فالزوجان هما أساس بنيان هذا البيت ودِعائمه؛ فإذا كانا على استقامة وصلاح، وتزيَّنا بتقوى الله ظاهراً وباطناً، وتجمَّلا بحسن الأخلاق غدا بيتهما منطلَق بناءِ جيل صالح ينفع الله -تعالى- به الأمَّة.
الحمد لله بارئ النسمات، أحمده سبحانه على جزيل العطايا والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله قيوم الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صاحب الآيات الظاهرات والمعجزات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المؤمنون والمؤمنات: البيوت الآمنة المطمئنة تتحقق فيها السعادة والأنس والصفاء والمودة، يجد فيها الرجل المأوى الكريم والراحة النفسية بعد رحلة العمل اليومية التي تتطلب جهداً ومشقة، وتجد المرأة في بيتها السعادة والعيش الرغيد وهي تستظل بظل صاحب البيت الذي يحميها ويحوطها بعد الله، ويتربى الصغار وينشئون في جو هادئ بعيد عن المكدرات والمنغصات والمؤثرات، وصدق الله العظيم: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ..)[لنحل: 72].
هذا البيت الآمن الذي يعيش فيه الزوجان والأولاد نعمةٌ لا يعرف قيمتَها وفضلها إلا من فقدها، قال تعالى: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..)[النحل:80]؛ فالبيت سكن يُؤى إليه، ويُستتر فيه، ويُنتفع به من سائرَ وجوهِ الانتفاع.
ومن في البيت أمانةٌ عظيمة يتحمِلها الزوجان، قال الله -تعالى- في كتابه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وقال: "والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها"(رواه البخاري).
فالزوجان هما أساس بنيان هذا البيت ودِعائمه؛ فإذا كانا على استقامة وصلاح، وتزيَّنا بتقوى الله ظاهراً وباطناً، وتجمَّلا بحسن الأخلاق غدا بيتهما منطلَق بناءِ جيل صالح ينفع الله -تعالى- به الأمَّة.
إن أعظم البيوت وأجلها قدراً وأرفعها شأناً هذا البيت الذي جعل منهجَه الإسلام قولاً وعملاً، وصبَغ جنباته بنور الإيمان، ونهَل من أخلاق القرآن والسنة، فخرج منه نماذج فريدة، من العلماءَ الأفذاذ، والقادة المخلصين، والأطباء، والمهندسين، والمدرسين، وغيرهم من سائر المهن، والأولاد البررة، والنساء الطاهرات العفيفات العابدات اللاتي سطرن أروعَ صفحات التاريخ حياء وعفة وطهرة ونقاء وتربية.
إن البيت المسلم الذي بُني على الخير والرشاد حصانةٌ للأولاد من الانحراف والانجراف وراء الشهوات والشبهات، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه"(رواه البخاري). وأكثر ما يحصل من فساد للأولاد إنما جاء من قبل الآباء والأمهات لإهمالهم تربيتهم وعدم تعليمهم أمور دينهم، فأضاعوهم صغاراً، وبالتالي لم ينتفعوا بهم كباراً.
عباد الله: لقد جاء الإسلام بكل ما يحفظ هذا البيت ويحوطه ويصونه، وأغلق جميع أبواب الشر والفساد التي تؤثر عليه؛ فأمر بالحجاب والستر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ)[الأحزاب:59].
وحدد مواعيد الاستئذان للأولاد عند دخولهم على والديهم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ)[النور:58].
ونهى عن التبرج والسفور؛ (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب:33].
ومنع الاختلاط، وحرّم الخلوة، وشدّد على الدخول على النساء، يقول صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"(رواه مسلم)، وقال أيضاً: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ فقال رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ يا رَسُولَ اللَّهِ فرأيت الْحَمْوَ قال الْحَمْوُ الْمَوْتُ"، والحمو: هو قريب الزَّوج شبَّهه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالموت لخطورته وتساهُل الناس فيه. (رواه البخاري ومسلم).
ومعلوم أن اختلاط النساء بالرجال أصْلُ كلِّ بلية وشرٍّ، وهو سببٌ لكثْرة الفواحش والزِّنا، ومن أعظم أسباب نزول العُقُوبات العامة، لذا يجب الانتباه له، والتحذير من خطورته لأنه أمْرٌ مُحَرَّم ومنكر، بل يجب إنكارُه لئلا نتعرض لعُقُوبة الله –تعالى- وسخطه.
عباد الله: إن من أولويات البيت المسلم وأسمى رسالة يقدمها للمجتمع أن يكون قدوة في العبادة والأخلاق، وقدوة في الأقوال والأعمال، وقدوة في المخبر والمظهر.
ولابد أن يردُّ أمرَه إلى الله ورسوله عند كل خلاف، وفي أي أمرٍ مهما كان صغيراً، وكل من فيه يرضى ويسلِّم بحكم الله.
والبيت المسلم سعادته وأنسه ولذتُه في أن يكون عامراً بذكر الله.
ويتعاون أفراد هذا البيت على الطاعة والعبادة والخير والبذل والعطاء.
ولابد أن يصبغ هذا البيت بصبغة الحياء؛ لأنه حصن حصين ضد وسائل الشر والفساد.
وهذا البيت هو الذي تحفظ فيه الأسرار، وتستر فيه الخلافات.
وتكون علاقاته مع المجتمع على أساس الإيمان والتقوى والعمل الصالح.
والبيت المسلم قائم على إحياء معاني التعاون في مهمات البيت وأعماله؛ لما سئلت عائشة -رضي الله عنها-: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته؟ فأجابت: كان بشراً من البشر؛ يفلي ثوبَه، ويحلب شاتَه، ويخدم نفسَه"(رواه أحمد)، وفي رواية: "كان يكون في مهنة أهله أي: خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"(رواه البخاري).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)[الأحزاب: 32 - 34],
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن خير الزاد التقوى.
عباد الله: إن كل مسلم يتمنّى أن يعيش في بيته فرحاً مسروراً، تغمر حياته السعادة والهناء، وهذا لن يتحقق ــ كما يظن بعض الناس ــ بتوفُّر المسكن الفاخر والأثاث الجديد والملابس الجميلة، إنما يكون ذلك بتحقيق التقوى والعمل الصالح من الزوجين، ومراقبة الله في السر وفي العلن.
ففي ظلِّ هذه المعاني يقوم البيت المسلم السعيد على المحبة والود والوئام، وتنشأ الذرية الصالحة التي تكون قرَّةَ عين للوالدين ومصدرَ خير لهما في الدنيا والآخرة.
أما البيت الذي لا يغرس فيه الإيمان ولا يستقيم على نهج القرآن ولا يعيش في ألفةٍ ووئام فإنه يخرج للحياة عناصرَ تعيش التمزُّقَ النفسي، والضياعَ الفكري، والفسادَ الأخلاقي، وما نراه من عقوق للوالدين، وتفسخ الشباب، وتخليهم عن المسؤولية، وإعراضهم عن الله، وتمرُّدهم على القيم والمبادئ هو نتيجة حتمية لهذا البيت.
أيها المؤمنون والمؤمنات: ونصيحتي للذين تكثر مشاغلهم وارتباطاتهم ألا يقصروا في حق زوجاتهم وأولادهم، فهم يحتاجون لمن يحوطهم بالحب والحنان والمودة، فلا ينشغل الآباء عن بيوتهم لأنها أمانة في رقابهم سوف يسئلون عنها بين يدي الله جل وعلا.
ونصيحتي أيضاً أن تكون بيوتنا قائمة على الصدق والصراحة والنزاهة، فهذا مؤداه أن تقوى العلاقة الزوجية بين الزوجين، وبين الوالدين والأولاد.
وعلى الزوجين أن يتعاونا في أمور حياتهما؛ فالرجل يقوم على رعاية البيت وشئونه، والمرأة تكمل جهود الرجل في المتابعة والرعاية والتربية؛ فكلاهما مكمل للآخر في القيام بتلك الحقوق الواجبة في حقهما تجاه أولادهما.
أسأل الله -جل وعلا- أن يصلح بيوتنا وأن يجعلها قائمة على الخير والهدى والصلاح.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[الفرقان:74].
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي