الحج فضله وشيء من أحكامه

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. ما ينبغي لمن نوى الحج .
  2. وجوب الحج وشروطه وفضله .
  3. أنساك الحجِّ وصفتها .
  4. محظوراتِ الإحرام .
  5. أخطاء يقع فيها الحجاج. .

اقتباس

من الأخطاء التي قد تقع من بعض الحجاج في الحج ما يظنُّه البعض أنَّ الإحرام هو لبس الإزار والرداء بعد خلع الملابس, والصواب أنَّ هذا استعدادٌ للإحرام, فالإحرام هو نية الدخول في النسك, وعليه فلا تبدأُ محظوراتُ الإحرامِ إلا بعد النية مباشرة, وما يظنه بعضهم أنَّ الإحرام تشترط له الطهارة, فقد تتجاوز المرأةُ الميقاتَ بدون إحرام؛ لأنها حائض, وهذا خطأٌ فالحيض لا يمنع الإحرام, ويظن البعض أنَّ لباس الإحرام لا يجوز تغييره حتى ولو اتسخ وهذا خطأ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل الحج من أركان الإسلام, وفرضه في العمر مرَّةً على المستطيع, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلوات ربي وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين, أما بعد:

فيا معاشر المسلمين: اتقوا الله -تعالى-, واعلموا أنَّه على من نوى الحج أن يتوب إلى الله ويردَّ المظالم وأن يتعلم أحكام الحج؛ ليكونَ حِجُّهُ عن بصيرةٍ لا عن جهل, كما عليه أن يحجَّ من أطيب ماله, بمالٍ لا شبهة فيه, ويأثم من حجَّ بمالٍ محرَّم, وخيرُ المال مالٌ اكتسبه من عملٍ أتقنه بكسب يده.

أيها المؤمنون: إنَّ الله فرض عليكم حِجَّ بيته الحرام في العمر مرَّةً واحدة, قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97], قال الإمام السمعاني -رحمه الله-: "قال مالك: الاستطاعةُ بقوَّةِ البدن، فمتى وجد الزاد، وقـويَ على المشي لزمه الحج، والأصح أنَّ الاستطاعة: هي القدرةُ على ما يوصلُهُ إلى الحج، فمنها: الزادُ والراحلة، ومنها: أمنُ الطريق، ونفقةُ الأهل، ونحوَ ذلك".

معاشر المسلمين: للحج فضلٌ عظيم قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (متفق عليه), فمن قصد بيتَ اللهِ بالحجِّ وصانَ حَجَّهُ عن الرفث: وهو الجماعُ ومقدماتُه الفعليةُ والقوليةُ, والفسوق: وهو جميع المعاصي ومنها محظوراتُ الإحرام, فإنَّه يُصبحُ عارياً من الذنوب كيوم ولدته أمه, وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الحَجُّ المبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ" (متفق عليه), والمبرور هو الذي لا يخالطه إثم, قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "الحج المبرور هو الذي لا يرتكبُ فيه صاحبُهُ معصيةً لله".

عباد الله: لا يجوز تأخيرُ أداءِ فريضة الحجِّ على المستطيع, إذ هو واجبٌ على الفور, والحجُّ أشهرٌ معلوماتٌ وهي شوال وذو القَعدة وعشرٌ من ذي الحِجة, وشروطُ الحجِّ خمسة: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة, والاستطاعةُ تكونُ بالبدن والمال, وتزيدُ المرأةُ شرطاً وهو وجود المحرم, قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج ولا غيرِهِ بدون محرم، سواءً أكانَ السفرُ طويلاً أم قصيراً، وسواءً أكانَ معها نساءٌ أم لا، وسواءً كانت شابَّةً جميلةً أم عجوزاً شوهاء، وسواءً في طائرةٍ أم غيرها, لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطُب يقول: "لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافرُ المرأةُ إلا مع ذي محرم", فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إنَّ امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، فقال له: "انطلق فحُجَّ مع امرأتك" (متفق عليه).

معاشر المسلمين: وأركانُ الحجِّ أربعة: الإحرام وهو نـــيَّــةُ الدخول في النسك, والوقوفُ بعرفة, وطوافُ الإفاضة, والسعي بين الصفا والمروة, وواجباتـه سبعة: الإحرامُ من الميقات, والوقوفُ بعرفةَ إلى الغروب لمن وقفَ نهاراً, والمبيتُ بمزدلفةَ إلى نصف الليل لمن أدركها قبله, والمبيتُ بمنى ليالي أيَّام التشريق ورميُ الجمار مرتباً, والحلقُ أو التقصير وطوافُ الوداع.

والمواقيتُ المكانيةُ خمسة: ذو الحليفةِ ويـُسمَّى: أبيارَ عليٍّ, والجحفةُ: وهي قريةٌ قديمةٌ خربت جعلَ الناسُ بدلها رابغاً, وميقاتُ يلملم ويـُسمَّى: السعدية, وميقاتُ قرنِ المنازن ويـُسمَّى: السيل, وميقاتُ ذاتِ عرقٍ ويـُسمَّى: الضريــبـة, وأنساكُ الحجِّ ثلاثة وهي: التمتع وهو أفضلها, والقران, والإفراد, قال الشيخُ ابنُ عثيمين -رحمه الله-: "الصواب أنَّ الأنساك الثلاثة كلُّها جائزة، ولكنها تختلف في الأفضليَّة: فالتمتعُ أفضلُ والقِرانُ أفضلُ لمن ساقَ الهدي، والإفرادُ هو آخرُها".

أيها المسلمون: وصفة التمتع: أنْ يُـحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغَ منها ويتحلل, ويتمتعُ بجميع ما أحلَّ اللهُ له, ثم يُـحرم بالحج من عامه, فتكونُ العمرةُ منفصلةً عن الحجِّ, وأما القارنُ فيُحرِمُ بالعمرة والحجِّ جميعاً فيقولُ عند إحرامه: لبيكَ عمرةً وحجاً وفي هذه الحال تكونُ الأفعالُ للحج وتدخلُ العمرةُ في أفعال الحج, وأما الإفراد فيُحرمُ بالحج مُفِرداً فيقول: لبيكَ اللهمَّ حَجَّاً, والدمُ يجبُ على المتمتعِ والقارنِ دونَ المفرِد, وهو دمُ شكرانٍ لا دمَ جبران".

معاشر المؤمنين: على الحاجِّ أن يجتنبَ محظوراتِ الإحرامِ وهي تسعة: الأول:حلقُ الشعر قال -تعالى-: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [البقرة: 196], والمحظور الثاني: تقليمُ الأظافرِ أو قصُّها, والثالث: تغطيةُ الرأس, والرابع: لُبسُ الرجلِ للمخيط على بدنه أو بعضه, وقد سألَ رجلٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ما يلبسُ المحرِم؟ فقال: "لاَ يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلاَ العِمَامَةَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ البُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ" (أخرجه البخاري), وللمرأة أن تلبسَ من الثياب ما شاءت حالَ الإحرام ولا تلبسُ البرقعَ ولا القفازين, بل تغطي وجهَها بغيره من الخمار والجلباب؛ لحديث: "لاَ تَتَنَقَّبُ المحرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ" (أخرجه البخاري), والخامس من محظورات الإحرام استعمال الطيب والسادس: قتلُ صيدِ البر واصطيادُه, قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة: 95], والسابع عقد النكاح قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطِبُ" (أخرجه مسلم), والثامن الجماع, والتاسع: ملامسةُ المرأةِ بشهوة.

أيها المؤمنون: من وجبَ عليه الحج ولكنَّه ماتَ قبل أن يحج فما العمل؟ قال الشيخ صالـحُ الفوزان -حفظه الله-: "من وجب عليه الحج ثم مات قبل الحج؛ أُخرج من تركته من رأسِ المال, المقدارُ الذي يكفي للحج، واستُنيبَ عنه من يؤدِّيه عنه, لما روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ" (البخاري)".

أيها المؤمنون: احرصوا على التزود من العلم ومن الفقه بأحكام الحج؛ فإنَّ العلمَ خيرُ زادِ المتقين, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً واجعله حجةً لنا لا علينا يا ربنا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين؛ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وفق من شاء لطاعته, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:

فاتقوا الله -أيها المؤمنون- حق التقوى.

معاشر المسلمين: من الأخطاء التي قد تقع من بعض الحجاج في الحج ما يظنُّه البعض أنَّ الإحرام هو لبس الإزار والرداء بعد خلع الملابس, والصواب أنَّ هذا استعدادٌ للإحرام, فالإحرام هو نية الدخول في النسك, وعليه فلا تبدأُ محظوراتُ الإحرامِ إلا بعد النية مباشرة, وما يظنه بعضهم أنَّ الإحرام تشترط له الطهارة, فقد تتجاوز المرأةُ الميقاتَ بدون إحرام؛ لأنها حائض, وهذا خطأٌ فالحيض لا يمنع الإحرام, ويظن البعض أنَّ لباس الإحرام لا يجوز تغييره حتى ولو اتسخ وهذا خطأ فللحاج والمعتمر تغسيلُ لباس الإحرام وله تغييره بمثله.

ومن الأخطاء استمرار بعضهم على الاضطباع بعد الطواف, فالاضطباع يكون في طواف القدوم فحسب, فإذا انتهى من الطواف فعليه وضعُ الرداء على عاتقيه جميعاً, ومن الأخطاء مزاحمة النساء للرجال لاستلام الحجر الأسود, إذ على المرأة أن تجتنب الزحام, ومن الأخطاء انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس, ورمي بعضهم الجمار بحصيات كبيرة أو بالنِّعال, أو رميها بالصراخ والسب والشتم زعماً منهم أنَّ الشاخص شيطان.

ومن الأخطاء أنَّ بعض الحجاج وهم في طريقهم إلى الجمرات يمشون بعنف وشدة, فيحصل بهم الأذيةُ والمضرَّةُ والمشاتمةُ والمضاربةُ مع غيرهم من الحجاج, وقد يطؤون تحت أقدامهم غيرَهم من الحجاج بلا مبالاةٍ أو استشعار مسؤولية, ومما يُذكر فيشكر لرجال الأمن حُسنُ تنظيمهم وعظيمُ اجتهادهم ورفقِهم ورحمتِهم وإعانتِهم للحجاج من حين قدومهم وأثناءَ أداءِ مناسكهم وإلى حين انصرافهم إلى بلادهم, فجزاهم الله خيراً وأعانهم.

أيها المؤمنون: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56], اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه, اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين, اللهم أعز من في عزه عز للإسلام والمسلمين, اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان, وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90], فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي