إن الإسلام لم يفرض الحجاب على المرأة إلا ليصونها عن الابتذال والتعرض للريبة والفحش، وعن الوقوع في الجريمة، فكيف يجوز لامرأة مسلمة، تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تخالف أمر الله، وترفع الحجاب أمام رجل أجنبي عنها، بحجة أنه خادم أو سائق أو طبيب أو بائع أو خياط أو صديق الزوج أو قريب له أو أستاذ ..
أما بعد:
أيها المؤمنون: من أسباب الوقوع في جريمة الزنا: خلو الرجل بالمرأة التي ليست من محارمه؛ لأن ذلك مدعاة إلى إغراء الشيطان لهما بالفاحشة مهما بلغا من التقوى والدين، فإن من أخطر الأمور التي حذّر الله منها المسلمين اختلاط الجنسين -الرجل والمرأة-؛ حيث إنه من أكبر الأسباب الميسرة للفاحشة، وأخطر من ذلك الخلوة بالمرأة من غير ذات المحارم؛ فإن في ذلك مدخلاً للشيطان؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم".
فمن خلا بامرأة لا تحل له فقد عصى الله ورسوله، وعرض نفسه للفتنة، سواء خلا بها في بيت أو مكتب كما يفعل تلاميذ الغرب ومقلدوهم من تشغيل المرأة مع الرجل وخلوته بها في العمل والمكتب والمتجر، وكذا ركوب المرأة مع الرجل الأجنبي في السيارة خاليين، كما يفعل بعض أصحاب سيارات الأجرة وبعض أصحاب الثروة والترف، الذين يجعلون لنسائهم سائقين أجانب، تركب إحداهن مع السائق وحدها ويذهب بها حيث شاءت، وكذا ما يفعل بعضهم من جعل خادم أجنبي في البيت يخلو مع النساء، وترى الرجل يخرج من بيته وقد ترك زوجته مع الخادم الشاب الذي يتفجر حيوية ونشاطًا وقوة، لا يكون معهما أحد من الناس، وهي لا تستتر منه، وقد رفعت الكلفة بينهما، وهي تأمره وتنهاه وتناديه وهو يجيب بحكم عمله، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، يحببه إليها ويحببها إليه حتى تقع الجريمة.
قال أحد السلف: "لو كنت خاليًا بامرأة سوداء شمطاء خرقاء ما أمنت على نفسي منها"؛ فكيف بالله إذا كان السائق أو الخادم، لا سيما وقد يكون الزوج مسنًّا أو قبيحًا أو ضعيفًا؛ فماذا تكون النتيجة إن لم يكن خوف الله مسيطرًا على الجانبين؟!
وقد كان أحد الخدم يعمل لدى عائلة من كبار العائلات، وكانت سيدته تأمره بمسدس تضعه في رأسه بأن يمارس معها الفاحشة، وقد سأل هذا الخادم الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في محاضرة ضمن الأسئلة الموجهة إلى الشيخ ويقول: ماذا أعمل إذا كان جواز سفري لديها وهي تهددني بهذه الطريقة؟! فبكى الشيخ -رحمه الله-.
ومن الخلوة -أيضًا- ما شاع لدى فئة من أتباع الغرب -ممن لا يخافون الله ولا يرعون حرماته- من استقبال المرأة صديق زوجها في حال غيابه، والسماح له بالدخول إلى بيتها والجلوس معه ومؤانسته والتبسط معه في القول وممازحته وما إلى ذلك، إن هذه خلوة محظورة شرعًا، ولا يجوز التساهل بها بحجة الثقة بالصديق والزوجة، ولا يمكن أن يرضى بها إلا إنسان مريض القلب فاقد الغيرة، عديم المروءة.
ومثله وأشد منه أن تسافر المرأة وحدها أو مع السائق أو مع الخادم؛ لأن في ذلك ضياعًا لها وغيابًا عن الرقيب من أوليائها والغيورين عليها، وهي المرأة الضعيفة التي سرعان ما تخضع لافتراس الذئاب البشرية رغبة أو رهبة؛ وفي الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها". وفي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، فقال له رجل: يا رسول الله: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني كتبت في غزوة كذا وكذا، فقال له: "انطلق فحج مع امرأتك".
إن المرأة التي تسافر وحدها من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى بلد قد خرجت على هذه التعاليم النبوية، وأسخطت ربها عليها.
وأحب أن أنبّه على أن سفر المرأة -ولو كان بالطائرة- إذا لم يكن معها محرم لا يجوز، حتى لو كان في المدينة الأخرى من يستقبلها من محارمها، وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-.
وكذلك ذهاب المرأة إلى الطبيب وحدها؛ فإنه يحقق بذلك خلوة محظورة، فيكشف بحكم مهنته عن مواضع في جسدها، فهذه خلوة لا تجوز -أيضًا- دون محرم.
وكذلك فإن الجلسات العائلية كما يسمونها التي يختلط فيها الرجال والنساء وهن في أتم زينة، وقد ألغين الحجاب وأظهرن المفاتن بحجة الصداقة، وقد يكون في هذه الجلسات تبادل الحديث المبتذل والمزاح الهابط والنكتة اللاذعة والتعريض بأمور خاصة، إنَّ كل ذلك مما لا يجيزه دين الله، وهو يعرض كيان الأسرة إلى الانهيار، ويبدل الود بين الزوجين إلى تناحر، فلقد تقوضت علاقات التراحم والانسجام العائلي في عدد من الأسر بسبب الاختلاط المستهتر.
قالت الكاتبة الإنجليزية (اللادي كوك) في جريدة الأيكو: "إن الاختلاط يألفه الرجال؛ ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهاهنا البلاء العظيم للمرأة". ا.هـ.
ومن أعظم أنواع الخلوة: التي تكون مع قريب الزوج كأخيه وابن عمه وابن خالته أو ابن عمها وابن خالتها، وكذلك خلوة الرجل مع ابنة عمه وابنة خالته وهكذا، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟! قال –صلى الله عليه وسلم-: "الحمو الموت". رواه البخاري ومسلم.
والحمو هو قريب الزوج؛ قال القرطبي: ومعناه أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج -وهذا القريب ليس من محارمها- يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة.
ومعناه: احذروا الاختلاط بالنساء والخلوة بغير المحارم.
وأعظم أنواع الخلوة أن يخلو أقارب الزوج بزوجة قريبهم في سفره أو خروجه من البيت، وبيَّن المصطفى –صلى الله عليه وسلم- أن ذلك كالموت؛ لما يحدث فيه من أمور لا تحمد عقباها، وقد ذكر أحد المشايخ مرة أنه أتاه رجل وقال له: إن أبناء أخي كلهم مني، فاسترجع الشيخ وقال له: انظر ما تقول!! قال: هو ما أقول لك، إني أسكن مع أخي في داره، وأنا عاطل عن العمل، فإذا خرج أخي إلى العمل تزينت لي زوجته، ثم أزني بها، وهكذا، فكل أبنائه مني، فما العمل؟! وهذا -أيها الأحبة- غيض من فيض؛ فالشارع الحكيم لم يحرم شيئًا إلا وفيه مصلحة للفرد والمجتمع، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إن الإسلام لم يفرض الحجاب على المرأة إلا ليصونها عن الابتذال والتعرض للريبة والفحش، وعن الوقوع في الجريمة؛ فكيف يجوز لامرأة مسلمة -تؤمن بالله واليوم الآخر- أن تخالف أمر الله، وترفع الحجاب أمام رجل أجنبي عنها، بحجة أنه خادم أو سائق أو طبيب أو بائع أو خياط أو صديق الزوج أو قريب له أو أستاذ، سواء أكان في درس خاص أم في قاعة المحاضرات وما إلى ذلك؟! وكيف يرضى امرؤ يتقي الله ويخشاه بأن تخلو زوجته أو ابنته مع رجل أجنبي عنها؟!
إن الإسلام -أيها الإخوة- حذَّر من خطر الجريمة، ومنع أسبابها المؤدية إليها؛ لأن من فرّط في الأسباب وقع في الجريمة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
فلنتنبه -يا عباد الله-، ولندرأ عن أنفسنا الوباء والخطر قبل حلوله لنحذر مكر الشيطان، فإن شره مسيطر على أنفسنا وعلى أهلينا وأمتنا، ولنستجب لدعوة الله فنسعد في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 24، 25].
ومن الأسباب أيضًا: المغالاة في المهور، وهذا سبب رئيس في إحجام كثير من الشباب عن الزواج؛ ما يسبب الإكثار من النساء العوانس في البيوت، والشباب طاقة تتوقد من الشهوة، وكذلك الفتيات اللاتي لم يتزوجن، فإذا كان الأب عائقًا في زواج بناته فسوف يلجأن -إن كن ضعيفات الدين- إلى فعل الفاحشة والرذيلة، وهناك سؤال أحب أن أطرحه: هل تزويج الفتاة أفضل أم فعلها للفاحشة أفضل؟! بل الزواج أفضل، وهو سنة المرسلين -عليهم الصلاة والسلام-؛ لهذا يجب أن يعلم الأب الذي يعيق زواج ابنته أنه يجب عليه هو أن يكافئ خطيب ابنته؛ لأنه أراد أن يعفها عن الحرام. وأحب أن أذكر هذه القصة التي وقعت، وذلك أن رجلاً حضرته الوفاة، وكانت جواره ابنته العانس، فقالت لأبيها: قل: آمين! قال: آمين، قالت: قل: آمين! قال: آمين، قالت: قل: آمين! قال: آمين، ثم قالت: أسأل الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني من الزواج.
هل هذا يرضي الآباء أن يدعو عليهم أبناؤهم من بعدهم؟!
فاتقوا الله -يا أيها الآباء-، اتقوا الله في بناتكم، ويسروا ولا تعسروا، وسهلوا ولا تشددوا، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر؛ قال –صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير". رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي