إذا علمتم فائدة فقيِّدوها قبل نسيانها؛ فالعلم صيد والكتابة قيد, وتأدبوا بآداب طالب العلم, ومنها الإخلاص في طلبه, وتقدير واحترام المعلم, وإعطائه منزلته, وحفظ حقِّه؛ فهو يجتهد في إيصال العلم وتقريبه لكم حتى يسهل...
الحمدلله الذي خلق الإنسان علَّمه البيان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-, وأخلصوا أعمالكم لله, متبعين ما أمركم الله به وما أمركم به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
معاشر المسلمين: إنَّ من فضل الله علينا أن هيأ لأبنائنا وبناتنا مدراس ليتعلموا فيها العلم النافع, ليرفعوا الجهل عن أنفسهم, وينتفعوا بذلك العلم وينفعوا به مجتمعهم؛ فالمجتمع المتعلم مجتمع واعٍ يرتقي لمعالي الأمور لا يسفل إلى سفسافها, وما كانت الأمم لتتقدم وتنال السيادة إلا بالعلم النافع, أمَّا الجهل فإنَّه يزري بأصحابه, ويخفضهم ولا يرفعهم, ويجعل المجتمع متخلِّفا مسوداً, لا مجتمعاً رائداً, يتسنم ذرى المجد.
معاشر المسلمين: إننا في هذه الأيام نستقبل عاماً دراسيَّاً جديداً, يتزود فيه الطلبة من العلوم النافعة, دينية ودنيوية, قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]؛ قال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "يقول تعالى ذكره: وقل يا محمد: ربّ زدني علما إلى ما علمتني, أمره بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم"(تفسير الطبري - جامع البيان ت شاكر (18/ 382). وقال الإمام البغوي -رحمه الله- عند هذه الآية: "يعني بالقرآن ومعانيه. وقيل: علما إلى ما علمت.
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- إذا قرأ هذه الآية قال: "اللهم زدني إيماناً ويقيناً"(تفسير البغوي - إحياء التراث (3/ 276)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بأن يرزقه الله علماً ينتفع به, كما في الحديث الصحيح أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا تَنْفَعُنِي بِهِ"(أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر برقم (1879)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه وانظر الصحيحة الحديث رقم (3151).
فيا معشر الطلبة: جِدُّوا واجتهدوا في دراستكم؛ فإنَّكم إنَّما تطلبون علماً نافعاً, قد توفَّرت لكم أسباب تحصيله جِدَةً وفراغاً, وفُتحت لكم المدارس بما فيها من إمكانات من المعلمين يتولون تعليمكم, ومن كتب دراسية وُزِّعت عليكم؛ فما بقي منكم إلا أن تعكفوا عليها دراسة وتعلُّماً, وتستفيدوا من شرح أساتذتكم, وإذا أشكل عليكم شيء؛ فاسألوهم سؤال الحريص على تحصيل العلم, ولا تتكبروا عن السؤال أو تخجلوا في ذلك؛ قَالَ مُجَاهِدٌ -رحمه الله-: "لاَ يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ"، وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ"(صحيح البخاري (1/ 38).
أيها الطلبة: إذا علمتم فائدة فقيِّدوها قبل نسيانها؛ فالعلم صيد والكتابة قيد, وتأدبوا بآداب طالب العلم, ومنها الإخلاص في طلبه, وتقدير واحترام المعلم, وإعطائه منزلته, وحفظ حقِّه؛ فهو يجتهد في إيصال العلم وتقريبه لكم حتى يسهل عليكم الفهم, وتجدون من المعلمين من يعيد الشرح إلى ثلاث مرات حتى يفهم الطلبة؛ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ "إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا"(أخرجه البخاري في كتاب العلم, باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه برقم 95).
وكذلك عليكم -أيها الطلبة- التعامل بالأخلاق الفاضلة في المدرسة ابتداء من مديرها إلى أصغر طالب من الطلبة؛ فلا للكذب ولا للسخرية أو الاستهزاء بأحد أو انتقاصه أو تعييره.
وعليك أيها الطالب: أن تصحب الصالح الذي يعينك على طاعة الله, والذي تزين بالأخلاق الفاضلة, فإنَّما الصديق مرآة صديقه, والقرين يقتدي بقرينه, وإياك وصاحب السوء, فإنَّه يضرُّ ولا ينفع ويسيء ولا يُحسن.
أيها الطلبة: اجتهدوا في دراستكم من أول يوم دراسي, فراجعوا ما شُرح لكم, واقرؤوا ما سيشرح لكم في اليوم المقبل, وأجيبوا أسئلة الواجب في يومه, ولا يمرُّ عليكم أي درس من الدروس إلا وقد فهمتم فهماً صحيحاً, فمن اجتهد أول العام وأتعب نفسه في تحصيل العلم ارتاح في وسطه وآخره عندما يكون الاختبار النهائي -إن شاء الله- وكما قيل: "من جدَّ وجد ومن زرع حصد", وقال عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ"(أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب أوقات الصلوات الخمس برقم (612).
معاشر الطلبة: تعلمون أنَّكم في دراستكم تطلبون علما نافعاً, فابتغوا به وجه الله؛ ففي ذلك فضل كبير لكم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"(أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار, باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم (2699).
وقال لقمان الحكيم: "يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ الْعِلْمَ لِتُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ تُرَائِيَ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ، وَلَا تَتْرُكِ الْعِلْمَ زُهْدًا فِيهِ، وَرَغْبَةً فِي الْجَهَالَةِ. يَا بُنَيَّ اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلَى عَيْنِكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَالِمًا، يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلًا، يُعَلِّمُوكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ، فَيُصِيبَكَ بِهَا مَعَهُمْ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا، لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، فَلَا تَجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكُنْ عَالِمًا، لَا يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلًا، زَادُوكَ غَيًّا، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ بِعَذَابٍ فَيُصِيبَكَ مَعَهُمْ"(أخرجه الدارمي في سننه, باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله برقم (389).
معاشر الآباء: أعينوا أبناءكم في دراستهم, واحرصوا على حثهم في اغتنام أوقاتهم فيما ينفعهم في دراستهم وغيرها, فدوركم كبير, توجيهاً ونصحاً, وأمراً ونهياً.
ويا أيها الأساتذة: إنَّكم قدوة لتلاميذكم فلا يرون منكم إلا الحسن من الأخلاق من الرفق والحلم والآناة وحسن التعليم, فأنتم معلمون ومربون, ربوا الطلبة على الأخلاق الحسنة, وتعاملوا معهم تعاملا طيباً, وأدوا ما تحملتوه من تعليم وتربية بما يسركم أن تلقوه غداً في ميزان حسناتكم.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما تنفعنا به.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي