الأعراس بين الواجبات والمنكرات

خالد بن سعود الحليبي
عناصر الخطبة
  1. مكانة ومنزلة الزواج .
  2. الأمر باللباس وأخذ الزينة الشرعية .
  3. بعض المخالفات والمنكرات المرتكبة في الأعراس .

اقتباس

تُسَرّ العين، وتأنس الروح، وينشرح القلب، وتطيب النفس عندما نسمع ونرى ذلك البناء العظيم الذي سيبدأ بنيانه، ونرى أهله يعدّون العدة لإقامته، وكيف لا يكون عظيمًا والله -سبحانه- جعله الميثاق الغليظ، وصان به كرامة الإنسان، فبه يُقطعُ الشر، ويَشيعُ الطهر، ويُحفظ الفرج، ويُغض البصر، إنه...

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-: (يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70 - 71].

أيها الأحبة في الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

عباد الله: تُسَرّ العين، وتأنس الروح، وينشرح القلب، وتطيب النفس عندما نسمع ونرى ذلك البناء العظيم الذي سيبدأ بنيانه، ونرى أهله يعدّون العدة لإقامته، وكيف لا يكون عظيمًا والله -سبحانه- جعله الميثاق الغليظ، وصان به كرامة الإنسان، فبه يُقطعُ الشر، ويَشيعُ الطهر، ويُحفظ الفرج، ويُغض البصر، إنه الزواج، آية من آيات الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].

ولكوننا مؤمنين بربنا الديان: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً)[الأحزاب: 36]، ولأن حياتنا ينبغي أن تكون كلها لله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162]؛ فإنه ينبغي أن نعود إلى كتاب ربنا وسنة ونبيه -صلى الله عليه وسلم- في كل شأننا، ومنه تقويم هذه الأعراس التي هذا موسمها؛ ذلك طلبًا للبركة، ووقاية من محقها -عافانا الله جميعًا من غضب الله -تعالى- وانتقامه-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[النساء: 13 - 14].

دعونا نتحسّس الداء، علّنا نتوب ونستغفر ونعرف وننكر ونجانب ونحذر، علَّ الله أن يرحمنا ويسبغ نعمه علينا ولا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

لقد أمرنا بالتزين، ولكن دون أن نسمح بما لا يرضى به الله -تعالى-؛ مثل: لبس غير الكاسي من الثياب بالنسبة للنساء حتى إن الداخل لأسواقنا ليرى ألبسة عجيبة يستنكرها العقلاء؛ وذوو الإيمان، ثياب رقيقة وأخرى عارية، وألبسة قصيرة وأخرى مفتحة من عدة جوانب وضيقة تصف حجم الأعضاء، بحجة الموديلات العصرية، والموضات.

يا سبحان الله! أين هنّ مما جاء في مسلم يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما قط" أحدهما: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"؟! ورد في تفسير: "كاسيات عاريات" أنها تستر بعض بدنها وتكشف بعضه، أو تلبس ثوبًا رقيقًا يصف بدنها.

وفي جواب اللجنة الدائمة للإفتاء لمن تلبس ما شاءت مما سبق وتحتج أنها أمام النساء قالت اللجنة: وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تُبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في الكشف فعلاوة على أنه لم يدل دليل على جوازه، فهو طريق لفتنة المرأة وتشبه بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"(رواه أبو داود وصححه الألباني).

ومن الخروج عن الحدود الشرعية في اللباس: عدم الالتزام بالحجاب الشرعي، بل أصبح الحجاب ذاته عند بعضهن تجمّلا ومباهاة، وذلك بلبس العباءات المطرّزة وأغطية الوجه المخالفة للشرع والنقابات الواسعة.

ومن المخالفات الشرعية: المبالغة في تفصيل الثياب من الحاضرات والمباهاة بها؛ مع أنها لا تلبس سوى مرة واحدة غالبًا، والراقية من تلبس الأغلى ونسيت حساب العلي الأعلى.

ومن المخالفات: لبس الباروكة، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه "لعن الواصلة والمستوصلة"(متفق عليه).

ومنها: التوسع في التخلع في محلات تصفيف الشعر ووضع المساحيق وهي ما تسمّى بالكوافيرة، فتدخل المرأة في مكان لا يُؤمَن عليها فيه، وقد تصوَّر وهي لا تعلم، بل قد تبدي من جسدها ما لا يحلّ كشفه لغير زوجها بحجة التنظيف -والله المستعان-.

ومنها: قص الشعور أو تسريحها على وجه يشبه ما عليه الكافرات، أو تجمع الشعر بطريقة مائلة فوق رأسها فتدخل في وعيد نبيها: "رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة"(رواه مسلم).

ومن المخالفات: حلق ما يحرم حلقه من الشعر، فتحلق المرأة حواجبها أو تنتفها من غير ضرورة، وهذا هو النّمص، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن النامصة والمتنمصة"(رواه مسلم).

وكذلك حلق الرجل لحيته من أجل التجمل، وهل عرفت الدنيا أجمل من محمد -صلى الله عليه وسلم-؟! كان كث اللحية، وهو القائل: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى"(رواه مسلم).

ومنها: خروج النساء من بيوتهن متعطرات ومرورهن أمام الرجال، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة إذا مست بخورًا أن تأتي إلى المسجد، فكيف بالله إذا خرجت لغيره؟!

ومن المخالفات بالنسبة للرجال: إسبال الثياب والمشالح إلى أسفل الكعبين، وقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" منهم "المسبل إزاره".

حفظ الله أعراضنا وأعراضكم، ووقاني الله وإياكم الشر وأسبابه والحرام وبابه، إنه سميع قريب سريع الاستجابة.

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد الله رب العالمين، يقص الحق وهو خير الفاصلين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وعلى سائر النبيين والمرسلين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، واعلموا بأن الإنسان إذا أقبل على الزواج فعليه أن يتقي الله ويبتغي مرضاة ربه، ويطلبه التوفيق والذرية الطيبة، وأن يحب كل ما أحب الله -تعالى- وأراده منه ليفعله راضية نفسه به طيبة، ويجتنب كل ما فيه معصية له عز وجل؛ ومن ذلك: الإسراف في حفلات الزفاف، ابتداءً من بطاقات الدعوة والمغالاة فيها شكلاً ومضمونًا وعددًا وطباعة، والرسالة اليسيرة، بل والمكالمة تجزئ عنها، بل قد تكون أكثر إكرامًا منها للمدعو، ولكنه التباهي والتفاخر، وانتهاءً بقصور الأفراح والمباهاة فيها.

بل تطور الأمر ببعضهم إلى إقامة حفلات الزفاف في الفنادق بمبالغ طائلة، وكذلك الإسراف في المطاعم والمشارب، وذاك عند النساء خاصة، ومن بعدهن الرجال، فلم تكتفِ النساء بطعام الوليمة، بل انظر إلى ما قبلها عند الاستقبال وما بعدها من لذائذ الأطعمة، وصرف آلاف الريالات عليها، ناهيك عن رؤوس المواشي ثم أين مصيرها؟

أشير هنا إلى أن في بلدنا هذه دار الخير التي تقوم بأخذ الزائد من الولائم وإعادة تأهيله وإرساله إلى بيوت المحتاجين.

إن وليمة العرس -يا رعاكم الله- سنة مؤكدة وحثّ عليها الإسلام ورغّب، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: "أولم ولو بشاة"، ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية إجابة الدعوة لها، بل بعضهم يرى وجوب إجابتها لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك.

ومن منكرات الأعراس: حضور النساء إلى حفلات الأعراس وغيرها بلا محرم، بل مع السائق وخروجهن معه، فوليها لا طاقة له بالانتظار، وتكون في غاية الزينة والتعطر، ألا نخشى الله؟

وتصوير النساء مما يعرضها للانتشار في مواقع النت أو على أشرطة ممغنطة ،وبيعها في الأسواق كما حدث فعلاً في بعض البيئات -نعوذ بالله من مثل ذلك-.

ومن المنكرات: جلوس الزوج وزوجته على المنصّة أمام النساء، بل ولا تتحجّب كثير من النساء عند دخوله، ولكأن التكليف رُفع تلك الساعة، وهذا -وربي- من شر البلاء.

وقد يزيد الأمر سوءًا دخول بعض الرجال كإخوة العريس عند النساء ورقصهم وإنشادهم الأشعار، أو دخول خدم الفنادق وقصور الأفراح من الرجال لخدمة النساء، ومثله دخول بعض المراهقين والحجة صِغر سنه وهو ابن الخامسة عشر بل وإلى الثامنة عشر وتزيد؛ فالغيرة الغيرة -يا رعاكم الله-؟!

والبلية العظمى إشعال حفلة الزفاف بالغناء الماجن المصاحب لآلات العزف المحرمة، بل وتستقدم بعضهم الفرق الغنائية لذلك، كلمات ماجنة وعبارات ساقطة، دعوات مبطنة للرذيلة، وإخلال على رؤوس الأشهاد بالفضيلة، ومكبرات أصوات تسمع صوتها يخرق الجدران ويدوي في الآذان بكلمات الهوى والحب والشيطان.

ألا فاعلموا -رحمكم الله- أن ما أباحه دينكم هو الدف، وهو الطار المختوم من وجه واحد، والإنشاد بكلام شريف لا وضيع، ولا يكون فيه أذى للجيران وغيرهم.

ومن المنكرات: الرقص الماجن الخليع من النساء، إثارة للشهوة وتحريكًا للغرائز.

ومما يؤذي الجيران: إطلاق الأعيرة النارية في الهواء، ولا يخفى ما فيه من تعريض أرواح الناس للخطر.

ومنها: تهنئة الجاهلية وهو قولهم: بالرفاء والبنين. والسنة قول: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، واحقن دماء إخوتنا في سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها من بلاد المسلمين، واجعل مآل أمرهم خيراً، اللهم اجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، وأتم على بلاد مصر وتونس والبحرين الأمن والاستقرار، وبارك لنا ولهم فيما أنعمت به وتفضلت.

اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي