مع بدء العام الدراسي

عبد الله بن محمد الطيار
عناصر الخطبة
  1. عدد من النصائح والإرشادات لأطراف العملية التربوية والتعليمية .

اقتباس

كما أوصيهم باختيار نوعية الأصدقاء، وألا يكون اختلاطهم مع الآخرين سبباً في انحرافهم؛ فكم من شاب مستقيم انحرف بسبب علاقة مع صديق سيء؛ فلنحسن اختيار الصديق فهو من أكثر الناس تأثيراً والقرين بالمقارن يقتدي.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين له الحمد في الأولى والأخرة يقلب الليل والنهار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كل يوم هو في شأن وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- في جميع أحوالكم وأوقاتكم؛ فالتقوى خير زاد لكم وصدق الله العظيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

أيها المؤمنون: يتوجه أبناؤنا وبناتنا يوم غد لقاعات الدرس والتحصيل يحدوهم الأمل ويدفعهم الجد والإخلاص لهم همم عالية تعانق الثريا جداً وتحصيلا.

وهنا نوجه بعض النصائح والإرشادات لأطراف العملية التربوية والتعليمية من خلال بعض الوقفات فنقول:

الوقفة الأولى: للمعلمين والمعلمات أقول لهم أحمدوا الله -جل وعلا- على أن كنتم ممن انتظم في سلك التعليم وتهيأت لكم فرص تعليم الناشئة، واعلموا أنكم مؤتمنون على رعاية المتعلمين؛ هيئوا الفرص لهم وانطلقوا من الثوابت والأصول التي لا تقبل التبديل ولا التغيير ولا التحريف، وجددوا في الوسائل التعليمية والأساليب التربوية، واحرصوا على كل جديد نافع مما تأتي به العقول النيرة التي تريد الخير للإنسان في كل زمان ومكان.

واعلموا -أيها المربون- أن المهمة صعبة والأمانة ثقيلة؛ لكنكم بحول الله أهل للمسئولية وستتعاملون مع كل طالب وطالبة على أنهم أبناؤكم دون تفريق أو تقصير.

إن المستقبل يعج بالكثير من المستجدات؛ ومنها ما فيه صلاح الناس وأكثرها فيه الفساد والدمار للعقول والأبدان وأنتم عليكم الفحص والتدقيق واختيار المفيد وطرح الضار ليحقق الله للجيل الحاضر مستقبلاً مشرقاً واعداً؛ أنتم من أكثر من يساهم في بنائه وتحقيقه.

الوقفة الثانية: لأبنائنا الطلاب والطالبات أقول لهم ليكن نصب أعينكم وأنتم تجلسون على مقاعد الدرس والتحصيل الغاية من التعليم والثمرة المرجوة منه؛ ألا وهي العمل بما تتعلمون وأن يكون ذلك سلوكاً واقعياً في حياتكم؛ فالعلم سلاح من أمضى الأسلحة التي نواجه بها أعداءنا، وهو الذي يرفع الجهل وهو الذي يبني البيوت؛ بل إن الجهل يهدم كل بيت يدخله مهما كان مليئاً بالمال والجاه والشرف.

لا قيمة -أيها الإخوة- للعلم بلا عمل فلو لم يتعلم الطلاب والطالبات إلا القليل ويعملوا به لكان خيراً من أن يتعلموا الكثير دون عمل، وإنك لتعجب من كثير من الشباب والفتيات الذين يواظبون على الدراسة طيلة عام كامل يحملون كتبهم ويترددون على مدارسهم؛ لكن ذلك لا يؤثر في سلوكهم وأخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين حتى مع والديهم ومعلميهم، وهذا خلل ظاهر ينبغي معالجته بكل أمانة من قبل أولياء الأمور والمعلمين والمعلمات مهما كانت تكاليفه وتبعاته.

ليس التعليم -أيها الطلاب والطالبات- حفظاً لمتن من المتون فقط بل لا بد أن يكون مع الحفظ عمل؛ فإذا قرأنا أو تعلمنا شيئاً عن الصلاة وحفظناه فلا بد أن نطبقه في حياتنا اليومية وهكذا يثمر التعليم، وإذا قرأنا شيئاً عن بر الوالدين وحسن التعامل معهما فينبغي أن يظهر ذلك في تعاملنا معهم في حياتنا، وهكذا إذا تعلمنا عن تقدير الكبير والعطف على الصغير والأخذ بيد المحتاج كل ذلك لا بد فيه من ممارسةٍ عمليةٍ لما نتعلمه في مدارسنا والواقع عند كثير من الطلاب والطالبات خلاف ذلك.

ووصيتي لأحبابي الطلاب بالجد والإخلاص والمثابرة في التحصيل والمنافسة فالفرص مهيأة لهم أكثر من السابق.

وبلادنا تبذل بذلاً سخياً على التعليم لا يدانيه أي بذل على وجه الأرض.

كما أوصيهم باختيار نوعية الأصدقاء، وألا يكون اختلاطهم مع الآخرين سبباً في انحرافهم؛ فكم من شاب مستقيم انحرف بسبب علاقة مع صديق سيء؛ فلنحسن اختيار الصديق فهو من أكثر الناس تأثيراً والقرين بالمقارن يقتدي.

الوقفة الثالثة: نداء والتماس للمسئولين عن العملية التعليمية من مدراء ووكلاء ومشرفين أقول لهم؛ احرصوا على مسيرة التعليم واحفظوها من كل ما يكدر الصفو أو يعكر على حياة النشء، واعلموا أنها أيام وسنوات وستتركون المكان لغيركم ولن يبقى إلا أثركم وما قدمتموه لهذا الجيل وما وضعتموه من أنظمة وقرارات فكل كاتب سيبلى ويبقى ما كتبت يداه.

واعلموا أنه لا بأس بالحزم والجد لكن مع العدل والحلم والرفق فللحزم مناسبته وللرفق موضعه والأخطاء لا بد من علاجها مهما صغرت أو كبرت؛ لأنه بعدم العلاج لها يترتب عليها إشكالات أخرى قد تؤثر على مسيرة التعليم كلها.

فالمدارس أمانة عندكم بكل من فيها من معلمين وطلاب ووسائل بل وأنظمة وقرارات؛ فارعوا حق هذه الأمانة وأدوها على الوجه الأكمل وصدق الله العظيم: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)[الأحزاب: 73].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم؛ أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي أمر بالاستزادة من العلم؛ فقال لنبيه -محمد صلى الله عليه وسلم- (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير معلم للبشرية صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ أما بعد:

فالوقفة الرابعة: أوجهها إلى كل ولي أمر استرعاه الله رعية عنده، إلى كل أب غيور وأم حنون أقول لهم؛ اتقوا الله في أولادكم وأحسنوا أدبهم وشجعوهم على الدراسة والتعليم، وأكدوا عليهم الجد والمثابرة والمنافسة مع توجيه أخلاقهم وسلوكهم، وكونوا قدوة صالحة لهم، واعلموا أنهم زينة الحاضر وأمل المستقبل بعد الله، وصدق الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ"(رواه أحمد).

وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته"(رواه البخاري).

وأنتم موقوفون بين يدي الله ومسئولون عن هذه الأمانة العظيمة؛ فاحرصوا أن تكونوا عوناً للمدرسة على إصلاح أولادكم وبناتكم، واعلموا أنه بصلاحهم يتحقق لكم ولهم الخير وينفعوا أنفسهم وبلادهم، وعلى العكس إذا ساءت أخلاقهم وابتعدوا عن ربهم عظم شرهم وتجاوز أنفسهم إلى من حولهم ووقعوا في عظائم الأمور .

وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).

أيها الآباء والأمهات: كم شكت المدارس من قلة المتابعة وضعف التعاون وهذا تقصير واضح؛ فلنتابع بكل وسيلة ولو عن طريق الاتصال فالوسائل مهيئة والمدارس تستقبل أولياء الأمور وتحمد للمتابع وتشكره وتعتبره شريكاً في العملية التعليمية.

ولا يكن هم الواحد منا ومتابعته مقصوراً على أنه إذا رسب ولده أو بنته أعلن حالة الطوارئ وهو لم يٍسأل خلال الفصل الدراسي عن أولاده نهائياً؛ بل إن بعض الأولياء لا يدري في أي صف يدرس ولده فإلى الله المشتكى من هذا التقصير.

الوقفة الخامسة: هناك وسائل كثيرة في العملية التعليمية، ولعل أهمها المناهج التي تتميز بها بلادنا ولله الحمد والمنة؛ فما تزال سليمة رغم ما ينادي به البعض وما يتهمها به آخرون من قصور وضعف لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك.

وأما المباني المدرسية ووسائل التقنية الحديثة فالواقع يشهد لهذه البلاد ونحن نقيس على هذه المحافظة التي يندر أن نجد فيها مدرسة مستأجرة؛ بل كل المدارس بنين وبنات مهيأة تهيئة تربوية، وهذا من فضل الله جل وعلا ثم بجهود المسئولين عن التعليم زادهم الله توفيقاً وصلاحاً.

أيها المؤمنون: لنتعاون جميعاً فيما يحقق المصلحة لأبنائنا وبناتنا ولنجتهد في تهيئة الجو الدراسي السليم لهم ولنتعاهد الزرع بالسقي والمتابعة واللجوء إلى الله بأن يحفظهم من شر شياطين الجن والإنس؛ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

هذا وصلوا وسلموا على رسولكم نبي الرحمة سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). ــــ وأقم الصلاة ـــ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي