خمسة عشر باباً، خمسة عشر باباً؛ ليست أبواب بيوتٍ, ولا أبواب قصور، خمسة عشر باباً؛ تُرى من سيدخل منها؟! وما أسماؤها؟ خمسة عشر باباً ليست من أبواب الدنيا، هي أبوابٌ ليس لها مثيل! أتعلمون ما هي؟! إنها أبواب النار السبعة، وأبواب الجنة الثمانية...
الحمد لله غافر الذنب, وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول, لا إله إلا هو إليه المصير, وأصلي وأسلم على النبي المصطفى, والرسول المجتبى, نبينا وسيدنا محمد، وعلى اله وأصحابه, وعلى من سار على أثرهم وبهم اقتدى.
أما بعد: خمسة عشر باباً، خمسة عشر باباً؛ ليست أبواب بيوتٍ, ولا أبواب قصور، خمسة عشر باباً؛ تُرى من سيدخل منها؟! وما أسماؤها؟ خمسة عشر باباً ليست من أبواب الدنيا، هي أبوابٌ ليس لها مثيل! أتعلمون ما هي؟! إنها أبواب النار السبعة، وأبواب الجنة الثمانية، اللهم أدخلنا الجنة, وأجرنا من النار.
عباد الله: عدد أبواب النار سبعة أبواب قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)[الحجر:43-44], قال ابن كثير: "أي: قد كُتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس, يدخلونه لا محيد لهم عنه؛ أجارنا الله منها، وكلٌ يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بحسب عمله".
ونُقِلَ عن علي بن أبي طالب قولُه: "أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، حتى تمتلئ كلها"؛ اللهم أجرنا من النار.
عباد الله: لم يرد نص ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تسمية أبواب النار, لكن جاءت آثار عن الصحابة؛ منها ما ذكره القرطبي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -سبحانه-: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) قال: "جهنم والسعير ولظى والحطمة وسقر والجحيم والهاوية وهي أسفلها".
يا مؤمنون: وقبل أن تفتح أبواب النار يساق إليها الأشقياء سوقا عنيفا, بزجر وتهديد ووعيد, قال الله -تعالى-: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا)[الطور: 13]؛ يساقون إلى النار وهم عطاش ظِماءٌ، قال الله -تعالى-: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) [مريم: 86]؛ وهم في تلك الحال صم وبكم وعمي؛ منهم من يمشي على وجهه قال الله -تعالى-: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا)[الإسراء: 97].
ثم بعد هذا السوق العنيف المؤلم بمجرد وصولهم إلى النار تفتح لهم أبواب النار فتحاً سريعا؛ لتعجل لهم العقوبة، قال الله -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)[الزمر:71], ثم تغلق أبواب النار على الكفار (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)[الهمزة: 8-9], مطبقة مغلقة؛ فلا مطمع لهم بالخروج منها (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[المائدة:37], قال مقاتل: "أُطبقت الأبوابُ عليهم ثم شدت في بأوتاد من حديد حتى يرجع عليهم غمها وحرها"؛ اللهم أجرنا من النار.
أيها المؤمنون: أما الجنة فعدد أبوابها ثمانية، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "في الجنة ثمانية أبواب"(رواه البخاري)، ومما جاء في وصف أبواب الجنة قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده إن بين المصراعين من مصاريع الجنة, أو مابين عضادتي الباب، كما بين مكة وهجر, أو كما بين مكة وبصرى"(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن ما بين المصراعين -يعني جانبي الباب- في الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ"؛ أي: ممتلئ (رواه الإمام أحمد).
إخوة الإيمان: أسماء أبواب الجنة منسوبة للأعمال الصالحة، هناك باب للمكثرين من الصلاة والمحافظين على الصلاة, وباب للمتصدقين, وباب للمجاهدين، وباب للصائمين؛ ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أنفق زوجين في سبيل الله من ماله، دُعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام".
ومن الأسماء الواردة لأبواب الجنة الباب الأيمن، وذكر بعض أهل العلم أن من أسماء أبواب الجنة باب التوبة، وباب الحج, وباب الوالدين.
وليست العبرة -يا عبد الله- بمعرفه أسماء الأبواب إنما العبرة في القيام بالأعمال الصالحة التي تُدعى بسببها -يا عبد الله- إلى الدخول مع أبواب الجنة.
يا مؤمنون: وقبل أن تفتح أبواب الجنة يساق إليها السعداء مكرمين معززين مبجلين، يساقون راكبين على النجائب وفدا إلى الجنة قال الله -تعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر:73].
اللهم إنا نسألك الجنة, ونعوذ بك من النار, ربنا اغفر لنا ذنوبنا, وأدخلنا الجنة دار الأبرار.
أقول ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمد لله لا عز لنا إلا بطاعته...
أما بعد:
فيا مسلمون: هما داران لا ثالث لهما, وأبواب الجنة أكثر من أبواب النار، ورحمة الله أسبق من غضبه؛ فهلموا إلى الرحمة الواسعة، توبوا إلى الله، أنيبوا إلى الله, اتقوا الله؛ فالجنة دار المتقين, الجنة دار تستحق بذل الغالي والنفيس، والله يدعوا إلى دار السلام, والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه.
عباد الله: أبواب النار لكل كافر ومجرم, وأبواب الجنة لكل مؤمن تقي؛ فعملك سيكون دليلك في الدخول من تلك الأبواب, وليست الجنة بالتمني فلابد من العمل, والخوف من نار تلظى.
لله در تلكم المرأة التي سمعت قول الله -سبحانه-: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)[الحجر: 44]؛ فماذا صنعت تلك المرأة؟! عن هشام بن حسان قال: "خرجنا حجاجا فنزلنا منزلا في بعض الطريق, فقرأ رجل معنا هذه الآية: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ), فسمعته امرأة فقالت: أعد رحمك الله, فأعادها (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ), فقالت: "خلفت لي في البيت سبعة أعبد, أشهدكم أنهم أحرار" فأعتقتهم رجاء أن يعتقها الله من النار!.
ونحن -يا عباد الله- ماذا سنقدم حتى تفتح لنا أبواب الجنة ونعتق من النار؟ قال الله -تعالى-: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)[ص:50-54].
اللهم إنا نسألك نعيما لا ينفد وقره عين لا تنقطع...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي