ومن الأمور المهمة في هذا الباب والمتأكدة على كل مسلم أن يفهم مدلولَ هذه الكلمة ومعناها؛ ليكون ذكره لله -عز وجل- بعلم وفهم وإدراكٍ لمعناها، قال الإمام النووي -رحمه الله- عن معنى هذه الكلمة...
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المؤمنون: ذكرَ الله ودعائَه، هو خيرُ ما أُمضِيت فيه الأوقات، وصُرفت فيه الأنفاس، وأفضلُ ما تقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وهو مفتاحٌ لكل خير يناله العبد في الدنيا والآخرة، وإن من الكلمات العظيمة، التي جاءت النصوص النبوية، بتفضيلها وبيان عظم شأنها هي الحوقلة، وهي قول: "لاحول ولا قوة إلا بالله".
هو ذكر جميل وتفويض جليل، ذكر وقاية وكفاية، وانشراح وهداية، كلمات معدودات مليئة بالمعاني والأجور الوافرات، فيها ما فيها من التوحيد والإجلال، والتوقير للرب المتعال، وفيها من التوكل والاستعانة بالله -سبحانه- ما يُريح البال، ويغير الأحوال.
أوصى بهذا الذكر نبينا -صلى الله عليه وسلم- لعدد من أصحابه، وحثهم على الإكثار منه؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ" أَوْ قَالَ: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"(متفق عليه)، وعَنْ حَازِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: "يَا حَازِمُ أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ"(رواه ابن ماجه)، "ومعنى الكنْز هنا أنّه ثواب مدّخر في الجنّة، وهو ثواب نفيس، كما أنّ الكنْزَ أنفسُ أموالكم"(النووي).
وهي باب من أبواب الجنة؛ فعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ؟"، قُلْتُ: بَلَى؟ قَالَ: لا حول ولا قوة إلا بالله. (رواه الترمذي)؛ فهذه الكلمة العظيمة هي كنز من كنوز الجنة، وباب من أبوابها، فأكثروا من ذكرها.
وهي من الباقيات الصالحات؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "استكثروا من الباقيات الصالحات "قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التكبير، والتهليل، والتسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله"(رواه أحمد وابن حبان)
وهي غراس الجنة كما روى الإمام أحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم عن أَبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ -عليه الصلاة والسلام-، فَقَال: "يا محمد! مُرْ أُمَّتَكَ أن يُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ"، فَقالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟"، قَالَ: لا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الإخوة: ومن الأمور المهمة في هذا الباب والمتأكدة على كل مسلم أن يفهم مدلولَ هذه الكلمة ومعناها؛ ليكون ذكره لله -عز وجل- بعلم وفهم وإدراكٍ لمعناها، قال الإمام النووي -رحمه الله عن معنى هذه الكلمة العظيمة-: "كلمةُ اسْتسلامٍ وتفويضٍ إلى الله تعالى، واعْترافٍ بالإذعان له، وأنّه لا صانع غيره، ولا رادّ لأمره، وأنّ العبد لا يملك شيئاً من الأمر، وليس له حيلة في دفع شرٍّ، ولا قوة في جلب خير، إلا بإرادة الله -تعالى-"، وقال ابن رجب -رحمه الله-: "فإنّ المعنى: لا تحوّل للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلاّ بالله".
عباد الله: إن لا حول ولا قوة إلا بالله فيها تحقيق لعبادة الاستعانة بالله -تعالى-، والتوكل عليه في أمور الدين والدنيا، ولذا نجد أن الشرع أوصى بذكرها في مواضع الاستعانة بالله –سبحانه-؛ فعند سماع الأذان، شرع لنا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله بعد قول المؤذن: "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"؛ أي لا قدرة لنا على الاستجابة لهذا النداء إلا بإعانة الله وتوفيقه.
وإذا خرج الرجل من بيته فهو مدعو لقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فعن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ: هديت ووقيت وكفيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدِي وكُفِي ووُقِي؟"(صححه الألباني).
وإذا قام المسلم من نومه وجاء بهذه الكلمة العظيمة مع غيرها من الدعوات؛ ففي الحديث: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ؛ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ"(رواه البخاري).
أيها الأحبة: إن هذه الكلمة من أسباب مغفرة الذنوب ولو كثرت؛ فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"(وحسنه الألباني).
وقال ابن القيّم -رحمه الله- في فضلها: "لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمُّل المشاق، والدخول على الملوكِ ومن يُخاف، وركوب الأهوال، ولها أيضاً تأثير عجيب في دفع الفقر".
وبيّن -رحمه الله- أنّ لهذه الكلمة تأثيراً قوياً في دفع داء الهم والغم والحزن؛ لما فيها من كمال التفويض والتبري من الحول والقوة إلاّ به -سبحانه-، وتسليم الأمر كلّه له، وعدم منازعته في شيء منه، ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-عن هذه الكلمة: "بِهَا تُحْمَلُ الْأَثْقَالُ وَتُكَابَدُ الْأَهْوَالُ وَيُنَالُ رَفِيعُ الْأَحْوَالِ".
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
الحمدُ للهِ المذكورِ بكلِ لسان، المشكورِ على كلِ إحسانٍ، والصلاة والسلام على عبده من عدنان، وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبعهم بإحسان، وبعد:
عباد الله: نسمع كثيرا من الناس من يُخطئ في ذكره لله -عز وجل بهذه الكلمة، ويقلب معناها إلى معنىً باطل وهو لا يشعر، ومن أمثلة ذلك ما درج على ألسُنِ بعض الناس من قولهم: لاحولَ لله؛ أي لا قوة لله، وأن الله لا يقدر على تحويل الأمور، وهذا كلام باطل، بل هو كلام كفري خطير إن قصده الشخص وتعمد معناه، وفيه تنقص من حق الله -عز وجل-، تعالى الله وتقدس عن ذلك؛ فلا يجوز ذِكرُ هذه الكلمة بهذه الصورة، التي يقلبها الشيطان على العبد، ويتلاعب به في ذكره لربه.
ومن الأخطاء في التلفظ بهذا الذكر أن يقوله بعض الناس عند المصيبة أو سماع فاجعة، أو خبر مكروه، وهذا خطأ؛ لأن هذه الكلمة هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الكلمة كلمة استعانة لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعًا لا صبرًا".
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وليست هذه الكلمة كلمة استرجاع كما يفعله كثير من الناس، إذا قيل له: حصلت المصيبة الفلانية، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن كلمة الاسترجاع أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ أما هذه الكلمة فهي كلمة استعانة، إذا أردت أن يعينك الله على شيء فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله".
فحري بنا أن نلزم هذا الذكر ونتشبث به؛ فطلب عون الله يحتاجه كل إنسان، الطائع والعاصي، والصحيح والمريض ، والمعافى والمبتلى، والغني والفقير والمكروب والمهموم، والملهوف والفقير.
ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
----------------
مستفادة من خطبة الحوقلة؛ د. إبراهيم العجلان
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي