نور البصيرة

صلاح بن محمد البدير
عناصر الخطبة
  1. نعمة البصيرة في الدين من أعظم النعم .
  2. العمه في البصيرة أشد وأنكى من عمى البصر .
  3. تعريف البصيرة .
  4. الفرق بين أهل البصيرة وأهل الضلال .
  5. من صفات أهل الإيمان .

اقتباس

ومن صفات أهل الإيمان أنهم يِقَاظُ القلوبِ، فهماءُ العقولِ، يَعُونَ عن الله أمرَه ونهيه، ووعده ووعيده، إذا تُليت عليهم آياتُه أَكَبُّوا عليها سامعينَ، واعينَ مراعينَ، بآذان سمعتها وقلوب وعتها، لا يتغافلون عن مواعظه، ولا يستكبرون عن عبادته، كما يفعل الساقطون المستعلون...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي رفَع رتبةَ أهل البصيرة في الدِّين، وجعلهم للدين قِوَامًا، وللمحاسن نظاما، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ومَنْ يشرك بالله يلقَ أثامًا، ويخلد في جهنم مُهانًا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وقد فاز مَنْ كان النبيُّ قدوةً له وإمامًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تدوم دوامًا، وسلامًا يعقب سلاما.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فقد فاز المتقي، وخسر المسرف الشقي، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أيها المسلمون: من جلائل النِّعم وقلائد المِنَن، نعمة البصيرة في الدِّين، والبصيرة هي التوحيد ونبذ الشرك، وعدم طاعة المخلوق في معصية الله -تعالى-، والبصيرة البرهان واليقين والثبات في الدين، قال الله -تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يُوسُفَ: 108]، والبصيرة الفطنة، وقد قيل: "ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب"، والبصيرة نور يقذفه الله في القلب، يفرِّق ما بين الحق والباطل، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة.

أيها المسلمون: والعَمَهُ في البصيرة أشدُّ وأنكى وأعظم مصيبةً من العمى في البصر، فإن عمى البصيرة هو العمى، قال جلا وعلا: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الْحَجِّ: 46].

وترى ألوف المبصرين بلا هدى***لكأنما فوق العيون حجاب

وليس الأعمى من لا يبصر بعينيه، ولكن الأعمى مَنْ جَهِلَ حقَّ اللهِ عليه، ذهَب بصرُ حَبْر الأمةِ عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في آخر حياته، فأنشد:

إِنْ يأخذ اللهُ من عينيَّ نورهما***ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذَكِيٌّ وعقلي غير ذي دَخَلٍ***وفي فمي صارم كالسيف مأثور

والبصيرة هي القرآن والسُّنَّة، قال عز وجل: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا)[الْأَنْعَامِ: 104]، أي: قد جاءتكم البيناتُ والحججُ التي اشتمل عليها القرآن العظيم، واشتملت عليها سُنَّة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وهي الأنوار التي لقلوبكم بمنزلة الضياء المحسوس لعيونكم، فاصعدوا ببصائر القرآن والسُّنَّة، ولا تهبطوا في حضيض الأوهام والآثام.

أيها المسلمون: كيف تقعون في مستنقع الآثام؟ كيف تقعون في مستنقع الآثام؟ كيف تقعون في مستنقع الآثام؟ وعندكم النور الباهر، والضياء الظاهر؛ كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فاطلبوا من الأنوار أعلاها، ولا تحتقروا من الظلمات أدناها، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- في صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة قال: "واللهِ إنَّه لَموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناكَ شاهدًا ومبشرا ونذيرا، وحِرْزًا للأميين، أنتَ عبدي ورسولي، سميتُكَ المتوكلَ، ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئةَ، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يُقِيمَ به الملةَ العوجاءَ؛ بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيُنًا عُمْيًا، وآذانا صُمًّا، وقلوبا غُلْفًا" (أخرجه البخاري).

والمعنى: أن يفتح بكلمة التوحيد أعينا عميا عن الحق، وليس عمى الجارحة، وينفي الشرك ويُثبت التوحيدَ، والملة العوجاء هي ملة الكفر.

أيها المسلمون: ومَنْ سَمِعَ مواعظ الله وآيَ كتابه وأحاديثَ نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- فصَمَّ عن الحق أذنيه، وعَصَبَ بعصابة الباطل عينيه فهو الضرير الحائر في ظلمات الجهل وغياهب الضلال، وأهل الكفر والفسق صُمٌّ عن الحق فما يسمعونه، عُمْيٌ عن الهدى فلا يبصرونه، لا يسمعون سماع منتَفِعٍ، ولا يبصرون إبصار مهتَدٍ، قال الله -تعالى- عنهم: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ)[هُودٍ: 20]، وقال ربنا عنهم في شأن الآخرة والقيامة: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ)[النَّمْلِ: 66].

أما المؤمنون فهم الفطناء البصراء، المؤمن صحيح النظر، نافذ البصر، جميل الأثر، قال جل وعلا: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ)[فَاطِرٍ: 19-20]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "وما يستوي الأعمى والبصير... الآيةَ، هو مثل ضربه الله لأهل الطاعة وأهل المعصية، وقد قيل: "لكل إنسان أربعة أعين؛ عينانِ في رأسه لدنياه، وعينانِ في قلبه لآخرته، فإن عميت عينَا رأسِه وأبصرت عينَا قلبه لم يَضُرَّه عماه شيئا، وإن أبصرت عينَا رأسِه وعميت عينَا قلبِه لم ينفعه نظرُه شيئًا، وأي حاجة للأسماع والأبصار إن لم يسمع الإنسانُ الحقَّ بأذنيه، ويبصر الهدى بعينيه.

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره***إذا استوت عنده الأنوار والظلم

جعلني الله وإياكم ممن أبصر الحق بقلبه، وكان رائده في حياته، ونوره في قبره.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، إنه كان للأوَّابِينَ غفورا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله آوى مَنْ إلى لُطْفِه أَوَى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، داوى بإنعامه مَنْ يَئِسَ من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، من اتبعه رشد واهتدى، ومن عصاه ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلاما يترى.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أيها المسلمون: ومن صفات أهل الإيمان أنهم يِقَاظُ القلوبِ، فهماءُ العقولِ، يَعُونَ عن الله أمرَه ونهيه، ووعده ووعيده، إذا تُليت عليهم آياتُه أَكَبُّوا عليها سامعينَ، واعينَ مراعينَ، بآذان سمعتها وقلوب وعتها، لا يتغافلون عن مواعظه، ولا يستكبرون عن عبادته، كما يفعل الساقطون المستعلون، الصمُّ الذين لا يسمعون، والعميُ الذين لا يبصرون، قال ربنا -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)[الْفُرْقَانِ: 73]، قال الحسن: "كَمْ من رجل يقرأه ويخر عليها أصمَّ وأعمى".

إن الشرف والرفعة والسنا، والسمو والعلو في البصيرة في الدين.

اللهم اجعلنا من أهل البصيرة في الدِّين، اللهم اجعلنا من أهل البصيرة في الدِّين، اللهم اجعلنا من أهل البصيرة في الدِّين، الساجدين لوجهك، الساجدين لوجهك، المسبحين بحمدك، الخاضعين لأمرك، المعظِّمين لشرعِكَ، المعظِّمين لشرعِكَ، يا رب العالمين.

وصلُّوا وسلِّمُوا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، ودمر أعداء الدين، ودمر أعداء الدين، وعُمَّ بالأمن والرخاء بلاد المسلمين، واحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين، يا رب العالمين.

اللهم وَفِّقْ إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ووليَّ عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، يا رب العالمين.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على ثغورنا وحدودنا، واحفظ رجال أمننا، وَاجْزِهِمْ خيرَ الجزاء يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا خطأنا وعمدنا وهزلنا وجدنا، وكل ذلك عندنا، اللهم إنا نعوذ بكَ من يوم السوء، وليلة السوء وساعة السوء، اللهم إنا نعوذ بك من الوباء وهجوم البلاء، يا رب العالمين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وَارْحَمْ موتانا، وانصرنا على مَنْ عادانا، وانصرنا على مَنْ عادانا، وانصرنا على مَنْ عادانا، يا رب العالمين.

اللهم اجعل دعاءنا مسموعا، ونداءنا مرفوعا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي