إن طموح المرء إلى بلوغ الدرجات العلى وابتغاءه الفضائل وسعيه إلى اكتساب المحامد وتطلعه إلى الأفضل والأكمل، دليل واضح وآية بينة على طيب جوهره وكرم معدنه واستحقاقه الظفر بكل خير، يرتفع بمقامه عن منازل ساقطي الهمة، القاعدين عن طلب الخيرات، المرتضين لأنفسهم العيش على هامش الحياة ..
الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أحمده -سبحانه- يخلق ما يشاء ويختار وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى طريق الجنة دار النعيم، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الهل -عباد الله-؛ فتقوى الله طريق الأيقاظ ونهج أولي النهى وسبيل أولي الأبصار.
أيها المسلمون: إن طموح المرء إلى بلوغ الدرجات العلى، وابتغاءه الفضائل، وسعيه إلى اكتساب المحامد، وتطلعه إلى الأفضل والأكمل دليل واضح وآية بينة على طيب جوهره وكرم معدنه واستحقاقه الظفر بكل خير، يرتفع بمقامه عن منازل ساقطي الهمة، القاعدين عن طلب الخيرات، المرتضين لأنفسهم العيش على هامش الحياة، وعلى العكس من ذلك أن يعمد أناس إلى التطلع إلى ما لا يصلح أن يطمح إليه العاقل، ولا يجوز أن تصبو إليه نفسه أو يمتد إليه بصره أو تنصرف إليه همته من اجتراح السيئات واقتراف الخطايا واستباحة المحرمات التي حرمها الله ورسوله، وحذر من غشيانها، وتوعد على انتهاكها بأليم العقاب.
ومن ذلك أن يتطلع المرء إلى ما في يد غيره مما حباه به ربه من فيض النعم ووافر الخيرات، فيتمنى زوالها عنه وتحولها إليه.
ومنه التطلع إلى ما جعله الله للمعرضين عن آيات ربهم، المكذبين برسله، من زهرة الحياة الدنيا وزينتها ونضرتها، فتنة واستدراجًا، نهى الله نبيه -صلوات الله وسلامه عليه- وأمته من الاغترار به؛ لأنه فانٍ زائل، وغرور وخدع تضمحل أمام ما وعد الله أن يرزقه به في الآخرة من خير لا انقطاع ولا نفاد له؛ فقال سبحانه: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:131].
ولما كان في السعي إلى المطامح التي لا مشروعية لها إيذاء بالغ للنفس، بتكدير صفو العيش، وتنغيص متع الحياة، وازدراء نعمة الله بالتنقص لها وعدم الشكر عليها، ومن إضاعة العمر في الأماني والأحلام التي لا طائل من ورائها؛ فإن من رحمة الله بعباده وجميل إحسانه إليهم ما منَّ به عليهم من أحسن المناهج وأعدل السبل وأقوم الطرق للتجافي عن هابط المنازع وقبيح المسالك بتهيئة الفرص، مع المراعاة للمواهب والوظائف التي يتفاوت فيها الناس وتتباين حظوظهم منها.
فحين استشرف بعض النساء في عهد النبوة إلى الحظوة ببعض ما خص الله به الرجال، فتمنين أن يكون لهن نصيب من الجهاد لحفظ الذمار والذود عن الحق ونشر الهداية، وأن يكون لهن مثل ما للرجال من الميراث، وتمنى الرجال أن يُفضَّلوا على النساء بحسناتهم كما فُضِّلوا عليهم في الميراث، صرف -سبحانه- كلاًّ من الفريقين عن هذه الأماني إلى النظر إلى ما هو أنفع لهما وإلى السعي إليه؛ وذلك هو الكسب في المجال الصالح الملائم لكلٍّ من الفريقين، وجعل لهما نصيبهما الوافر من حسن الثواب، وحثهما على سؤاله سبحانه من واسع فضله، فإنه الكريم الوهاب، فقال -سبحانه-: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [النساء:32].
وإنه لتوجيه رباني ما أحكمه وما أعدله! وما أجدر أن يتفتح الوعي لإدراك مقاصده وجميل آثاره وحسن العاقبة فيه!
عباد الله: إن الخير الذي يسوق إليه طموح المسلم إلى الرفعة لا يصح أن يُتَّخذ طريقًا إلى المحظور، كأن يكون سببًا ووسيلة للإعجاب بالنفس والنظر إليها بعين الرضا واعتقاد الكمال، وإلى النظر إلى غيرها بعين التنقص والازدراء والتحقير، الذي أوضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوء العاقبة فيه بقوله: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المسلِم". أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أو أن يكون سببًا إلى الفخر على الناس أو البغي عليهم؛ فقد حذر من ذلك رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إنَّ الله أوْحَى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يفْخرَ أحدٌ على أحد، ولا يبْغِيَ أحدٌ علَى أحَد". أخرجه مسلم في صحيحه.
ولا يصح أن يكون الطموح إلى الرفعة أيضًا باعثًا على التحاسد والتباغض والتدابر الذي تنقطع به الوشائج وتنفصم به العرى بين أبناء المجتمع المسلم؛ ولذا نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم– بقوله: "لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَعْض، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَا". الحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعملوا على أن يكون الطموح إلى الرفعة باعثًا على التنافس في استباق الخيرات والتجافي عن السيئات، وطريقًا إلى الارتقاء بالمجتمع والنهضة بالأمة، ودليلاً بيّنًا إلى بلوغ الحياة الطيبة الناشئة في رحاب الإيمان، المهتدية بهدي القرآن، الناعمة برضوان الرحمن ونزول رفيع الجنان، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:148].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-.
أيها المسلمون: إن قول الله تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ...) [النساء: 32] ليس معارضًا لما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا حسَدَ إلا في اثْنَتَيْن: رجلٍ علَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ، فهُوَ يَتلُوهُ آنَاءَ الليلِ وآناءَ النَّهَارِ، فسمِعَهُ جارٌ لهُ فَقَال: ليتَنِي أُوْتِيتُ مِثْلَمَا أُوْتِيَ فلان، فعمِلْتُ مثلَ مَا يعْمَل، ورجلٍ آَتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يُهْلِكُه في الحق"، وفي لفظ: "فسَلَّطَه علَى هَلَكَتِهِ في الحق، فقَالَ رجُل: لَيتَنِي أُوتِيتُ مثلمَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مثلما يعمَل". والمراد بـ"الحسد" في الحديث الغبطة وتمني مثل ما للمُنعَم عليه، وهو مباح لا حظر فيه.
أما المنهي عنه في الآية فهو تمني نفس النعمة بانتقالها عن صاحبها وزوالها عنه إلى المتمني، وذلك هو المحظور الذي نهى الله تعالى عباده عنه.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعملوا على استباق الخيرات والتنافس في الباقيات الصالحات، وحذار من الطموح إلى ما لا يحل وما يغضب الجبار.
وصلوا وسلموا على خير رسل الله محمد بن عبد الله؛ فقد أُمرتم بذلك في كتاب الله؛ حيث قال الله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة، ووفقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً كل خير، سالمةً من كل شر وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين.
اللهم إن نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي