آذاني، ما يقال وأسمع، عن ألعاب بأجهزة في جُلّ بيوتنا إن لم تكن في كلها، أثَّرت على تربية أبنائنا وبناتنا، لا أخلاقيًّا فقط وإنما عقديًّا ودينيًّا، وقد أخبرني من هو عندي ثقة، وأحسبه لا يقول لي إلا صدقًا والله حسيبه، أن ابنته تخبره، بأن...
الحمد لله عدد ما طار وعدد ما يدُبّ، أحمده –سبحانه- وأشكره كما يشاء ويحب، وأستعينه وأستهديه وأستغفره، هو المعين على دَفْع الكرب، والهادي -تعالى- لمن رغب، وغافر الذنب لمن له كسب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكرم مَن أعطى، وأعظم من وهب، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، هو النبي لا كذب هو ابن عبدالمطلب، صلِّ اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، إلى يوم يطَّلع فيه كل إنسان على ما كتب.
ثم أما بعد: فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصِّرة بتقوى الله -عز وجل- وخشيته، قولاً وعملاً، فما الحياة الدنيا إلا محطة للتزود بالوقود، كنت قبلها غير موجود، وبعدها، إما نار نعوذ منها وإما جنة نسأل الله فيها الخلود، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أيها المسلمون: أعلم أنكم تعلمون بل وتحفظون قول رب العالمين: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وأنكم جميعًا توقنون بأنَّ الوالدين هما أعظم المؤثرين في تربية البنات والبنين، وتنشئتهم على الدين، يقول رسول رب العالمين: "كل مولود يُولَد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرَانه أو يمجِّسانه".
وفي الغالب لن تجد أبًا يحب أن يرى وليده على غير دينه، غير أن لكل قاعدة شواذَّ، وأقصد اليهودي الذي في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم-، كان ابنه يضع الشوك في طريق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا يومًا خرج -عليه الصلاة والسلام- فلم يجد الشوك كعادته.
فذهب –صلى الله عليه وسلم- لبيت الصبي؛ يسأل عنه، طرق الباب ففتح أبوه فاستغرب، محمد!! قال: نعم. أين ولدك؟ قال: مريض. قال: أتأذن أن أزوره، فرحب بالنبي –صلى الله عليه وسلم- ودخل -عليه الصلاة والسلام- يزور الغلام، فتفاجأ ظانًّا بأنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يعلم بأنه هو مَن يضع الشوك في طريقه، ولكنه أخبره بذلك، ولسان حال الغلام يقول: عجبًا لك يا محمد أؤذيك وتزورني! وأسيء إليك وتحسن إليَّ! أيَّ قلبٍ تحمل؟!، ما أعظم خلقك الذي يُخْجِل!
فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- للغلام: يا غلام! أسْلِمْ، فنظر الغلام إلى أبيه اليهودي، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، ثم فاضت روحه إلى مولاه، فقال رسول الله: "الحمد لله الذي نجَّاه بي من النار"، هذا أبٌ، عرف الحق فأباه، ولكنه لوليده أهداه، أفلسنا نحن أهل الدين الحق، بهدي أبنائنا وبناتنا إلى طريق الحق من غيرنا أحق.
"كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"، أعلم بأنها ليست المرة الأولى في هذا الموضوع أشرع، ولكن آذاني، ما يقال وأسمع، عن ألعاب بأجهزة في جُلّ بيوتنا إن لم تكن في كلها، أثَّرت على تربية أبنائنا وبناتنا، لا أخلاقيًّا فقط وإنما عقديًّا ودينيًّا، وقد أخبرني من هو عندي ثقة، وأحسبه لا يقول لي إلا صدقًا والله حسيبه، أن ابنته تخبره، بأن بعض البنات الشابات في مدرستها، يرسمن الصليب على سواعدهن وأيديهن، ويتفاخرون بذلك فيما بينهم، وهم يعلمون بأنه شعار النصارى.
وسمعت من غيره، وهو مُعَلِّم بإحدى المدارس، بأنَّ الطلبة يتصرفون تصرُّفات لا تليق بأبناء الإسلام، ويتراقصون رقصات، لا يفعلها إلا الضالون والضالات، ويجعلون على أجسادهم وشمًا، هي على المسلمين من المحرَّمَات، بحسب قول من سمعت، إنها منقولة من الألعاب التي يلعبونها، على أجهزة البلايستيشن، وغيرها من ألعاب الجوَّالات.
حتى وصل بقوله: إن إحدى الألعاب بها مراحل، وبعضها لا يستطيع الانتقال اليه، حتى يظهر له كتاب كالمصحف، يلزمه أن يدوس عليه، فيا للعجب، أنحن من أدخلنا على أبنائنا هذه البلايا، وأثرنا على منهجهم وعقيدتهم ونحن لا نعلم!
اليهودي يقول لابنه: "أطع أبا القاسم" فيُسلم، ونحن نوفِّر لأبنائنا ما يُشَوِّش على عقيدة أحدهم ويأثم، اللهم سَلِّم سَلِّم، لست خبيرًا بهذه الألعاب، ولا بها أدري، حتى أقول أسماءها أو بها أهذي، إنما أنا واعِظ، ومُذَكِّر، ومحذِّر لنفسي ولأحبتي، من شَرِّ أمرٍ بلغني، أعاذكم الله وبَنَيّ وبَنِيكم منه وأعاذني.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جُحْر ضَبّ لدخلتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله اختار لنا خير دين، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة البنات والبنين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأن محمدًا عبده وإمام المرسلين، صلِّ اللهم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
وبعدُ: يا سامعين، اتقوا الله أجمعين، فمن اتق الله نالَ فضله العظيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
عباد الله: لست بما قلت في عقائد أبنائنا قادحًا، ولا أريد التحجير عليهم، ومنعهم من مواكبة ألعاب العصر، فلعل بعضها يكون لمن يجيد انتقاء الألعاب لأبنائه نافعًا، ولكني كما أسلفت، واعظًا ومُحَذِّرًا، فعقول الأطفال أرض خصبة، لزرع الأفكار المدمرة الهدامة، والعقائد الفاسدة الضالة، نسأل الله السلامة.
والآن أصبحت الألعاب تُبَثُّ عبر شبكات التواصل، مما يُخْشَى منه على أبناء الجيل، من أولئك الذين يبثون في عقولهم الفكر الخبيث، وما فيه من تضليل، وتعلمون بما يحاك لهذه الدولة المباركة وأهلها، في الوقت الحاضر، فلا تستغربوا، أن يقومون بذلك حتى من خلال ألعاب أطفالنا.
نسأل الله أن يقينا شر الأشرار وكيد الفجار، فالله الله بتربية أبنائكم، ومتابعتهم حتى في ألعابهم، فالمسؤولية عظمى، نعوذ بالله من أن نَضِلّ ونطغى، هذه همسة همستها، أشد ما استطعت اختصرتها، أسأل الله أن ينفعني وينفعكم بها.
ثم الصلاة والسلام مرسلاً، إلى الذي جاء إلينا مرسلاً؛ محمد وآله ومن تلى.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي