كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني ونبارك لبعضنا بدخول شهر رمضان المبارك، هذا الموسم العظيم للمسلمين، وها نحن الآن على مشارف وداعه ونتلقى التعازي على فراقه، وهذه الجمعة هي آخر جمعة في هذا الشهر المبارك لهذا العام، فسبحان مصرف الشهور والأعوام ومدبر الليالي والأيام، وسبحان الذي كتب الفناء على كل شيء وهو الحي القيوم الدائم الذي لا يزول.
أما بعد:
عباد الله: كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني ونبارك لبعضنا بدخول شهر رمضان المبارك، هذا الموسم العظيم للمسلمين، وها نحن الآن على مشارف وداعه ونتلقى التعازي على فراقه، وهذه الجمعة هي آخر جمعة في هذا الشهر المبارك لهذا العام، فسبحان مصرف الشهور والأعوام ومدبر الليالي والأيام، وسبحان الذي كتب الفناء على كل شيء وهو الحي القيوم الدائم الذي لا يزول، (الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62].
فلا إله إلا الله، كم من الذين يتمنون حضور هذا الشهر ولكن حال بينهم وبينه هادم اللذات ومفرق الأحباب والجماعات، وكم من الذين حضروه ولكنهم لم يقيموا له قدرًا ولا وزنًا، سهر بالليل على المحرمات أو المكروهات، ونوم بالنهار عن الذكر والتلاوة وجميع الطاعات، قد بلغوا الغاية في التفريط بأثمن الأوقات، ألا يعلم كل مفرط في هذا الموسم العظيم أنه ربما يأتيه رمضان القادم وهو تحت أطباق الثرى؟! فهل ينفع الندم على التفريط بعد فوات الأوان؟! (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:99، 100].
يقول المفرطون بعد الموت إذا رأوا الحسرات على التفريط، يقولون: ربنا أعدنا إلى الدنيا فسوف نجتهد بالأعمال الصالحة، بالصلاة والصيام والقيام والصدقة ولا نفرط في شيء أبدًا، فهل يعودون؟! لا والله، بل هم مرتهنون في حياة برزخية، إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار والعياذ بالله من ذلك. فلو كان أهل القبور ينطقون لقالوا للأحياء: تزوّدوا فإن خير الزاد التقوى.
وأوصيكم ونفسي المقصرة باغتنام ما بقي من ساعات هذا الشهر، فما بقي منه إلا القليل، فاجتهدوا -رحمكم الله-، وارفعوا أكف الضراعة إلى الله، وادعوه مخلصين له الدين؛ لعلكم أن توافقوا ساعة إجابة، فتكون سعادتكم في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة في الله: إن رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق من ساعاته إلا القليل.
سلام من الرحمن كل أوان *** على خير شهر قد مضى وزمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة *** فما الحزن من قلبِي عليك بفان
أيها الإخوة في الله: إن قلوب الصالحين إلى هذا الشهر تحنّ، ومن ألم فراقه تئن، وكيف لا وقد نزلت فيه رحمة رب العالمين؟! كيف لا تدمع على فراقه عيون المحبين وهم لا يعلمون هل يعيشون حتى يحضرونه مرةً أخرى أم لا يعيشون؟!
تذكرت أيامًا مضت وليالي *** خلت فَجَرَتْ من ذكرهنّ دموع
ألا هل لَها من الدهر عودة؟! *** وهل لي إلى وقت الوصال رجوع؟!
وهل بعد إعراض الحبيب تواصل؟! *** وهل لبدور قد أفلن طلوع
نعم ولله -يا إخوة الإسلام-، إن القلوب لتحزن عند فراق هذا الحبيب، شهر الصيام والقيام، شهر المحبة والألفة، شهر الرحمة والغفران، شهر البركة وانشراح الصدور، شهر رفع أكف الضراعة إلى الله، شهر العبرات والبكاء من خشية الله، فكم من معرض عن الله عاد إلى الله في هذا الشهر، وكم من إنسان مستوجبٍ دخول النار أعتقه الله من دركاتها، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من العتقاء من النار.
أيها المؤمنون: وإن مما شرع الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك صدقة الفطر؛ لتكون آية على الشكر وسببًا لتكفير الإثم والوزر، وتحصيل عظيم الأجر، وطعمة للمساكين ومواساة لفقراء المسلمين، وهي زكاة بدن تلزم كل مسلم يفضل عن قوته وقوت أهله ومن تلزمه نفقتهم، وهي صاع من طعام تخرج عن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين.
وخصها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من القوت؛ لأنه هو الذي تحصل به المواساة، فتخرج من قوت البلد، وإن كان من الأنواع المنصوصة فهو أفضل، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها -يعني صدقة الفطر- في زمان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، فالأفضل الاقتصار على هذه الأصناف المذكورة، فإن لم توجد يخرج من بقية أقوات البلد، فإن المقصود مواساة الفقراء وسد حاجة المساكين يوم العيد؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "أغنوهم في هذا اليوم عن الطواف"، ولكن تذكروا قول الله -عز وجل-: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92].
عباد الله: المقدار الواجب من زكاة الفطر صاع، وذلك يساوي حوالي كيلوين ونصفًا تقريبًا، وأفضل وقت لإخراجها بعد غروب شمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وتدفع لمستحقيها من أصناف الزكاة الثمانية، وأولاهم الفقراء والمساكين.
فاتقوا الله -عباد الله-، وتقربوا إلى الله بما شرع لكم، وتذكروا أن الآجال قواطع الآمال، واستحضروا سرعة الوقوف بين يدي الكبير المتعال، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
أما بعد:
عباد الله: إنكم الآن في ختام الشهر، ولم يبق منه إلا القليل، فمن كان في شهره مسيئًا فليتب إلى الله توبة نصوحًا، وليلج باب التوبة ما دام مفتوحًا، قبل غلق الباب وطي الكتاب.
إخوة الإيمان: اعمروا المساجد بالمحافظة على الصلوات، وحضور الجمع والجماعات، والتزود من النوافل وجميع الطاعات، وتذكروا قول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كمن صام الدهر".
ومن فضل الله علينا أن شرع لنا في ختام هذا الشهر المبارك عبادات نتزود بها من الله قربًا ونعمل بها شكرًا، فمن ذلك التكبير ليلة العيد إلى صلاة العيد، وصفته: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، وذلك في المساجد والأسواق والبيوت وغيرها، يجهر بها الرجال ويسرّ بها النساء، وهذه السُّنَّة قد أميتت عند كثير من المجتمعات.
اللهم اجعلنا عندك من المقبولين، ولا تردنا خائبين، واختم بالصالحات أعمالنا يا رب العالمين.
عسى وعسى من قبل وقت التفرق *** إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي
فيجبَر مكسور ويقبل تائب *** ويعتق خطَّاء ويسعد من شقي
عباد الله: إن الله يأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي