مشاكل أسرية تكون الزوجة فيها سبباً (3) كثرة خروج المرأة من البيت

أحمد شريف النعسان
عناصر الخطبة
  1. خطر الإعراض عن منهج الله .
  2. كثرة خروج المرأة من البيت .
  3. وجوب قرار المرأة في البيت .
  4. قياسات باطلة .
  5. عظم مهمة المرأة وبعض مهامها .

اقتباس

عندما تُكثر المرأة الخروجَ من بيتها بالليل والنهار, بسبب وبغير سبب, لضرورة ولغير ضرورة, فإنها تكون سبباً في وجود الخلل في الحياة الزوجية, والذي يؤدي إلى خلاف وشقاق بين الزوجين, وقد يصل الأمر إلى أبغض الحلال عند الله ألا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن الإعراضَ عن دين الله -عز وجل-, والإعراضَ عن المنهج الذي جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- سببٌ لحياة الشقاء والضنك للرجل وللمرأة, للأسرة وللمجتمع, وذلك لقوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طـه: 123 - 126].

وإن المشاكل في الحياة الزوجية مصدرها الوحيد هو الإعراض عن هذا الشرع الشريف؛ إنْ من الزوج, وإنْ من الزوجة, وإنْ من كليهما.

أيها الإخوة الكرام: إن كثرة خروج المرأة من بيتها سببٌ كبير من أسباب المشاكل في الحياة الزوجية.

فعندما تُكثر المرأة الخروجَ من بيتها بالليل والنهار, بسبب وبغير سبب, لضرورة ولغير ضرورة, فإنها تكون سبباً في وجود الخلل في الحياة الزوجية, والذي يؤدي إلى خلاف وشقاق بين الزوجين, وقد يصل الأمر إلى أبغض الحلال عند الله ألا وهو: الطلاق.

يا عباد الله: بخروج المرأة من البيت لضرورة ولغير ضرورة تضيع الواجب الذي عليها من حق الزوج ومن حق الولد, وإذا ضاعت الحقوق حلَّت المشاكل.

يا عباد الله: إن من أوجب الواجبات التي فرضها علينا ربنا -عز وجل- تعليم نسائنا وبناتنا ومحارِمنا: الهدي الذي جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, والذي من جملته, قوله تعالى للنساء: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب: 33].

وقرار المرأة في بيتها هو شعار المرأة المسلمة التي عرفت دين الله -عز وجل-؛ لأنها عرفت المهمة، والواجب الذي عليها من خلال دين الله -عز وجل-.

والمرأة إذا ابتعدت عن نهج الله -عز وجل- وقعت في الضياع, وبدأت تقيس قياسات باطلة, فَضَلَّت وأضلَّت, من هذه القياسات الضالَّة المُضِلَّة:

أولاً: قياس المرأة المسلمة على المرأة الغربية:

أيها الإخوة الكرام: يحرم على المرأة المسلمة أن تجعل المرأة الغربية والمنهج الغربي مقياساً لها, يحرم عليها أن تجعل من المرأة التي لا تدين بدين سماوي, أو التي تدين بدين اليهودية أو النصرانية المزيَّفة, أن تجعلها نبراساً لها, وتسير خلفها.

يا عباد الله: علِّموا نساءكم وبناتكم, بأنَّ المرأة الغربية إذا لم تخرج جاعت وعريت ولن تجد لها مأوى؛ لأنها لا نفقة لها, لا على الزوج ولا على الأهل ولا على فرع, ولا من مال الخزينة العامة.

أما المرأة المسلمة التي كلفها الله -تعالى- بالقرار في البيت فقد ضمن لها النفقة الكافية, من أبيها ومن زوجها ومن ابنها ومن أخيها, فإن لم يكن لها أصل حي, أو فرع, أو زوج فالنفقة واجبة لها في بيت مال المسلمين؛ لأن الإسلام أوصى بها بنتاً وأوصى بها زوجةً, وأوصى بها أماً, وأوصى بها أختاً.

أما المرأة الغربية فهي امرأة مظلومة متهوِّرة, لا تنظروا إليها وهي في سن الشباب والصبا, بل انظروا إليها في سن الشيخوخة, حيث تجدوها إما في مصحٍّ عقلي, وإما في دار من دور العجزة, وإما في كوخ صغير, تأوي إليه.

أين زوجها -إذا كان على قيد الحياة-؟ فإنه لا يتعرَّف عليها.

أين أصولها إن كانوا على قيد الحياة؟ فإنهم لا يتعرَّفون عليها.

أين فروعها إن كانوا على قيد الحياة, فإنهم لا يتعرَّفون عليها إلا في يوم واحد من أيام السنة وهو عيد الأم حيث يأتيها ولدها بهدية, ويجلس عندها ساعة من الزمن كأنه ضيف, ثم ينصرف؟

هذه المرأة العجوز الهرِمَة فقدت أصولها وفروعها وفروع أصولها, وفقدت زوجها, فلم تجد لها وفياً إلا الكلب, فهو معها إذا خرجت لشراء طعامها, وهو جليسها في الحديقة العامة وفي بيتها.

فهل يُعقَل من المرأة المسلمة أن تتَّخذ هذه المرأة قدوةً ومثالاً ونبراساً لها حتى تقلِّدها؟

ثانياً: قياس القرار على السجن:

يا عباد الله: علِّموا محارمكم ونساءكم أن القرار في البيت ليس سجناً لها, كما يصوِّرها الغرب لها حيث يقول لها: أنت حرَّة, أنت طليقة, لماذا القرار في البيت؟

أيها الإخوة الكرام: هذا الكلام نفثة شيطان إنسي أو جني يريد أن يجعل حياة المرأة شقاءً وضنكاً.

إن قرار المرأة في بيتها ليس سجناً لها, بل بيتها هو محلُّ عملها التي كُلِّفت به من قبل مولانا -عز وجل-, وربنا جلَّت قدرته عندما كلَّف عباده كلَّف الجميع, وجعل لكلٍّ عمله وحدَّد له مكانه, فقال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 1- 4] فعمل الرجل غير عمل المرأة, ومكان عمله غير مكان عملها, قال تعالى في حقِّ الرجال: (يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ)[المزمل: 20].

فالرجل يجب عليه أن يعمل بحيث يضرب الأرض شرقاً وغرباً, وشمالاً وجنوباً, يبحث عن الرزق, رزقه ورزق عياله.

والمرأة يجب عليها أن تعمل بما كُلِّفت به من تحقيق سكن لزوجها, وتربية لأبنائها, وهذا لا يكون إلا إذا كانت في قعر بيتها, قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب: 33].

فإذا أخلَّ الرجل أو أخلَّتِ المرأة فيما كُلِّفَ كلٌّ منهما به وقع الخلل, وحلَّت الفوضى وكثرت المشاكل.

أيها الإخوة الكرام: تصوَّروا لو أن الرجل جلس في بيته, وجعل بيته مقرّاً له بدون عمل, كيف يحقق ما كُلِّف به من حيث الإنفاق على نفسه وعلى من يعول؟

هذا الرجل سوف يتطلَّع إلى مال زوجته ويجعل يده السفلى ويد زوجته هي العليا, وبذلك تنقلب الموازين وتضطرب الحياة الزوجية.

وكذلك تصوَّروا لو أن المرأة أكثرت الخروج من البيت كيف تحقِّق السكن لزوجها؟ وكيف تربي أولادها؟

فإذا جلس الرجل في البيت فسد وأفسد, وإذا أكثرت المرأة الخروج من البيت فسدت وأفسدت, لذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى القرار في بيتها أنه سجن لها, بل يجب عليها أن تعلم أن سرَّ نجاحها في حياتها الزوجية هو قرارها في بيتها.

انظري -يا أختاه- إلى أصحاب الأعمال الكبيرة والخطيرة كيف يلازم كلُّ واحد مكان عمله إذا أراد أن يكون ناجحاً فيه, وكلُّ من أراد النجاح في عمله قَرَّ في مكان عمله, حتى رأينا أصحاب الأعمال الكبيرة والخطيرة يجعل على بابه حاجباً حتى لا يدخل عليه كلُّ أحد, ويجعل مقسماً للهاتف حتى لا يتكلَّم مع كلِّ أحد, وما ذاك إلا ليكون ناجحاً في عمله, وكذلك شأن المرأة التي تريد أن تكون ناجحة فيما كلفها به مولانا -عز وجل-.

أيها الإخوة الكرام: إن معالجة مشكلة كثرة خروج المرأة من بيتها لن يكون إلا إذا عرفت المرأة ما هي مهمتها في هذه الحياة؟

وإنَّ مهمة المرأة في الحياة تستمدُّها المرأة المسلمة من كتاب الله -عز وجل-.

أولاً: تحقيق السكن لزوجها, قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[الروم: 21].

هذه مهمة المرأة المسلمة, أن تحقِّق السكن لزوجها الذي يضرب في الأرض يبتغي من فضل الله, لينفق على نفسه وعلى من يعول.

يجب على المرأة أن تحقِّق له السكن من خلال قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ, وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ, وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ"(رواه الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) بهذه الأمور يتحقَّق السكن لهذا الزوج.

ثانياً: تربية الأبناء, قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ"(رواه البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-).

فالمرأة هي المسؤولة عن تربية أبنائها وخاصة في المرحلة الأولى من حياتها, المرأة هي المسؤولة عن تربية الأبناء وتنشئتهم على قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "وَشَابٌ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ -عز وجل-"(رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).

المرأة مسؤولة عن تربية الأبناء على قوله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)[الإسراء: 23] فسأل الولد اللهَ الرحمة للأبوين لأنهما ربَّياه.

فإذا أكثرت المرأة الخروج ضيَّعت تربية الأبناء, وبه ضيَّعت أمر الله -تعالى- الذي كلَّفها به من حيث تربية الأبناء.

أيها الإخوة الكرام: قرار المرأة في بيتها سرُّ سعادتها في الحياة الزوجية, وكثرة خروجها من بيتها سبب لحياة الشقاء في حياتها الزوجية, وخاصة إذا كانت تخرج وتهتمُّ بخروجها من أجل النظر إليها؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: "إِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَإِنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ فَتَقُولُ: مَا رَآنِي أَحَدٌ إِلا أَعْجَبْتُهُ".

وهذا مُشاهَد وواقع, اهتمام المرأة بلباسها عند خروجها من بيتها أكثر من اهتمامها بلباسها داخل بيتها لتحقيق السكن لزوجها.

يا أختاه: اتقِي الله, ولا تكثري الخروج من البيت لتحققي السكن لزوجك, ولتقومي بتربية أبناءك, وإلا فالنتائج غير محمودة.

أقول هذا القول، وكلٌّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي