وإن كل مسؤول عن الحج من أصغر موظف وأصغر رجل أمن إلى أعلى مسئول في هذه البلاد وهو خادم الحرمين الشريفين ليُرجى أن يتحقق لهم أجر راحة كل حاج ومعتمر؛ لأنهم هم السبب -بعد الله تعالى- في تيسير الحج وسهولة أدائه، فمزيدًا من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، المتعالي عن الشبيه والمثيل، العظيم في جبروته، الحكيم في تدبيره، القائل في كتابه الكريم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 197].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دعا عباده إلى حج بيته العظيم فلبَّوْا نداءه، وأطاعوا أمره محبةً له وشوقًا للقائه، فجاد عليهم بالثواب الجزيل، والعطاء الواسع العميم.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي حج بيت الله -تعالى- فأدَّى المناسك انقيادًا لأمر ربه، وشكرًا له على نعمه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي الوصية الجامعة لكل خير، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
عباد الله: لقد أكرم الله -تعالى- أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأزمنة فاضلة شرَع فيها عبادات جليلة متنوعة، مَنْ أتى بها كما أُمِرَ نال خيرَيِ الدنيا والآخرة، ومِنْ فَضْلِ اللهِ علينا وعلى المسلمين أن أكرمنا بأداء فريضة الحج في هذا العام بيُسر وسهولة، وتوفيق وتسديد، وإعانة وتوجيه، فله الحمد على فضله وكرمه وعلى عطائه ومنِّه.
عباد الله: إن الحج فريضة عظيمة لبى نداءها المسلمون تلبيةً لأمر ربهم، وانقيادًا لسُنَّة رسولهم -صلى الله عليه وسلم-، وابتغاءَ المغفرة لذنوبهم، ونَيْلِ جنة ربهم؛ لذلك فإن الحج لنا فيه دروس وعِبَر كثيرة نذكر بعضًا منها لنعتبر بهذا الموسم العظيم، ومن ذلك:
بيان مظاهر العظمة لله -تعالى- في تناسق الحجيج وانتظامهم، فالكل بلباس واحد، ونداء واحد، وتلبية واحدة، ووجهتهم واحدة، وقِبْلَتهم واحدة، وربهم واحد، وغايتهم واحدة، ونُسُكهم واحد.
وفي الحج ينادى بنداء التوحيد لله رب العالمين: فبعد إحرام الحجاج تجدهم خاضعين متذللين، مُقبلين على مولاهم وخالقهم، تسمعهم يلهجون بندائهم العظيم "لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريك لك لَبَّيْكَ، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
وفي الحج تظهر معالم الوحدة بين المسلمين: فالجميع مترابطون، متحابون، متعاونون على الطاعة والخير، فتراهم يدًا واحدة، وجسدًا واحدا.
وفي الحج يظهر للناس صورة يوم الحشر الأصغر: فيتذكر الناس موقف الحشر بين يدي خالقهم من خلال ازدحامهم وكثرتهم ووحدة توجههم.
وفي الحج غذاء روحيّ كبير تمتلئ فيه جَنبات المسلم خشيةً وتُقًى لله -عز وجل-، وعزمًا صادقًا على طاعته، وندمًا وبُعدًا عن معصيته، وتنمو وتترعرع فيه عاطفة الحب لله ولرسوله وللمؤمنين الصادقين، وتزداد فيه الخشية لرب العالمين.
وفي الحج تتلاقى مشاعر المودة والمحبة والإخاء بين المؤمنين المخلصين، وتتحقق الأخوة الإسلامية بين أجناس البشر أجمعين.
وفي الحج يستفيد الحاجُّ من وقته فيما يعود عليه بالخير؛ فيُكثر مِن ذِكْر الله -تعالى- وشكره على نعمه، ويتلذذ بتسبيحه، وتكبيره، وتحميده، وتهليله، ودعائه، وتلاوة كتابه.
وفي الحج تظهر عبودية المراقبة لله -تعالى- فتجد المسلمينَ حريصينَ على أداء المناسك كما أُمِرُوا؛ لأنهم يخشون أن يفسد حجهم، ولعلمهم بأن الله مطلع عليهم ومجازيهم عن تقصيرهم وتفريطهم.
عباد الله: لقد أدى حُجَّاجُ بيت الله الحرام حجَّهم بكل يسر وسهولة، وأدوا مناسكهم آمنين مطمئنين على أنفسهم وأموالهم وأهليهم، واستمتعوا بما قدمته لهم هذه البلادُ من خدمات، وبذل رجال الأمن جهودًا جبارة ظهرت آثارها على أداء المناسك واضحة جلية.
ولقد رأينا، ورأى غيرنا عشرات المسؤولين من أصغرهم إلى أكبرهم في كل مكان من مناسك الحج، تعلوهم البسمة، ويفوح منهم روح التعاون، فالكل يد واحدة، وأسرة واحدة، والجميع يريدون الخير لزائري بيت الله الحرام.
ولقد سمعنا ألسنة الحجاج وهي تدعو لولاة أمورنا وأبناء هذا الوطن على هذا الجهد العظيم والتنظيم الرائع، وما كان ذلك إلا بفضل الله -تعالى- أولًا وآخرًا، ثم بفضل ولاة أمور هذه البلاد المباركة؛ حيث أَغْدَقُوا على الخدمات التي تُقدَّم للحجاج في كل منسك من مناسك الحج، فوجدوا الراحة والطمأنينة؛ وذلك من خلال توسيع مرمى الجمرات، وبناء أدوار جديدة لها، والقيام بتنظيم حركة الحجاج عند الدخول إلى الجمرات والخروج منها، وأيضًا تنظيم عملية تحرُّك الحجاج من مكة إلى عرفات ومن عرفات إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى، وهكذا في سائر المناسك في تخطيط وتنظيم رائع بديع يدل على الجهود الكبيرة التي بُذلت من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن أجل راحتهم، ومن أجل أدائهم مناسك الحج بيسر وسهولة.
ولقد ظهر للقاصي والداني الأمنُ والأمانُ اللذان اتصف بهما الحج في هذا العام، وهذا يدل على عون الله -تعالى- أولًا، ثم يقظة رجال الأمن ومن قبلهم ولاة أمورنا الذين لم يألوا جهدًا في تقديم كل سُبُل السلامة والراحة من أجل إنجاح حج هذا العام.
فهنيئًا لهذه البلاد هذا التنظيم الرائع، وهذا التوفيق الكبير، ومزيدًا من جهود الخير التي تُيَسِّر سبلَ الطاعة وتخففها على الناس.
وإن كل مسؤول عن الحج من أصغر موظف وأصغر رجل أمن إلى أعلى مسئول في هذه البلاد وهو خادم الحرمين الشريفين ليُرجى أن يتحقق لهم أجر راحة كل حاج ومعتمر؛ لأنهم هم السبب -بعد الله تعالى- في تيسير الحج وسهولة أدائه، فمزيدًا من هذه الخدمات الرائعة، وتلك الإنجازات الجبارة، ومزيدًا من التعاون على الخير والبر والرحمة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْأَنْفَالِ: 24-26].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على قدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-: فالتقوى مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر.
عباد الله: وإن مما أثلج صدورنا واطمأنت له قلوبنا ما تم الإعلان عنه مِنْ قِبَل وزارة الداخلية بالقبض على سبعة وعشرين سعوديًّا، ومقيم واحد من الفئة الضالة والتي خططت لتنفيذ عمليات إجرامية وزعزعة أمن هذه البلاد، وإدخال الخوف والرعب على حجاج بيت الله -تعالى- من خلال تواجدهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وما تم ذلك إلا بتوفيق الله -تعالى-، ثم يقظة رجال الأمن ومن عاونهم في كشف ستر هذه الفئة.
عباد الله: ويأبى أعداء الله من كل حاقد على هذه البلاد إلا أن يكدروا الصفو، ويعبثوا بالأمن، فها هم يخططون لإشغال رجال الأمن؛ وذلك بأعمال إجرامية خارج المشاعر وكيف لا وهم لا وازع عندهم من الله ولا خوف، فهم قد أرادوا الشر للمسلمين في أطهر البقاع على وجه الأرض، ألم يسمع هؤلاء قول الله -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الْحَجِّ: 25]، لقد أراد هؤلاء الأعداء تشكيك المسلمين في قوة ومتانة الأمن داخل هذه البلاد، ولكن الله -جل وعلا- أحبط مكيدتهم ورد كيدهم إلى نحورهم، ومكَّن رجال الأمن منهم، وما تم ذلك إلا بتوفيق الله -تعالى-، ثم يقظة رجال الأمن ومن عاونهم في كشف ستر هذه الفئة.
فنحمد الله على يقظة حراس هذه السفينة وكفاءتهم، ونحمده أيضًا على رد كيد هؤلاء وإبطال مخططاتهم، وإننا لنفخر بهذا الإنجاز الأمني في هذا الوقت الحساس، وهذا الظرف الدقيق، ولكن الله -جل وعلا- بلطفه وكرمه سيحفظ هذه البلاد من كيد الكائدين وعدوان المعتدين.
نسأل الله -تعالى- أن يتقبل من حجاج بيته حجهم، وأن يكتب لهم المثوبة والأجر، وأن يرد بقية حجاج بيته إلى ديارهم سالمين، ونسأله -سبحانه- أن يبارك في الجهود، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمورنا وعلمائنا وسائر إخواننا المسلمين من شر الأشرار وكيد الفجار، وأن يجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين، اللهم عليك بمن يكيد بالإسلام والمسلمين، اللهم رد كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارًا.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زادًا للحاضر والباد.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: ٥٦].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي