها البدع.
هذه -عباد الله- بعض الوصايا التي أحببت أن أوصي بها الحاج قبل أن يتجه إلى بيت الله الحرام لأداء هذه العبادة الجليلة والركن العظيم، أسأل الله -عز وجل- أن يبلغ العازمين على الحج ما عزموا عليه، وأن يرزقهم الإخلاص والفقه فيه، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير، ويهدينا سواء السبيل، ويعيذنا من شر نفوسنا ومن الشيطان الرجيم، آمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي