نحتاجُ اليومَ أن لانقبلَ خبراً إلا بدليلٍ، لأنَّ هناكَ من يجحدُ المعروفَ والجميلَ، ويُسيءَ فِهمَ طِيبةِ وكرمِ العربيِّ الأصيلِ، ولا يعلمُ أنَّ اليدَّ التي تُقدِّمُ القهوةَ باليمينِ، هي نفسُها التي تقطعُ لسانَ الحاقدينَ...
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّيِّينَ، يَتْلُوْا عَلَيهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَقواْ اللهَ حَقَ التَّقْوى؛ كما أمرَكم -سبحانَه-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
خرجَ سليمانُ -عليه السَّلامُ- بنفسِه كعادتِه يتفقَّدُ جيشَه من الإنسِ والجِنِّ والوحشِ والطَّيرِ، وهذا من كمالِ عَزمِه وحَزمِه، وحُسنِ تنظيمِه لجنودِه وتدبيرِه بنفسِه للأمورِ الصِّغارِ والكِبارِ، حتى جاءَ إلى الطُّيورِ، (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)[النمل:20]، حتى هذا الطَّائرِ الصّغيرِ لم يَفْلُتْ من دِقَّةِ تَفتيشِ سليمانَ -عليه السَّلامُ-، ففَقَدَه وسألَ عنه، ومن جميلِ تثبُّتِه في الحُكمِ على الجُنودِ، أنَّه قالَ: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ)؛ أي: هل هو موجودٌ وأنا لا أراهُ (أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ).
ثُمَّ لمَّا تأكَّدَ من الخبرِ وأنَّه غائبٌ دونَ اسئذانٍ، قالَ: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا)[النمل:21]؛ إن كانَ الغيابُ لذنبٍ صغيرٍ، (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) إن كانَ الغيابُ لذنبٍ كبيرٍ، (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) بحُجَّةٍ واضحةٍ وعُذرٍ بيِّنٍ لغيابِه، (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ)[النمل:22]، فأتى الهدهدُ بعدَ زمنٍ قليلٍ ولم يتأخرْ، لأنَّه يعلمُ حزمَ سليمانَ -عليه السَّلامُ-، (فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[النمل:22-26]، أمرٌ خطيرٌ، وشِركٌ كبيرٌ، وعُذرٌ يستحقُّ معهُ التَّأخيرَ.
واسمعوا الآنَ القاعدةُ الكُبرى، في التَّعاملِ مع الأخبارِ العُظمى، خاصةً فيما يتعلَّقُ بالأقوامِ الأخرى؛ أفراداً كانوا أم جماعاتٍ، شعوباً كانوا أم حكوماتٍ، (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[النمل:27]، وقدَّمَ التَّصديقَ على التَّكذيبِ لمعرفتِه بصدقِ الهُدهدِ، ولكن لِعظَمِ الأمرِ ولأنَّه يتعلَّقُ بأمَّةٍ من الأممِ، وليعلمَ غيرُ الهدهدِ أنَّه من جاءَ بخبرٍ من الأخبارِ، فلن يُصدَّقَ حتى يُنظرَ فيه بتأملٍ واستبصارٍ؛ فكم من خبرٍ جاءَ على الشُّرفاءِ بالظُّلمِ والعارِ! وكم من خبرٍ جاءَ على الدِّيارِ بالخرابِ والدَّمارِ!.
أيُّها الأحبَّةُ: اليومُ ومع كثرةِ مصادرِ الأخبارِ والتَّلقيِّ، نحتاجُ إلى التثبُّتِ والتَّبيُّنِ والتَّأني والتَّرويِّ، خصوصاً بعدَ أن رأينا رأيَ العينِ، وسمعنا سمعَ الأُذنِ، كيفَ أنَّ قنواتٍ وإذاعاتٍ وهيئاتٍ ومُنظَّماتٍ، تميلُ يوماً مع هذا فتمدحُه حتى تَبلغَ به السَّحابَ، ثُمَّ تُعاديه في اليومِ الآخرِ فتذمُّه حتى تَدسَّه في التُّرابِ، لا لشيءٍ إلا لمصالحَ سياسيةٍ أو لمطامعَ دُنيويَّةٍ، فيقفُ الحليمُ حيرانَ وهو يُقلِّبُ أخباراً وتغريداتٍ مُتناقضةً، ليسَ بينها إلا شهورَ أو سنينَ معدودةً، حينها يتذكَّرُ حديثَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ؛ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً".
فاليومَ نحتاجُ -فِعلاً- أن نقولَ لأخبارِ الصُّحفِ والقنواتِ، وأحاديثِ المجالسِ ورسائلِ الجوَّالاتِ، مَهلاً (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ).
من خُطورةِ الأخبارِ الكاذبةِ: أنَّها كانتْ سبباً في مقتلِ عثمانَ بنِ عفانَ رضيَ اللهُ عنه، وهو رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ وتستحي منه الملائكةُ .. واسمعْ إلى بعضِ الأخبارِ المُقْتَطَعَةِ التي كانتْ تُروَّجُ لإثارةِ النَّاسِ على الخليفةِ الرَّاشدِ .. جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ مِنَ الحُجَّاجِ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْم، قَالَ: هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ، قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟، قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ فَحَدِّثْنِي، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. (فَرِحَ الرَّجلُ بِصحةِ الأخبارِ). قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ (حقيقةَ الأخبارِ)، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ؛ كما قالَ تعالى: (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[آل عمران:155] وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ"، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: "هَذِهِ لِعُثْمَانَ"، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ.
نحتاجُ إلى التَّثبُّتِ في تصديقِ الأخبارِ والأنباءِ؛ لأنَّ صديقَ الأمسِ قد يكونُ اليومَ من الأعداءِ، فينشرُ الأسرارَ كما يزعمُ لأجلِ الحقيقةِ .. وهي في الحقيقةِ خِدعةٌ سافلةٌ قَبيحةٌ .. اتِّهاماتٌ دونَ دليلٍ وبُرهانٍ، وتصريحاتٌ من حاقدٍ وخوَّانٍ؛ حسداً لما تعيشُه هذه البلدُ من أمانٍ، ورَغَدِ عَيشٍ وتحكيمٍ لشريعةِ الرَّحمنِ (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
نحتاجُ إلى تحرِّي المصداقيةِ وأن لا تُعطى الأمورَ أكبرَ من حجمِها؛ فلا زالتْ بعضُ البُلدانِ تعيشُ على وَهْمِ أنَّها قائدةُ العالمِ، وحاكمةُ النَّاسِ ومنقذةُ البشريةِ.. يُهدِّدونَ كلَّ أحدٍ بقطعِ العلاقاتِ، وفرَضِ العقوباتِ؛ فالسعيدُ كما يعتقدونَ هو من وَالوه، والتَّعيسُ كما يظنُّونَ هو من عادوه.. سلاحُهم الأكبرُ في العالمِ هو الإعلامُ؛ الذي يُظهرُ الدَّجاجَّ في حَجمِ النَّعامِ؛ كما كانَ يفعلُ جنكيزخان في القرنِ الرَّابعِ عشرَ الميلادي حيثُ يُرسلُ الجواسيسَ إلى خُطوطِ العدوِّ لبثَّ الإشاعاتِ بأنَّ أعدادَ جيوشِه كبيرةٌ كالجرادِ لا يمكنُ إحصاؤها، وفي الواقعِ، كانتْ جيوشُه فِعلِّياً دَائماً أقلَ بكثيرٍ من جِيوشِ أَعدائه؛ فهل من أحدٍ يُترجمُ لمثلِ هؤلاءِ المثلَ العربيَّ المشهورَ: مَا كُلُّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً، ولاَ كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً.
أيُّها المؤمنونَ: نحتاجُ اليومَ إلى طاعةِ اللهِ -تعالى- في قولِه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات:6]، خاصةً فيما يتعلَّقُ بالأمنِ العامِ وأمنِ الحرمينِ، وأن نتكاتفَ جميعاً حُكَّاماً ومحكومينَ؛ فليسَ اليومَ وقتُ الخلافاتِ والعَتبِ، وليسَ اليومَ وقتُ المطالباتِ والشَّغبِ؛ بل ينبغي أن نقفَ صفَّاً واحداً أمامَ كلِّ عدوٍّ داخليٍ أو خارجيٍ، وأمامَ كلِّ تهديدٍ غربيٍّ أو شَرقيٍّ، ونحنُ اليومَ بفضلِ اللهِ -تعالى- .. نَنعمُ في بلادٍ قد تنوَّعَ سلاحُها وتدرَّبَ جُندُها ووَفِرَ اقتصادُها، وقبلَ ذلكَ إيمانُ رجالِها باللهِ -تعالى-، وأن الاعتصامَ به عِزةٌ واللجوءَ إليه قوةٌ، وأنَّه لا ملجأَ ومنجا منه إلا إليهِ؛ فهل يَخافُ مثلُ هؤلاءِ وقد قالَ تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات:173].
أقولُ ما تَسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولـكم ولجميعِ المسلمينَ والمسلماتِ من كلِّ ذنبٍ وخَطيئةٍ؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو التَّوابُ الرَّحيمُ.
الحمدُ للهِ الذي أَنعمَ فأجزلَ، وأَعطى فأَغنى، وكلُّ شيءٍ عندَه بمقـدارٍ، أحمدُه سبحانَـه على نعمِه الغِزارِ، وجودِه المِدرارِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له الواحدُ القَهارُ، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المصطفى المختارُ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلِه الأطهارِ، وأصحابِه الأخيارِ، ومن سارَ على هديهم إلى يومِ المعادِ، أما بعد:
أيُّها الأحبَّةُ: نحتاجُ اليومَ أن لانقبلَ خبراً إلا بدليلٍ، لأنَّ هناكَ من يجحدُ المعروفَ والجميلَ، ويُسيءَ فِهمَ طِيبةِ وكرمِ العربيِّ الأصيلِ، ولا يعلمُ أنَّ اليدَّ التي تُقدِّمُ القهوةَ باليمينِ، هي نفسُها التي تقطعُ لسانَ الحاقدينَ، والابتسامةُ التي كانت عندَ الاحترامِ والتَّقديرِ، قد تتحوَّلُ إلى ما وصفَه المُتنبي في البيتِ الشَّهيرِ:
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً *** فَلا تَظُنَّنَّ أنَّ اللَّيْثَ يَبْتَسِمُ
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".
ولا زالَ -وللهِ الحمدُ- هذا منهجُ ولاةِ أمرِنا في الحِلمِ والسَّلامِ، والمُحافظةِ على مُجتمعٍ يسودُه الوِئامُ، والبحثِ عن الأمنِ والاستقرارِ، في رَغَدِ عَيشٍ وطِيبِ دارٍ، فظنَّ الأعداءُ أن هذا الحِلمَ ضَعْفاً، وظنُّوا أن هذه الأناةَ خوفاً، فأصبحَ تهديدُ هذه البِلادِ كلأً مُباحاً، لكلِ عدوٍ كافرٍ، ولكلِّ علمانيٍّ فاجرٍ، ولكلِّ فارسيٍّ حاقدٍ، ولكلِّ خارجيٍّ جاحدٍ ، ولكن لا نقولُ إلا ما قالتْ العَربُ: اتَّقِ شرَّ الحليمَ إذا غَضبَ.
اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللَّهُمَّ أذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللَّهُمَّ دَمِّرْ أعداءَ الدينِ، اللَّهُمَّ اجعل هذا البلدَ آمناً مُستقراً وسائرَ بلادِ المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ كُفَّ عنَّا بَأسَ الذين كفروا فأنتَ أَشدُّ بأساً وأَشدُّ تَنكيلاً، اللَّهُمَّ اجعلْ كيدَهم في نحورِهم واكفنا شُرورَهم، اللَّهُمَّ سَلِّطْ عليهم من يُشغلُهم بأنفسِهم عن المسلمينَ إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بك، عليكَ توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصيرُ، اللَّهُمَّ احفظْ هذه البلادَ بلادَ الحرمينِ الشريفينِ، اللَّهُمَّ احفظها آمنةً مستقرةً من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، ومن كلِّ شرٍّ وفتنةٍ، ومن كلِّ بلاءٍ ومحنةٍ، اللَّهُمَّ احفظ سائرَ بلادِ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ أصلح ولاةَ أمورِنا واجعلهم هداةً مهتدينَ غيرَ ضالينَ ولا مضلينَ، اللَّهُمَّ أصلحْ بطانتَهم وأبعد عنهم بطانةَ السُّوءِ والمفسدينَ، اللَّهُمَّ لا تؤاخذنا بما فعلَ السفهاءُ مِنا، وقنا شرَّ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ.
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[البقرة:127].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي