أيها الإخوة الكرام: إذا قصَّرت المرأة في حق زوجها من حيث الفراش, وأراد الرجل أن يتزوَّج بزوجة ثانية ليعفَّ نفسه عن الحرام, فإن القائمة تقوم ولا تقعد أبداً, فإن تزوج ثانية حلَّت الطامة، وانقلب المظلوم إلى ظالم, وصار مجرماً, وجريمته لا تغتفر, وصار...
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: ما زال حديثنا عن المشاكل الأسرية التي تكون الزوجة فيها سبباً, وذكرنا في الأسبوع الماضي سبباً من الأسباب التي تجعل مشكلة في بيت الزوجية, وهو: تقصير المرأة في حق زوجها من حيث الفراش.
وقلت لكم: صاحب الدين والخلُق والملتزم بدين الله لا يقضي شهوته في طريق غير مشروع, وذلك لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون)[المؤمنون: 5 - 7].
أيها الإخوة الكرام: إذا قصَّرت المرأة في حق زوجها من حيث الفراش, وأراد الرجل أن يتزوَّج بزوجة ثانية ليعفَّ نفسه عن الحرام, فإن القائمة تقوم ولا تقعد أبداً, فإن تزوج ثانية حلَّت الطامة، وانقلب المظلوم إلى ظالم, وصار مجرماً, وجريمته لا تغتفر, وصار القاصي والداني, والكبير والصغير, والرجال والنساء, يلومون هذا الرجل المجرم الذي تزوج ثانية على زوجته, ووقف أصولها وفروعها وأقاربها في وجه هذا المجرم الذي تزوَّج بثانية.
يا عباد الله: إن الحديث اليوم عن تعدُّد الزوجات جريمة كبرى لا تغتفر, وهمجية ورجعية يستحيا منها أمام الشعوب المتحضِّرة, بل لا يجوز أن يخطر في بال الزوج خاطر التعدُّد, وكيف يخطر في باله هذا الخاطر وهو يعيش في عصر التقدم والحضارة والدفاع عن حقوق المرأة؟
نعم, يقول المجتمع المتحضر المتمدِّن الذي يدافع عن حقوق المرأة: لا مانع من اتِّخاذ صديقة وخليلة, لا مانع من ارتكاب جريمة الزنى ما دام بالتفاهم مع المرأة, أما أن يتزوَّج بزوجة ثانية بطريق مشروع, فهذه جريمة لا يمكن أن تتصوَّرها المرأة ولا أصولها ولا فروعها.
وليوطِّن الرجل نفسه إن تكلَّم في تعدُّد الزوجات أن ترفع عليه قضية من قبل الاتحاد النسائي, وليحاكم هذا الرجل بارتكابه هذه الجريمة إذ يتحدَّث بها جهاراً نهاراً في الملأ.
أيها الإخوة الكرام المؤمنون: تساءلوا مع أنفسكم: من الذي شرع تعدُّد الزوجات؟
الجواب على ذلك: إن الذي شرع تعدُّد الزوجات هو القائل: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14] الذي شرع تعدُّد الزوجات هو الذي حرَّم السفاح واللواطة بين الرجال والسحاق بين النساء, وذلك ضماناً لسلامة المجتمع وطهارته، وحفظاً للأنساب.
الذي شرع تعدُّد الزوجات هو القائل: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طـه: 123 - 126] الذي شرع تعدُّد الزوجات هو الإله الذي يملك سرَّ سعادتك في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الكرام: لقد أصبح اليوم ما شرعه الله -تعالى- جريمة منكرة, ولا تغتفر في قانون القوم, وفي ذلك خطورة على إيمان المرأة وعلى إيمان من يحاب فكرة التعدُّد, وذلك لقوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)[النساء: 65].
ولقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 36].
أصبح بعض الناس ينظرون إلى الالتزام بدين الله جريمة كبرى, وأما فعل الكبائر والموبقات من زنا ولواطة وسحاق فلا حرج فيه, وهذا فيه خطر على إيمان المؤمن من الضياع, إذ يحرِّم ما أحلَّ الله -تعالى-, ويحلُّ ما حرَّم الله -تعالى-, والعياذ بالله -تعالى- من ذلك.
أيها الإخوة الكرام: لقد حذَّرنا ربُّنا -عز وجل- في القرآن الكريم من أن يلوم إنسان آخر إذا عدَّد الزوجات, فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين)[المؤمنون: 5 - 6] لا يلام من التزم ما أحل الله, ولكن يلام من تعدَّى حدود الله -تعالى- بارتكاب جريمة الزنى -والعياذ بالله تعالى-, وكيف يلوم المؤمنُ المؤمنَ وهو يقرأ قول الله -تعالى-: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)[النساء: 3]؟
أيها الإخوة الكرام: تعالوا لنبحث عن السر في نفور القوم من مسألة تعدُّد الزوجات:
أولاً: ضعف الإيمان بالله هو السبب الأول في نفور بعض الناس من مسألة تعدُّد الزوجات, وذلك بسبب تأثُّرهم من أعداء هذا الدين من خلال الأفلام والمسلسلات التي تشوِّه جمال هذه الحقيقة, والتي تدعو إلى الرذيلة، وارتكاب الفاحشة.
ثانياً: من أسباب نفور القوم من التعدد: الجهلُ بالأحكام الشرعية, والجهل بالحكمة من هذه الأحكام.
الإسلام هو الذي أباح التعدُّد, وذلك لحكم متعدِّدة, من جملتها:
1- لا يريد الإسلام أن تبقى امرأة عانساً بدون زوج.
2- لا يريد الإسلام أن تبقى امرأة أيِّماً بدون زوج.
3- لا يريد الإسلام أن تبقى امرأة مطلَّقة بدون زوج.
4- الإسلام يريد المرأة أن تكون زوجة شرعاً, وأماً لأولاد شرعيين.
ثالثاً: من أسباب نفور القوم من التعدد: سوء تعامل الزوج مع زوجاته, وذلك من خلال الظلم والجَور الذي يقع على المرأة, وهذا الذي دفع المرأة لكراهية فكرة التعدُّد, وفي ذلك خطورة على الرجل المسلم, حيث يفضح حاله يوم القيامة بأن يأتي شقه مائلاً؛ كما جاء في الحديث الشريف: "إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ"(رواه الترمذي والحاكم).
رابعاً: من أسباب نفور القوم من التعدد: تصور التعدُّد بأنه لصالح الرجل وليس لصالح المرأة, وهذا توهُّم؛ لأن التعدُّد هو في الحقيقة لصالح المرأة قبل أن يكون لصالح الرجل, وذلك لتحمل المسؤولية من قبل الرجل.
ولذلك ما كان هذا النفور في سلف الأمة, بل هو في خلفها الآن بسبب الهجمة الشرسة على دين الله -تعالى-, والطمع في زيادة الفسق والفجور, وعدم رغبة الغرب ببقاء حصن الأسرة قائماً بالشكل المشروع.
أمة الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: يجب على المرأة أن تحذر من خداع دعاة الفساد والضلال الذين يريدون الشهوات, ويريدون أن تكون المرأة ألعوبة في يد الرجال, وأن تكون فريسة لهم؛ لأنهم لا يريدون تحمل مسؤولية الزواج.
هؤلاء حاقدون على الإسلام, هؤلاء لا ينظرون إلا للساعة التي هم فيها, يريدون المرأة لقضاء الشهوة, دون تفكير في شيخوختها وما تؤول إليه عند كبر سنِّها.
يا أختاه: المرأة عند الغرب إذا شاخت وهرمت وانقطع مطمع الرجال فيها هجروها, وصار الوفي الوحيد لها هو الكلب, هل ترضين هذا لنفسك يا أختاه؟
أنت تعلمين -يا أختاه- حال المرأة المسلمة إذا شاخت في دين الله -تعالى- حيث تصبح بركة البيت, ويطلب منها الدعاء, والكل يحاول إرضاءها.
يا أختاه: إن التعدُّد ضرورة اجتماعية, ورحمة بالمرأة, ورعاية لها؛ لأن الإسلام حريص على عفَّتها وطهارة ذيلها, ومن هذا المنطلق ضمن الإنفاق عليك وأنت بنت, وأنت زوجة, وأنت أم, حتى لا تحتاجي إلى الخروج من المنزل.
يا أختاه: أنت لا تعرفين مكر الرجال الفساق, ولا مكر أهل الفجور, ولذلك قيَّد الإسلام عقد زواجك بوجود ولي أمر لك, والله ليس انتقاصاً لقدرك, بل من أجل سلامتك من كيد الرجال الفساق, لذلك قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ"(رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ, فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ, فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ, فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا, فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ"(رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ, وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا, فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا"(رواه ابن ماجة).
يا أختاه: سلي هؤلاء الذين يحاربون تعدُّد الزوجات: ما هو البديل عن التعدُّد؟ فإن أعطوك البديل الذي يجعلك زوجة شرعية أو أماً لأولاد شرعيين فأخبرينا. سلي هؤلاء ما هو البديل -والمرأة بحاجة إلى رجل-؟ لقد خدعوك وربِّ الكعبة.
أيها الإخوة الكرام: تذكَّروا حديث الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "كل رجل من المسلمين على ثغر من ثغر الإسلام, اللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قبلك"(رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة).
فيا أيها المسلم الذي تزوَّج أكثر من واحدة, أو يريد التعدُّد: اسمع لهذه النصائح حتى لا تكون سبباً في الإنكار على دين الله -عز وجل-:
أولاً: المساواة التامة والعدل بين الزوجات, وهذا واجب شرعاً على الزوج, وليس من باب التفضُّل.
ويجب أن يكون العدل في المنشط والمكره, وفي الرضا وفي الغضب, وإلا وقع في الظلم, والظلم ظلمات يوم القيامة, قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)[إبراهيم: 42].
ثانياً: عدم نقل الحديث عما يحدث بينه وبين إحدى زوجاته للثانية؛ لأن هذا يغيظها.
ثالثاً: الدفاع عن زوجته إذا ذكرتها ضرَّتها, وليعلمها أنه لا يسمح لها بذكر ضرَّتها, كما لا يسمح لضرَّتها بذكرها في غيبتها.
رابعاً: أن لا يؤدب إحدى زوجاته أمام ضرَّتها.
خامساً: أن يعالج الأمور بين نسائه بحكمة، ورائده في ذلك حضرة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
يا عباد الله: علِّموا بناتكم قبل الزواج, ونساءكم, أن تتقي المرأة ربَّها -عز وجل- في زوجها, وأن لا تدفعه إلى الزواج بثانية, بسبب تقصيرها في حق زوجها من حيث الفراش.
وإن تزوَّج الرجل فيحرم على الزوجة أن تلومه, وكذلك يحرم على أصولها وفروعها هذا؛ لأن الله -تعالى- قال: (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)[المؤمنون: 6].
وأخيراً: أذكر لكم حكمين شرعيين في هذا الموضوع:
الأول: إن رفع دعوى على الزوج من قبل الزوجة لتثبيت عقد زواجها عند القاضي, وفي الحقيقة ما تمَّ العقد بينهما, هو تثبيت باطل شرعاً لا أثر له ديانة, وإن ثبت في القضاء أنهما زوجان.
الثاني: تزويج المرأة لنفسها بغير إذن وليِّها هو زواج باطل, وإن كان ولا بدَّ من إجراء العقد بدون ولي لسبب مبرر ومقبول فليكن هذا العقد عند القاضي الشرعي؛ لأنه ولي من لا ولي له.
أقول هذا القول, وكلٌّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي