إنهم يهزؤون بقيم ديننا وعادات مجتمعنا بطريقة لا تمتّ إلى الفن بصلة، ولا إلى النقد برابط!.
أما بعد:
عباد الله: يفرح المؤمنون الصادقون بإقبال شهر الصيام والقيام، ولا تسعهم الأرض وقد بلَّغهم الله أيامه، كيف لا وهو موسم الخيرات، ونزول الرحمات، وغفران السيئات؟! وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل رمضان فُتِّحت أبواب السماء، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلْسِلَت الشياطين". وفي رواية: "وصفدت الشياطين".
إنها فرحة رمضان، ولكن، هل بعد هذا الفرح من ترح؟! هل في بيوتنا من يغتال فرحتنا بشهرنا؟! هل من شياطين لم تصفد تحوم حولنا؟!
إن الفرحة برمضان سرعان ما تُغتال بتلك المخازي والمهازل التي دأبت القنوات العربية على بثها طيلة الشهر الكريم، دون خوف أو وجل من الله تعالى.
ما أن يَهِل هلالُ رمضان حتى تتسابق القنوات الفضائية بتقديم رصيدها الإعلامي من البرامج والمسلسلات والأفلام، حالةٌ محمومة يتسابق فيها المفسدون بشتَّى أجناسهم وطبقاتهم؛ لتوظيف الناس وإشغالهم لمتابعة برامجهم الساقطة، مع تحريك الغرائز، وبث الشبهات، ودسِّ السمِّ في العسل.
في رمضان، تظهر إحدى الفنانات بعد الإفطار، فتسألها مقدمة البرنامج: كيف وصلت إلى ما وصلت له من مجد؟! فتقول: أنا هربت من أسرتي وعمري اثنا عشر عامًا، ومارست حياتي! حتى وصلت إلى الشهرة.
وفي برنامج آخر في شهر رمضان سئلت إحدى الفنانات عن زواجاتها؟! فقالت: أربع مرات رسميًّا، أمَّا العرفي فكثير لا أعرف له عددًا. ولما سئلت: هل العيب في الرجال؟! قالت بكل جرأة: لا، العيب في نظام الزواج؛ لأنَّه نظام بالٍ ومتخلِّف عفاه الزمن.
وإذا نظرت فيما يسمى بالمسلسلات الدينية أو التاريخية، وجدت فنَّانين وفنَّانات، عُرف عنهم الفسق وقلَّة الحياء، يقومون بتمثيل أدوار خير الناس من الصحابة أو التابعين، في تشويه صارخ لتاريخ قدوات الأمة من سلفها وعلمائها.
أما قنوات الرقص والغناء -الفيديو كليب- فحدث عن الرقص الماجن والكلام الفاحش والقبلات المحرمة، مع ما يصاحبها من الشريط المتحرك برسائل الشباب والفتيات، وما فيها من الكلمات الداعية للفاحشة، ولمزيد الاستخفاف تموج الشاشة في زاويتها بـعبارة "رمضان كريم"، أو "رمضان مبارك"!! أين الكرم وأين البركة؟!
كل هذا يحدث في رمضان، دون خوف أو حياء من الديان، سبحان الله!!
لقد كان الفسقة القدماء يحجمون عن غيهم، ويدارون الناس، ويستحيون من إظهار المعصية في شهر رمضان، كما قال أبو نواس:
منع الصوم عقارًا *** وذوي اللهو فغارا
وبقينا في سجونِ الـ*** ـصوم للهم أسارى
غير أنَّا سنداري *** فيه ما ليس يدارَى
وأمَّا فسَّاق هذا الزمن فقد نُزع منهم الحياء، بل إنهم يتحيَّنون فرصة قدوم شهر رمضان لإغواء الناس.
لقد تفننت القنوات الفضائية في إغواء المشاهد، وإرغامه على البقاء ذليلاً أمام شاشاتها؛ بفضل الإخراج المتطور في صوته وصورته، المنحط في هدفه وفكرته، إلا ما رحم الله.
أفلام عارية، وتمثيليات فاضحة، وبرامج مشبوهة، والمصيبة أن المشاهد الكريم يتلقى هذا الإسفاف والهدم للدين والخلق بكل رحابة صدر، ولربما تمايلوا نشوة وطربًا، وضحكًا وفرحًا بهذه المشاهد، وبعد السهر على القنوات الفاجرة يجتمع هؤلاء الغافلون أمام موائد السحور استعدادًا لصيام يوم جديد، ووالله ما أحرى هؤلاء المحرومين بقول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
أي زور وأي جهل فوق هذا يا مسلمون؟! ولمصلحة من تقتل فرحة رمضان، وتنتهك حرمته؟!
ما الفائدة من عرض قصص الحب والغزل، ومشاهد العري والسفور في شهر رمضان؟! هل يريد أرباب هذه القنوات والبرامج الفاضحة أن يفرغوا رمضان من محتواه الحقيقي ليتحوَّل إلى موسم للفجور؟! وصدق الله –عز وجل-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء: 27].
عباد الله: وإذا كان هذا هو حال الكثير من البرامج في قنواتنا العربية التي تعرض في بيوت المسلمين، فإن الأمر يزداد خطرًا في بعض البرامج الطائشة، وبالأخص البرنامج سيئ الذكر التي يشاهده مع الأسف الكثير من الناس.
هذا البرنامج الذي لم يقف عند حد الإغراء والإغواء الأخلاقي؛ بل تجاوزه إلى السخرية المباشرة من ثوابت العقيدة وشرائع الإسلام.
لقد جاء في بيان علمائنا الكبار في فتوى اللجنة الدائمة تحريم إنتاج هذا المسلسل وبيعه وترويجه وعرضه على المسلمين؛ لاشتماله على الاستهزاء ببعض أُمور الدين والسُّخرية مِمَّن يعملُ بها، واشتماله على ما يُعارض الشرع الْمُطهَّر، ونشر الرذيلة، وطمس معالم الفضيلة، وإشاعة الفساد، ومحبَّة المنكرات والاستئناس بها... إلى آخر ما ورد في البيان.
حتى طلع علينا الطائشون هذا العام بأسلوب استهتاري ماكر مخذول، جمع مقدموه بين خروقات الفهم، وسَوءات الحكم حول موضوع الإرهاب.
إن موضوع الإرهاب والإفساد لا يختلف عليه أحد، وقد تكلم العلماء والخطباء والدعاة في المملكة العربية السعودية عن إدانة العمليات الإرهابية والتفجيرية في بلاد الحرمين الطاهرة، التي نفديها بدمائنا وأرواحنا، ولا نقبل أن يتعدى فيها على مسلم موحد، أو كافر معاهد أو مستأمن، ولكن الذي جرى في البرنامج كالعادة هو إثارة الإشاعات والأكاذيب، والاستهزاء بالمراكز الصيفية والرحلات الطلابية، وبرامجها القيمة النافعة، مع قلب الحقائق بطريقة لا يقبلها مسؤول عاقل، ولا متابع منصف.
بلادنا المباركة، مهبط الرسالة، وقبلة المسلمين، وما وقع فيها من أعمال تفجير وتدمير، عمل شاذ، وصوت نشاز، وإن لبس من قام به عباءة الدين، فالدين وأهل الدين منه براء، أما أن يعمم الحكم بالإرهاب على الدين وأهله، فذلك هو ما ينعق به دعاة الفتنة والفرقة وأعداء الملة، الذين لا يقل خطرهم عن خطر أصحاب العنف والتفجير.
ثم إننا نتساءل: ما الفائدة من عرض هذه الحلقة بهذا الأسلوب البذيء الماكر، البعيد عن الحقيقة؟!
هل أعطى هؤلاء صورة حقيقية للفئة الضالة وتحذير المجتمع منهم، أم أنهم دسّوا السّم بالعسل والهزل بالجدّ فضاعوا وأضاعوا؟!
ومع هذا، فهذه ليست أول مرّة يقدّمون فيها حلقات وشخصيات تكرّس مفهوم أن صاحب (اللحية) شخص ساذج وغبيّ وبخيل وكذاب وجشع ومتزمت وإرهابي، بينما يظهر (الليبرالي) بقالب نظيف ومثقف ووسيم.
إنهم يهزؤون بقيم ديننا وعادات مجتمعنا بطريقة لا تمتّ إلى الفن بصلة ولا إلى النقد برابط.
معاشر الصائمين: ونحن نتحدث عن هذا البرنامج وغيره من برامج القنوات الفاسدة، نقول: أيها المشاهدون: أما تخشون على دينكم وأنتم تشاهدون؟! وربما تضحكون ممن يسخر ويستهزئ بالله ورسوله وشعائر دينه!!
ألم يُفْتِ علماؤنا الكبار بتحريم مشاهدة هذا المسلسل فرميتم بها عرض الحائط؟! ما لكم كيف تحكمون؟!
أيها المشاهد: لو استهزأ هؤلاء الطائشون بوالدك أو أسرتك، كيف ستكون ردة فعلك؟! فكيف بك الآن وأنت تراهم يستهزؤون بدينك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-؟! هل تعلم أنك مشارك لهم في الإثم بمجرد المشاهدة؟!
جاء في حديث المنافقين الذين كانوا في غزوة تبوك، وكانوا على أصل الإيمان، فقال أحدهم: والله ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكبر بطونًا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فسمعهم أحد الصحابة فانطلق ليخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجد الوحي قد سبقه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ) [التوبة: 65].
فعدّ الله تعالى الاستهزاء بالقراء وأهل الدين -إذا كان بسبب تدينهم- استهزاءً بالله ورسوله، ثم حكم على المستهزئين بالكفر: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 66].
لو تأملت في الحديث لوجدت أن الذي استهزأ بالقراء شخص واحد، والبقية مستمعون راضون، فقال الله عنهم جميعًا: (قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، ويبين هذا المعنى بوضوح قول الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].
فلماذا يا أخي تشاهدهم؟! هل تريد أن تكون مثلهم؟!
اتق الله -يا أخي- في دينك، وتذكر أنك في شهر رمضان، فلا تفسد صيامك بمثل هذه المحرمات، واعلم أن من علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، فلا تتبع الصيام بالآثام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه...
عباد الله: إنه على الرغم من جرأة وتعدي هؤلاء، فإنه لا بد من التماس الحكمة في الإنكار والموعظة الحسنة، والحذر من مقابلة الخطأ بالخطأ، أو الخروج عن دائرة التوجيه في مكانه الصحيح.
لا نريد أن ننجرف وراء التكفير أو إصدار الأحكام في الأشخاص، فنحن دعاة ولسنا بقضاة، وواجبنا الإنكار بالحسنى، ومناصحة المسؤولين، غيرةً على الدين، وتحذيرًا من تشويه الحقائق، وبث الفرقة في بلادنا المباركة.
إن الواجب على العلماء والأمراء وكلِّ من له قدرة بذل الوسع في منع هذا البرنامج، والضغط على تلك القناة وإن كانت غير حكومية لمنعه، كما أنه لا بد من حماية الدين والعقيدة ضد أي استهزاء، وإحالة مَن استهزأ بشيء من الدين للمحاكم الشرعية ليلقى الجزاء الرادع، فالأمر جد خطير.
وبعد ذلك تبقى مسؤولية المربين والمربيات وقادة الفكر وصُنَّاع الثقافة في التحذير من هذه الفتنة، كما أنها مسؤولية العقلاء والعاقلات ليحموا أنفسهم وأهليهم من أن يكونوا صيدًا لهؤلاء المفسدين.
وأخيرًا نقول لكل من شارك في هذا البرنامج وفي تلك القناة: اتقوا ربكم، لقد نشأتم في أرض التوحيد، وعرفتم الدين، ومع هذا ففي كل سنة يزداد شركم، حتى تجرأتم على الطعن في الدين، والسخرية من المسلمين، فراجعوا أنفسكم قبل فوات الأوان، وإلا فانتظروا مغبة عملكم، ونهاية دعاء المسلمين عليكم، وما ربك بغافلٍ عما تعملون.
نسأل الله أن يهدي العاملين في هذا البرنامج، اللهم اهدهم وافتح على قلوبهم، وإن كان في سابق علمك أنهم لا يتوبون ولا يهتدون، فاكفنا شرهم، وعجل بعقابهم، واجعلهم عبرة لكل من سار على مثل طريقهم.
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير البرية...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي