أكثر ما يأتي الشبابَ الحيرةُ والاضطراب في مسألة اختيار الزوجة، وكثير منهم يَفتقد لِمهارات اختيار ذلك الشريك، والأمر يَستحق الكثير من التأنِّي والتروِّي؛ لأنَّ الإنسان إذا أراد أن يبذر بذرًا اختار...
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70، 71].
أما بعد: أيها المسلمون، اتَّقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، فإنَّ في تقواه السعادةَ في الدنيا، والفلاح في الأخرى.
عباد الله: السعادة في هذه الحياة مَطلب عظيم، ومقصد جليل، يَسعى إليها كلُّ حيٍّ، ينشدها بكل وسيلة، ويطلبها في كل سبيل، غير أن السعادة والطمأنينة في هذه الحياة لا تحصل إلا بما شرع الله عزَّ وجلَّ لعباده، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته، والأخذ بما وضع الحقُّ جل وعلا من سنن، وما شرع من أسباب.
فمن أسباب السعادة في الدنيا -يا عباد الله- المرأة الصَّالحة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربع من السَّعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشَّقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء"(1).
عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدُّنيا مَتاعٌ، وخيرُ متاع الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ"(2)، فحث الدِّين على اختيار الزوجة الصالحة ذات الخلق الرَّاقي، والتعامل الهادئ؛ لا ترفع صوتًا، ولا تؤذي زوجًا.
إخوة الإيمان: وإذا وقع في قلب الرجل أن يَخطب امرأةً؛ فليستخر اللهَ قبل أن يُقدم على الخِطبة؛ فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلِّمنا الاستخارةَ في الأمور كلها، كما يعلِّمنا السورة من القرآن"(3).
أيها الشباب: أكثر ما يأتي الشبابَ الحيرةُ والاضطراب في مسألة اختيار الزوجة، وكثير منهم يَفتقد لِمهارات اختيار ذلك الشريك، والأمر يَستحق الكثير من التأنِّي والتروِّي؛ لأنَّ الإنسان إذا أراد أن يبذر بذرًا اختار له الأرضَ الصالحة بغية أن يخرج بإذن ربِّه، والأمر بالنسبة للزوجة أجَلُّ وأعظم.
ولذلك دعا الإسلام إلى التدقيق في اختيار الزوجة، والنظر إليها، والوقوف على أخلاقها ودينها؛ حتى يَكمل الانسجام، وتزداد المحبَّة، وصولًا إلى عش الزوجية الهادئ.
وأول ما ينبغي الاهتمام به عند الاختيار: اختيار ذات دِين وخلُق، عفيفة محتشمة، ذات أخلاق فاضلة: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء:34]، (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ)[النور:32]، (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ)[البقرة:221]، (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)[النور:26].
وقد جاءت الشريعة بالتأكيد على ما يغفل الناس عنه ويهملونه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تُنكحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين ترِبَت يداك"(4).
قال القرطبي رحمه الله: "هذه الأربع الخصال هي المُرغِّبة في نِكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النِّكاح لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم)(5).
فالمرأة المتدينة دُرَّة ثمينة بين النساء يتمنَّاها كلُّ رجل، رغبة في خَيرَي الدنيا والآخرة، ولا قيمة لأي اعتِبار آخر ليس معه الدِّين؛ فالجمال مَغنم إذا كان مَعه دِين يحميه، ومَغرم إذا كان بمعزل عن الدِّين، والحسَبُ والنَّسب بغير دِين نِقمة لا نعمة، وثراءُ من لا دين له طغيان وفتنة.
أيها المسلمون: من مَعايير اختيار الزوجة: أن تكون وَدودًا، ولودًا؛ فعن معقل بن يسارٍ -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أصبت امرأةً ذات حسبٍ وجمالٍ، وإنها لا تلِد، أفأتزوَّجها؟ قال: "لا"، ثمَّ أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: "تزوَّجوا الوَدودَ الوَلود؛ فإني مكاثِرٌ بكم الأمم"(6).
الوَدود "التي تسرُّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره"(7).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبِرُكم بنسائكم من أهل الجنَّة؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "كلُّ وَلودٍ وَدود، إذا غضبَت أو أُسيء إليها أو غضب - أي: زوجها - قالت: هذه يَدي في يدك، لا أكتحل بغمض حتى ترضى"(8).
ويمكن مَعرفة المرأة الوَلود بالنظر في حال أمِّها وأخواتها، أو أن تكون تزوَّجَت قبل ذلك، فيعلم ذلك من زواجها المتقدم.
فالمرأة الوَدود: التي تحبُّ زوجها، والوَلود: التي تكثر ولادتها، وقيد بهذين؛ لأنَّ الوَلود إذا لم تكن وَدودًا لم يرغب الزَّوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودًا لم يَحصل المطلوب، وهو تَكثير الأمَّة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهنَّ؛ إذ الغالب سراية طِباع الأقارب بعضهن إلى بعض(9).
معشر المسلمين: من معايير اختيار الزوجة: أن تكون بِكرًا؛ لتكون المحبَّة بين الزوجين أقوى، والصِّلة أوثق، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: هلك أبي وترَك سبع بناتٍ أو تسع بناتٍ فتزوَّجتُ امرأةً ثيبًا، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تزوَّجتَ يا جابر؟"، فقلتُ: نعم، فقال: "بكرًا أم ثيبًا؟"، قال: بل ثيبًا، قال: "فهلَّا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك"(10)، فالمرأة يتعلَّق قلبها بأول زَوج؛ إذ لم تعرف سواه، فيكون ودها منصرفًا إليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير"(11).
وقد يختار الثيِّب لأنها أنسَب لحاله؛ كما فعل جابر بن عبدالله لما تزوَّج ثيبًا، قال رضي الله عنه: إنَّ عبدالله هلك، وترك بناتٍ، وإنِّي كرهتُ أن أجيئهن بمثلهن، فتزوَّجتُ امرأةً تقوم عليهنَّ وتصلحهن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بارك الله لك"(12).
ففي هذا الحديث دليل على استحباب نِكاح الأبكار إلَّا لمقتضٍ لنِكاح الثيِّب؛ كما وقع لجابرٍ(13).
عباد الله: ومن معايير اختيار الزوجة: أن يرتضي شَكلها؛ فعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أنه خطب امرأةً، فقال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "انظر إليها؛ فإنَّه أحرى أن يُؤدم بينكما"(14)؛ أي: أحرى أن تَدوم المودَّة بينكما(15).
قال ابن حجر رحمه الله: "يؤخذ منه استِحباب تزوج الجميلة، إلا أن تعارض الجميلة الغير ديِّنة والغير جميلة الديِّنَة، نعم لو تساوتا في الدِّين فالجميلة أَولى"(16).
إخوة الإيمان: من معايير اختيار الزَّوجة: أن تكون حسيبة، كريمة العنصر، طيِّبة الأرومة؛ لأن الغالب فيمن اتَّصفَت بذلك أن تكون حَميدة الطِّباع، ودودة للزَّوج، رحيمة بالولد، حريصة على صَلاح الأسرة وصيانة شرف البيت، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "تخيَّروا لنُطَفكم، وانكحوا الأكْفاء، وأنكحوا إليهم"(17).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير نِساءٍ ركبن الإبل صالِح نِساء قريشٍ؛ أحناه على ولَدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده"(18).
ومعنى هذا الحديث: الحضُّ على نِكاح أهل الصَّلاح والدين وشرف الآباء؛ لأن ذلك يمنع من ركوب الإثم وتقحم العار(19)، قال أكثم بن صيفي لبنيه: "يا بني، لا ينكبنكم جمال النِّساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف"(20).
معشر المسلمين: ينبغي على الزَّوجة أيضًا أن تحسِن اختيارَ زوجها، وتستشير في ذلك من تَثِق به؛ فعن فاطمة بنت قيسٍ أنها جاءت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنَّ معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباني؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمَّا أبو الجهم، فلا يضَع عصاه، وأمَّا معاوية، فصعلوكٌ لا مال له، انكحي أسامة بن زيدٍ".
قالت: فكرِهتُه، فقال: "انكحي أسامة بن زيدٍ"، فنكحتُه، فجعل الله لي فيه خيرًا، واغتبطت(21).
عباد الله: ونتيجة لسوء اختيار الزَّوج أو الزوجة، فإن الطلاق -غالبًا- هو النتيجة المتوقعة لذلك الزواج؛ فإحصائيات الطَّلاق في العالم الإسلامي تشير إلى أن أكثر الطَّلاق يقع في السنة الأولى من الزواج وقبل الإنجاب؛ بسبب فشَل اختيار أحدهما للآخر.
وقد ورد في تلك الإحصائيات أن 77 % من وقائع الطلاق تقع قبل إنجاب أي ولد، وأن 17 % تقع بعد إنجاب طفل واحد(22).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير الناس لأهله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد.
أما بعد: فاتَّقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، فتقوى الله طريق الهدى، ومخالفتها سبيل الشقاء.
أيها المسلمون: لقد جاءت الشَّريعة الإسلاميَّة بالأمر بغضِّ البصر وتحريم النَّظر إلى المرأة الأجنبيَّة؛ طهارةً للنُّفوس، وصيانة لأعراض العباد، واستثنَت الشَّريعة حالات أباحَت فيها النَّظر إلى المرأة الأجنبية للضرورة وللحاجة العظيمة؛ ومن ذلك نظَر الخاطب إلى المخطوبة؛ إذ إنه سيَنبني على ذلك اتِّخاذ قرار خطير ذي شَأن في حياة كل من المرأة والرجل؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجُلٌ إلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنِّي تزوَّجتُ امرأةً من الأنصار، فقال له النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هل نظرتَ إليها؛ فإنَّ في عُيون الأنصار شيئًا؟"(23).
وعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطب أحدُكم المرأةَ، فإن استطاع أن يَنظُر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل"، قال: فخطبتُ جاريةً، فكنتُ أتخبَّأ لها حتى رأيتُ منها ما دَعاني إلى نِكاحها وتزوُّجِها، فتزوَّجتُها(24).
وعن المغيرة بن شُعبة -رضي الله عنه- أنَّه خطب امرأةً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انظُر إليها؛ فإنَّه أحرى أن يُؤدم بينكما"(25).
فللخاطِب أن يرى ما يظهر غالبًا من المرأة؛ كالوجه واليدين، وهذا النوع من النَّظر هو من المأذون فيه لمصلحة راجحة؛ وهو دخول الزوج على بصيرة، وأبعد من نَدَمه ونفرته عن المرأة(26).
عباد الله: يقَع بعض أهل الإسلام في مخالفات شرعيَّة أثناء الخِطبة؛ فمن ذلك: إعراض الكثير من أولياء الأمور وكذا الفتيات عن رؤية الخطيب مَخطوبته، وهذا مخالِف لنصوص السنَّة المطهَّرة، فمتى عَلِم وليُّ الأمر رغبة الخاطِب في النكاح ورغبته في رؤية مخطوبته، فلا يشرع له أن يمنعه من ذلك.
ومن المخالفات: جلوس الخاطِب مع مخطوبته والحديث معها والخروج معها، بلا مَحرَم لها؛ وهذا خطأ فاحِش بلا شك، مخالف لنصوص السنَّة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلونَّ رجلٌ بامرأة إلَّا مع ذي مَحرمٍ"(27).
ومن المخالفات -يا عباد الله-: إلباس المخطوبة دبلة الخطوبة؛ بل إن البعض يعتقد أن لبس الخاتم من أسباب المحبَّة والمودَّة بين الزوجين، وأنَّ خلعه يؤثِّر على العلاقة الزوجية؛ وهذا يعتبر من الشِّرك، ويدخل في الاعتقاد الجاهلي.
وهذا الفعل فيه تَشبُّه بغير المسلمين من النَّصارى وغيرهم، وليس هو من عادات المسلمين أبدًا، والرسول عليه الصلاة والسلام حذَّرنا من هذا بقوله: "لتتبعُنَّ سنن من كان قبلكم شِبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دَخلوا جُحرَ ضبٍّ تبعتُموهم"، قُلنا: يا رسول الله، اليهودُ والنَّصارى؟ قال: "فمَن؟"(28).
إخوة الإسلام: من الأمور الواجب مَعرفة الحكم فيها عند الخِطبة: حرمة خِطبة الرجل على خِطْبة أخيه، وقد جاء النَّهي عن ذلك في أحاديث؛ منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَخطب الرجلُ على خطبة أخيه، حتى يتُرك الخاطبُ قبلَه، أو يأذن له الخاطبُ"(29).
وعن عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُؤمنُ أخو المؤمن، فلا يحلُّ للمُؤمن أن يَبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر"(30).
فَعُلِم من ذلك تحريم خطبة الرَّجل على خطبة أخيه، فكيف بمَن يتكلَّم في الخاطب الأول بما ليس فيه ليُفسد الزواج؟ لا شك أن التحريم أشد وأعظم.
معشر المسلمين: الخطبة إمَّا أن تكون تصريحًا، أو تعريضًا، والتصريح: هو اللَّفظ الذي لا يحتمل غير النِّكاح، والتعريض هو اللَّفظ الذي يحتمل الخطبة وغيرها؛ فلا يجوز التصريح بخطبة المعتدَّة؛ سواء كانت معتدة من طلاق رجعي أو بائن، أو في عدة وفاة.
أمَّا التعريض في شَأن المرأة المعتدَّة من طلاق رَجعي فلا يجوز؛ لأنها لا تزال زَوجة، قال الله تعالى في شأن المطلقة طلاقًا رجعيًّا: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا)[البقرة:228]، فسمَّى الزوج المطلِّق لزوجته طلاقًا رجعيًّا بَعلًا؛ أي: زوجًا، فكيف يمكن لرجل أن يتقدَّم لخطبة امرأة وهي لا تزال في عصمة زوجها!
وإن كانت في عدة وفاة، أو مبانة في الحياة، أو فُسخ النِّكاح لأجل عَيب في أحد الزوجين أو لسبب آخر - فيجوز التعريض بالخطبة، ولا يجوز التصريح، وقد دلَّ على جواز التعريض قوله -تبارك تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[البقرة:235].
نسأل الله بمنِّه وكرَمه أن يرشدنا سبيلَ الرَّشاد، ويفقِّهنا في دينه، إنَّه نِعم المولى ونِعم النَّصير.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على أشرف نبي وأكرَم هادٍ، واذكروا الله العليَّ العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
والحمد لله رب العالمين
---------------------
(1) صحيح ابن حبان (9/ 340)، رقم (4032).
(2) أخرجه مسلم (1467).
(3) أخرجه البخاري (6019).
(4) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
(5) المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم (4/ 215).
(6) أخرجه أبو داود (2050)، والنسائي (3227)، وصححه الألباني.
(7) أخرجه النسائي (3231) وصححه الألباني.
(8) المعجم الصغير للطبراني (1/ 89)، رقم (118).
(9) عون المعبود (6/ 33).
(10) أخرجه البخاري (5367)، ومسلم (715).
(11) أخرجه ابن ماجه (1861)، وحسنه الألباني.
(12) أخرجه البخاري (5367)، ومسلم (715).
(13) عون المعبود (6/ 31).
(14) أخرجه الترمذي (1087)، والنسائي (3235)، وابن ماجه (1865)، وصححه الألباني.
(15) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (29/ 296).
(16) فتح الباري (9/ 135).
(17) أخرجه ابن ماجه (1968). وحسنه الألباني.
(18) أخرجه البخاري (5082)، ومسلم (2527).
(19) شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (7/ 175).
(20) بهجة المجالس وأنس المجالس (ص:181).
(21) أخرجه مسلم (1480).
(22) مجلة البيان (8/ 51).
(23) أخرجه مسلم (1424).
(24) أخرجه أبو داود (2082)، وصححه الألباني.
(25) أخرجه الترمذي (1087)، والنسائي (3235)، وابن ماجه (1865).
(26) روضة المحبين (1/ 124).
(27) أخرجه البخاري (5233)، ومسلم (1341).
(28) أخرجه البخاري (7320)، ومسلم (2669).
(29) أخرجه البخاري (5142)، ومسلم (1412).
(30) أخرجه مسلم (1414).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي