من فضائل الذكر

محمد بن عبد الله السبيل
عناصر الخطبة
  1. أصناف الناس مع ذكر الله .
  2. من فضائل الذكر .
  3. مكانة الذكر .

اقتباس

تجد القرآن إذا تحدث عن الذاكرين أفاض عليهم من علامات الرضا والقبول، وأثنى عليهم الثناء الجميل، أما الغافلون فإن القرآن يندد بهم، ويهددهم، وينهى عن مخالطتهم، ومجالستهم، ويصفهم بالخسران المبين، والذل المهين...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أودع حلاوة الإيمان في قلوب المؤمنين، ومنَّ بالتوفيق على عباده الذاكرين الشاكرين، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله أن يلحقنا بعباده الصالحين، وأن يجنبنا طريق الجاهلين الغافلين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أزكى البرية أجمعين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوه في أفعالكم وأقوالكم وأعمالكم، وفي قلوبكم وجوارحكم، تدبروا كتاب ربكم تفلحوا، واتبعوا سنة نبيكم تهتدوا.

عباد الله: إن المسلم حينما يتدبر كتاب ربه يقوده لكل خير، ويحميه عن كل ضير، عندما تتدبر كتاب الله -أيها المؤمن- بإمعان ونظر، وتعمق وبصر - تجده قد قسم الخلق إلى قسمين، وصنفهم صنفين: صنف من الذاكرين الذين يجدون في ذكر الله راحتهم، وأنسهم، وانشراح صدورهم، وطمأنينة قلوبهم، وصنف من الغافلين الذين (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)[التوبة:67]، (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)[الحشر: 19].

وتجد القرآن إذا تحدث عن الذاكرين أفاض عليهم من علامات الرضا والقبول، وأثنى عليهم الثناء الجميل، أما الغافلون فإن القرآن يندد بهم، ويهددهم، وينهى عن مخالطتهم، ومجالستهم، ويصفهم بالخسران المبين، والذل المهين، يقول سبحانه في وصف الغافلين عن ذكر الله: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[الزخرف:36]، (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المجادلة:19]، (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28] (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)[النجم:29].

يا لها من خسارة فادحة!!! إن الغافل عن ذكر الله قرينه الشيطان، وحزبه حزب الشيطان، ونهايته الخسران.

أما الذاكرون لله: فإن الله وصفهم، ووصف لنا حالهم ومآلهم، وحثنا على اللحاق بهم، والاتصاف بصفاتهم، والانتماء إليهم؛ فهم المهتدون، الخاشعة قلوبهم لله، المطمأنون الآمنون، المتوكلون على ربهم، أهل الفلاح والصلاح، الموعودون من الله بالمغفرة والأجر العظيم، يقول سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2]، (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:27-28] (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة:10]، (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب:35]. هذا بعض مما نوه الله به من الفضل للذاكرين، وبيان ثوابهم، ورفيع منزلتهم.

وإن من أجل نعم الله على عبده، أن الله -جل جلاله- يذكر من ذكره في نفسه، ويذكره إذا ذكره وهو في ملأ من الناس، فإن ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، وإن ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير منهم؛ كما جاء ذلك في الحديث القدسي الذي يرويه -صلى الله عليه وسلم- عن ربه: "يقول الله سبحانه: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم" كما جاء ذلك في الصحيحين(رواه البخاري). ومصداق هذا الحديث قوله عز وجل: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)[البقرة:152].

عباد الله: إن كل مؤمن ومؤمنة ممن فتح الله بصيرته، ونور سريرته يتطلع إلى أن يكون من بين الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات؛ حتى يتم له ذلك الفضل العظيم، والثواب الجسيم. ولكن من أراد أن يتم له ذلك فليتصف بصفا تهم، فإن للذاكرين صفات ينبغي لنا أن نتصف بها، ونتحلى بها، لنكون منهم، أما الأماني فقط بدون عمل فهي لا تجدي شيئًا، بل هي من علامات الخذلان، وأماني الشيطان، فتأمل صفات الذاكرين، واعمل بها لتكون منهم.

فالذاكرون الله كثيرًا هم الذين تخلصوا من رق الغفلة، وذهول النسيان؛ فذكروا الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، في كل مناسبة، وفي كل آن، وأثنوا على خالقهم، ورازقهم، بما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، واعترفوا بحكمته في جميع الأفعال والأحوال، هم الذين إذا واجهوا الفحشاء والمنكر ذكروا الله فاجتنبوا الفاحشة، ولم يقربوا الحرام، وإذا فرط منهم سوء بادروا إلى التوبة والاستغفار، ولم يصروا على ما فعلوا، غير مسوفين بتوبتهم، منتظرين مرور الأيام والشهور والأعوام (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران:135].

الذاكرون الله: هم الذين إذا شاهدوا آية من آيات الله في السماء أو في الأرض ذكروا الله، فوقفوا عندها وقفة تدبر، وإمعان، ونظر، واعتبار، مثنين على قدرته، وحكمته أجل ثناء (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران:191].

الذاكرون الله: إذا أصابتهم حسنة ذكروا الله، حامدين شاكرين، وإن أصابتهم مصيبة، ذكروا الله محتسبين صابرين، ينتظرون من الله الفرج والأجر.

الذاكرون الله: هم الذين لا تزال ألسنتهم رطبة بذكر الله، مهما كانت أعمالهم، ومهما ترقت درجاتهم في الغنى والنفوذ، أو الجاه، أو الصحة والعافية، (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور:37].

الذاكرون الله: إن ذكروا ربهم في الخلوة فاضت مدامعهم، خوفًا وخشية من الله، وإن ذكروه في ملأ لم يشغلهم الحاضرون عن ذكر الله في ألسنتهم وقلوبهم.

الذاكرون الله: يُذَكِّرُهُم ذكر الله بالمحافظة على عباداتهم وأوقاتها وأدائها على وجهها، ذكر الله يبعدهم عن المعاصي والذنوب والغفلة واللهو وأكل الحرام، وعن الوقوع في أعراض الناس، وعن عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، أو الأذية لعباد الله المؤمنين.

ذكر الله يكون سياجًا للمؤمن، يحميه من المخالفات، ويسهل عليه أداء العبادات، ويعينه عند النوازل والأزمات؛ فاتقوا الله عباد الله، واسألوه الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته. اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران:190-191].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه سبحانه. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوه حق تقاته، واذكروه حق ذكره، واشكروه حق شكره؛ فإن ذكره وشكره من أفضل الطاعات وأجل العبادات، وأنفع القربات، وهو لا يحتاج إلى جهد بدني فقد يسره الله على كل من وفقه لذلك، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان، سبحان الله وبحمده، سبحانه الله العظيم"(رواه البخاري).

فالذكر إذا تواطأ عليه القلب واللسان من أجل القربات، وقد ندب الله له مطلقًا ومقيدًا، وأمر به مؤقتًا ومؤبدًا، وربط الفوز والفلاح به في الدنيا والآخرة، كما نهى سبحانه عما يناقضه من الغفلة والنسيان، وأنذر وحذر الغافلين عنه، والناسين له بسوء العاقبة، ومنتهى الخسران، فقال عز من قائل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون:9].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي