ثمار العفة وأثرها على الفرد والمجتمع

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
عناصر الخطبة
  1. من ثمار العفة: أ- نيل ما وعده الله للمتقين ب- تفريج الكروب ج- الفلاح وثناء الله تعالى د- النجاة من عواقب الفواحش والشهوات هـ- حصول البركة من الله و- الأجر والثواب ز- العفة تجمع خلال الخير كلها .

اقتباس

ومن ثمرات العفة على الفرد والمجتمع: النجاة من عواقب الفواحش؛ فالعفيف في مأمن من عواقب الشهوات، وما تورثه من أضرار وعقوبات على النفوس والذوات والمجتمع كذلك، آمن من أضرارها لأن العفة فضيلة عظيمة والفضيلة سياج للفرد والمجتمع...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: خلق العفة، خلق عظيم، وسجية كريمة، وصفة من صفات المؤمنين المتقين، وحسب العفة أنها تكسب صاحبها الثمار الوفيرة والخيرات الكبيرة؛ فمن ثمارها:

نيل وعد المتقين؛ فالعفة من أجلى مظاهر التقوى، وأنصح صورها؛ لأن العفيف حينما يصد عن الفواحش وأسبابها إنما يتقي بعفته سوء الحساب.

ولقد وعد الله -جل وعلا- المتقين وعدا حسنا، وبشرهم ببشارات عظيمة كريمة، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128]، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3]، وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 90]، وغيرها من البشارات في القرآن والسنة؛ فأين شهوة ساعة من هذه الكرامات الرفيعة؟! وأين خسارة صبوة الهوى من هذا الجزاء الأوفى؟!

فيا مفاز المتقي *** ورح عبد قد وقي

سوء الحساب الموبق *** وهول يوم الفزع

ويا خسار من بغى *** ومن تعدى وطغى

وشب نيران الوغى *** لمطعم أو مطمع

معاشر المسلمين: ومن ثمار العفة على الفرد والمجتمع: تفريج الكروب؛ كما روى ذلك عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "انطلقَ ثلاثةُ نَفَر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيتُ إِلى غار، فدخلوه، فانحدرتْ صَخرَة من الجبل، فسَدت عليهم الغارَ، فقالوا: إِنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إِلا أن تَدْعُوا الله بصالح أعمالكم، "اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار؛ فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا"(البخاري).

ومنها: الفلاح وثناء الله -تعالى- على أهل العفة، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المؤمنون:1-7].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طُعمة"(رواه أحمد).

ليس الظريف بكامل في ظرفه *** حتى يكون عن الحرام عفيفا

فإذا تعفف عن معاصي ربه *** فهناك يُدعى في الأنام عفيفا.

عباد الله: ومن ثمرات العفة على الفرد والمجتمع: النجاة من عواقب الفواحش؛ فالعفيف ناج من عواقب الشبهات وآمن من أضرارها لأن العفة فضيلة عظيمة والفضيلة سياج للفرد والمجتمع، وإن من أسباب سقوط المجتمعات والشعوب والحضارات تفشي الرذائل والموبقات.

"فطوبى لمن أقبل على الله بكليته وعكف عليه بإرادته ومحبته؛ فإن الله يقبل عليه بتوليته ومحبته وعطفه ورحمته، وإن الله إذا أقبل على العبد استنارت جهاته وأشرقت ساحاته وتنورت ظلماته وظهرت عليه آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال، وتوجه إليه أهل الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة؛ لأنهم تبع لمولاهم فإذا أحب عبدا أحبوه، وإذا والى وليا والوه"(طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم).

وحسب الانغماس بالشهوات ما تلحقها بصاحبها من الخسائر والأضرار في دينه ودنياه وكذا هتك عرضه وسقوطه من أعين الناس مع ما يورثه الضنك وضيق الصدر، ومرض القلب.

فطوبى لمن حصَّن نفسه وأبعدها عن مستنقعات الشهوات وعلق قلبه برب البريات وتلذذ بالآيات.

ومن هذه الثمرات: أن المتعفف عن الحرام وعطايا الخلق عون الله له للغنى والعفاف؛ ففي النسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: سرحتني أمي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيته وقعت فاستقبلني وقال:"من استغنى أغناه الله عز وجل، ومن استعف أعفه الله عز وجل، ومن استكفى كفاه الله -عز وجل-"، وفي الصحيحين عنه أيضاً إن ناسًا سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاهم حتى نفد ما عنده، قال: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر".

اللهم اهدنا بهداك واجعل عملنا في رضاك.

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطــبة الثانـية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

عباد الله: ولأن الأجر يكون لصاحبه على قدر جده واجتهاده؛ وعد الله أهل العفاف بالأجر الكبير والخير الوفير؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كان فيمن كان قبلكم رجل اسمه الكفل، وكان لا ينزع عن شيء. وفي رواية: كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتى امرأة علم بها حاجة، فأعطاها عطاء كثيرا - وفي رواية: ستين دينارا - فلما أرادها على نفسها ارتعدت، وبكت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: لأن هذا عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله؟ فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك ووالله لا أعصيه أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه: إن الله تعالى قد غفر للكفل، فعجب الناس من ذلك، حتى أوحى الله تعالى إلى نبي زمانهم بشأنه"(رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن).

ومن ثمرات العفة: أن العفاف يجمع كل خصال الخير بخلاف الفواحش التي تقود إلى كل شر ورذيلة، قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يعدد لنا خلال الشر الذي تكتسب من هذه الفاحشة الشنيعة الزنى: "والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة؛ فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله؛ فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم، وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته".

ومنها: ظلمة الوجه وسواده وظهور الكآبة على صاحبه؛ إضافة إلى ما يلحقه من المقت في قلوب الناس وبغضهم لأهل الفواحش وأعداء الفضيلة.

ومن ذلك: أن مرتكب الفواحش يسقط من عين الله وكفى بهذه من عقوبة تنخلع لها قلوب العقلاء؛ إضافة إلى أنه يجرد من الأسماء والأوصاف الفاضلة؛ فلا يدعى بعد ارتكاب ذلك بالعفيف والطاهر النقي، بل يصبح الفاجر، الزاني، المجرم عياذا بالله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

عباد الله: اسألوا الله، العفة والعفاف، والتزموا هذا الخلق واجعلوه سياجاً، يحفظ للمرء دينه وكرامته وخلقه؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم-كثيرا ما يدعو "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى"(رواه مسلم).

هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي