إن من أخطر ما قذفت به التقنية الحديثة اليوم: تلك الألعاب الإلكترونية التلفزيونية، ألعاب أشغلت الصغار بل ربما الكبار، وزاد استخدامه بمعدلات ضخمة؛ فالسوق السعودية تستوعب ما يقرب من ثلاثة ملايين لعبة إلكترونية في العام الواحد. ألعاب إلكترونية تجذب الأطفال بالألوان والرسومات والمغامرات والخيال، وحتى...
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره ينعم ويعطي بلا عدد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه ربه من بين البرية بالرسالة فاستعد، وأكرمه ربه بعلو المنزلة في الدنيا والآخرة فسعد.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي إخواني بوصية الله للأولين والآخرين حيث قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)[النساء: 131].
أيها الإخوة في الله: إننا نعيش اليوم ثورة تقنية هائلة، ثورة تقنية دخلت منازلنا، وأصبحت جزءا من حياتنا، وشاركتنا في تربية أبنائنا، وشكلت في بعض الأحيان ثقافتنا، وأفرزت لنا كل يوم إفرازات جديدة، ولا يخفى على كل عاقل طالب للحق أن بعض تلك البرامج التقنية برامجُ موجهة، وأنها تخدم أجندة سياسية أو فكرية أو دينية.
والغالب على الناس هو عدم التمييز بين الغث والسمين، وبين النافع والضار، خاصة من فئة الأطفال والشباب الأغرار.
إننا في هذا العالم نلهث وراء كل جديد في عالم التقنية، نبحث عنه في كل مكان، وندفع لأجله أغلى الأثمان، وقليل منا من يحتاط ويتروى، ويتأمل في المصالح والمفاسد.
إن من أخطر ما قذفت به التقنية الحديثة اليوم: تلك الألعاب الإلكترونية التلفزيونية، ألعاب أشغلت الصغار بل ربما الكبار، وزاد استخدامه بمعدلات ضخمة؛ فالسوق السعودية تستوعب ما يقرب من ثلاثة ملايين لعبة إلكترونية في العام الواحد.
ألعاب إلكترونية تجذب الأطفال بالألوان والرسومات والمغامرات والخيال، وحتى نكون منصفين فإن للألعاب الإلكترونية آثاراً إيجابية؛ فهي تسهم أحياناً في تحسين بعض المهارات الاجتماعية والأكاديمية، كمهارة البحث عن المعلومات، ومهارة الطباعة، ومهارة الكتابة، ومهارة اكتساب اللغات الأجنبية، ومهارات التفكير الناقد، ومهارات حل المشكلات.
لكن الذي يعنينا ويهمنا: أن نتواصى به هو التحذير من الأضرار والشرور التي تحتويها تلك الألعاب، وقد تمت دراسات عديدة من خبراء ومختصين، وصنفت تلك الأضرار إلى ست فئات: أضرار دينية، وأضرار سلوكية، وأضرار أمنية، وأضرار صحية، وأضرار اجتماعية، وأضرار أكاديمية، وأضرار عامة، ويندرج تحت كل فئة عدد من الآثار السلبية.
أيها الإخوة: إن على التربويين وأولياء الأمور: الإحاطة بأهم الجوانب الإيجابية، والجوانب السلبية للألعاب الإلكترونية، وذلك بهدف العمل على تعزيز الجوانب الإيجابية، والحد من آثار الجوانب السلبية.
إن بعض الآباء لا يدركون حجم المشكلة التي يعيشها أبناؤهم.
إننا -أيها الآباء الفضلاء- في زمن أصبحت الثقافات الغربية بين أيدي أبنائنا، وهي ثقافات متنوعة لا دينية أو ثقافات إباحية، يشاهد الطفل جرائم الأخلاق، من العهر والعري، والشرب للخمور، بل يشاهد رفع الصليب، والسجود للأوثان، بل في بعض الألعاب يضطر الطفل لاختيارات كفرية، حين يعرض عليه سؤال: هل أنت مسلم أو كافر؟ فيختار: كافر؛ لمواصلة اللعب.
ومنها: لعبة الحرب مع الآلهة التي يصعد فيها الطفل للسماء لمحاربة الآلهة، ألعاب تربي أطفالنا على أفكار الإلحاد والماسونية والصهيونية العالمية.
أما آثارها الصحية؛ فقد أثبتت الإحصاءات المتخصصة: أن آثار هذه الألعاب على صحة وسلوك الطفل تتوزع بين الإدمان على ممارستها، وبين الإصابات المختلفة لأعضاء الجسم من تشنجات وضعف البصر، والتأثير على أداء المخ، وزيادة الضغط، وضربات القلب، وغيرها.
وأيضاً فهذه الألعاب تصنع طفلاً عنيفًا؛ وذلك لما تحويه من مشاهد عنف يرتبط بها الطفل، ويبقى أسلوب تصرفه في مواجهة المشاكل التي تصادفه يغلب عليه العنف، أليس في تلك الألعاب أن من يقتل أكثر يحصل على نقاط أكثر؟ إنه تدريب على الإجرام والسرقات وقتل صاحب السيارة، ثم الركوب فيها، والبطل هو الذي يمارس الإجرام بأنواعه .
ومن أضرارها الاجتماعية: أنها ربما كانت وسيلة للتفكك الأسري، والتقصير في بر الوالدين أو صلة الرحم وزيارة الجيران، بل قد تكون وسيلة للانطوائية والأمراض النفسية، مع ضياع الوقت، ومن ضيع وقته فقد ضيع نفسه، ولهذا يغلب على المدمن لهذه الألعاب ضعف الثقافة، وانخفاض المستوى الدراسي.
أيها الإخوة: أما ضررها الأمني، فيكفي أن نعرف أن بعض تلك الألعاب يصدرها للعام بعدة إصدارات تنظيمات مشبوهة كتنظيم: "داعش"، وهي بعد دراسة لبعض الخبراء والمختصين تبين أنها موجهة للأطفال وللفئة العمرية من الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة، وتتم على عدة مراحل تبدأ بالقتال، ثم التفجير إلى تحرير المناطق، يتقمص خلالها اللاعب دور أحد أفراد التنظيم المتطرف الذي يقوم بعمليات قنص، واشتباكات، وسرقة السيارات، وفك القنابل، والذبح، وتفجير المساجد والمنازل، وخلال ذلك ينفذ عناصر التنظيم عمليات إرهابية ضد قوات عسكرية، ومنشآت بمختلف أنواع الأسلحة، ويظهر في الخلفية الموسيقية النشيد الرسمي للتنظيم الذي يدعو للقتل.
يكفي أن نعرف أن واحدة من هذه الألعاب وفي جزئها الأول فقط تجاوز تحميلها في أيام قليلة أكثر من أربعين ألف مرة، وتهدف هذه اللعبة إلى استقطاب الأطفال للتجنيد في تنظيم "داعش" عبر استغلال ميول الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية لتستخدمها كسلاح جديد للتغرير بهم، والحديث معهم؛ لبث أفكارها الإرهابية في عقولهم، عن طريق المحادثات الصوتية أو الكتابية، ويستعملون علم النفس للإقناع، وبذلك ينضم الأطفال لهم.
اللهم احفظ شباب المسلمين من كل مكروه.
اللهم من أراد بأهل الإسلام سوءًا وشراً ومكراً فاشغله بنفسه.
اللهم اغفر لنا ووالدينا وأصلح نياتنا وذرياتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها الإخوة: أولادنا أمانة سنسأل عنها، والاقتراب منهم وتقوية إيمانهم بالله -تعالى- ومحبتهم له سبحانه واجب، خاصة في هذا الوقت الذي أصبحت فيه هذه الأجهزة كالسيل الجارف لأفكار الأطفال، على الأب مسؤولية في إشرافه المباشر على كل تلك الألعاب، وتقنين وقت اللعب بها، والاطلاع على محتواها إن أمكن، ومزاحمتها بالمفيد من ألعاب التسلية الحركية والبدنية، وألعاب الذكاء والبناء المعرفي، هذا فضلاً عن تعليمهم القرآن الكريم في حلقات المساجد، أو إلحاقهم بالمراكز الاجتماعية التي تشرف عليها الوزارات المعنية، كما أن على الوالد دائماً أن ينمي في أولاده الرقابة الذاتية والحصانة الذاتية، بحيث يعرفون من أنفسهم الضار والمحرم، حتى يكون اختيارهم عن حب وقناعة، وتذكر -أيها الأب- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" (رواه مسلم).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي