يا أهل السنة: إن البعض يذهب ويحضر مسيرات الشيعة ويتفرج عليهم، أو ينظر لها عبر النت، وكل هذا منكر يجب إنكاره ولا يحل حضوره ولا النظر إليه؛ فاحمدوا الله على العافية وسلامة العقيدة...
أما بعد فيا أيها الناس: لقد فاضل الله بين الأنبياء والمرسلين، وميز بين شرائعهم، وجعل دعوتهم واحدة، دعوة التوحيد كما قال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].
وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25].
وإبراهيم الخليل هو أبو الأنبياء، وأولى الناس به هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ كما قال سبحانه: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 68].
وقد جعل الله من أيام الدنيا أياما مشهودة دونها التاريخ وحفظ مشاهدها، منها نصر الله لأنبيائه، وإهلاك الكافرين، ومن ذلك نصر الله لموسى وقومه، وإغراق فرعون وجنوده في البحر، فكان يوما عظيما، أظهر الله فيه نصره لنبيه، وأهلك المتكبرين وسمي بيوم عاشوراء، لأنه العاشر من شهر محرم، وهذا اليوم اختلفت نظرة بعض الفرق له.
هذا اليوم له أهمية عند الشيعة؛ ففي هذا اليوم حصل مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته ظلما، بعد حِصَار دام ثلاثة ايام منِعَ هو واهل بيته من الماء، في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة من قبل جيش يزيد بن معاوية.
وللذكرى عند الشيعة عموما، والاثني عشرية خصوصا، شعائر مبتدعة يقومون بها طيلة الأيام العشرة الأوائل من محرم، ومن بدعهم التي يقوم بها الشيعة الاثني عشرية، في جميع أنحاء العالم وخاصة في كربلاء، زيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع وقراءة قصة الإمام الحسين والبكاء عند سماعها واللطم تعبيراً عن حزنهم على الواقعة، والاستماع إلى قصائد عن المأساة والمواعظ عن كيفية استشهاد الحسين وأهل بيته، وتوزيع الماء للتذكير بعطش الحسين في صحراء كربلاء واشعال النار للدلالة على حرارة الصحراء.
ويقوم البعض بتمثيل الواقعة وما جرى بها من أحداث أدت إلى مقتل الحسين بن علي فيتم حمل السيوف والدروع. كما يقومون بتمثيل حادثة مقتل الحسين جماهيريا فيما يعرف بموكب الحسين. ويقوم البعض بالتطبير؛ أي إسالة الدم مواساة للحسين. كما يقوم البعض بضرب أنفسهم بالسلاسل.
وعند بعض المغاربة يسمون يوم عاشوراء، بيوم زمزم. وفي هذا اليوم، يقومون برش الماء على بعضهم البعض وعلى مقتنياتهم تبركا. ويحاول التجار بيع كل بضائعهم. ويعقب عاشوراء "ليلة الشعالة" حيث يجتمعون حول نار وهم يرددون أهازيج، بعضها يحكي قصة مقتل الحسين، دون أن يشير إليه بالاسم، بل يسميه في كل المقاطع باسم "عاشور"، وتتخللها نياحة واهازيج أخرى وتقدم الأسر الزكاة أو عشر أموالها التي دار عليها الحول للفقراء.
وعند بعض الجهلة من عامة الناس يرون أن من السنة التوسع في الانفاق على الأهل في يوم عاشوراء، ويستدلون بأحاديث مكذوبة.
كما أن الرافضة يرون كراهة صوم يوم عاشوراء، كما يفتي به علماؤهم.
ويعتقد البعض أن يوم عاشوراء وقعت فيه عدة أحداث على مر السنين، فمن ذلك: أن الكعبة كانت تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء ثم صارت تُكسى في يوم النحر. وهو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي نجى الله فيه نوحا وأنزله من السفينة، وفيه أنقذ الله نبيه إبراهيم من نمرود، وفيه رد الله يوسف إلى يعقوب، وهو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وجنوده ونجى موسى وبني إسرائيل، وفيه غفر الله لنبيه داود، وفيه وهب سليمان ملكه، وفيه أخرج نبي الله يونس من بطن الحوت، وفيه رفع الله عن أيوب البلاء، وهذه الأحداث كلها أنكرها علماء أهل السنة وبينوا أنه لا تصح أي من هذه الروايات سوى فضل الصوم في هذا اليوم وأن إظهار الفرح في هذا اليوم هو مذهب أعداء آل البيت و أما إظهار الحزن فيه فهو مذهب الروافض وكلاهما غلو في هذه اليوم.
أيها المسلمون: يا أهل السنة: إن البعض يذهب ويحضر مسيرات الشيعة ويتفرج عليهم، أو ينظر لها عبر النت، وكل هذا منكر يجب إنكاره ولا يحل حضوره ولا النظر إليه؛ فاحمدوا الله على العافية وسلامة العقيدة.
اللهم اهد ضال المسلمين يا رب العالمين، أقول قولي هذا ………
أما بعد؛ فيا أيها الناس: لعل البعض يتساءل ماذا حصل في يوم عاشوراء حتى حصل فيه هذا الخلاف؟ وسنعرض ذلك باختصار بإذن الله:
أما احتفال الروافض بعشر محرم الأولى وإقامة المسيرات والعزاء فكله من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان بل وشوهت صورة الإسلام في عيون غيرهم، لما يرون من الجهل والسفه في تلك التصرفات.
بقي أن نعلم لم صام النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا اليوم، وأمر بصيامه، بل رتب عليه الأجر العظيم؟
سبب ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا إنه يوم نجى الله فيه موسى ومن معه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه"، وهذا ورد في الصحيحين؛ فدل على أن هذا التاريخ صحيح، وأن السبب هو شكر موسى لربه على النصر المبين، ونحن أحق بالاقتداء بموسى لأننا سويا في العقيدة، أما اليهود فقد حرفوا وبدلوا.
وفي الصحيحين من حديث الرُّبيع بنت معوِّذ -رضي الله عنها- قالت: أرسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائماً فليتمّ صومه، ومن كان مفطراً فليتمّ بقيّة يومه"؛ فكنّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّمه صبياننا الصّغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إيّاه، حتى يكون الإفطار.
هذا أول مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة، ثم بعد ذلك نسخ الوجوب، وخير الناس بين صومه والفطر، وذلك بعد فرض صيام رمضان.
ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر"، وفي رواية: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصومه في الجاهلية، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلمّا فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثّنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده".
عباد الله: صيام يوم عاشوراء نعمة عظيمة ومنحة ربانية لا ينبغي أن يتهاون فيها المسلم ويفوت أجرها، والسُّنة أن يصوم العبد التاسع مع العاشر يعني يومي الأربعاء والخميس؛ فمن عجز عن يومين فيجوز أن يصوم الخميس فقط بلا كراهة وهو اليوم العاشر؛ كما أفتى به ابن تيمية -رحمه الله-، وأما صيام ثلاثة أيام فليس له فضل إلا أن ينوي العبد به صيام ثلاثة أيام من كل شهر لأن الأحاديث الواردة في صيام يوما قبله وبعده لا تصح، وإنما صح الصيام قبله مخالفة لليهود.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: "حين صام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى! فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفّي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-".
وفضل صيامه كما لا يخفى على الجميع أنه يكفر صغائر السنة الماضية؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه-، أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السّنة التي قبله".
اللهم وفقنا للصيام وتقبل منا يا كريم ….
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي