بر الوالدين وشيء من صوره

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. تفاضل الأعمال الصالحة في الثواب والجزاء .
  2. فضائل بر الوالدين .
  3. من صور البر بالوالدين .
  4. من صور بر الوالدين عند السلف .
  5. صور مشرقة من البر بالوالدين في هذا العصر. .

اقتباس

خيبةً وتعساً وخساراً وبواراً لمن أدرك والديه أو أحدهما ولم يرضيا عنه ولم يقم بواجب بره بهما، محروم والله من لم يذق طعم البر، محروم والله من بخل على والديه بماله، محروم والله من عقَّ والديه وآذاهما..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمر ببر الوالدين وجعله من أعظم الأعمال الصالحة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: إنَّ خير الوصية: الوصية بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوه وأنيبوا إليه واستغفروه (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131].

معاشر المسلمين: إنَّ من الأعمال الصالحة أعمال يغفل عنها كثيرون مع أنَّ أجورها عظيمة، والأعمال الصالحة كلها لها فضل إلا أنَّ بعضها أفضل من بعض وإنَّ من أفضل الأعمال الصالحة بعد الصلاة المفروضة بر الوالدين، وهو يحتاج إلى صبر ومجاهدة، فالبر بالوالدين من أعظم صلة الرحم أجراً، وهو الإحسان إليهما فعلاً وقولاً والرفق بهما ورعايتهما وخدمتهما مبادرة، وإجابة لما يطلبانه والسعي في حاجتهما ولين الجانب والقرب منهما زيارة واتصالاً، وأن يقول لهما قولاً جميلاً حسناً، أحسن ما يجد من الكلام وأرقِّه وأطيبه، لا أن يرفع صوته عليهما ولا أن يخاطبهما بغليظ القول، سئل الحسن -رحمه الله- مَا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ؟ قَالَ: "أَنْ تَبْذُلَ لَهُمَا مَا مَلَكْتَ، وَأَنْ تُطِيعَهُمَا فِي مَا أَمَرَاكَ بِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً"(مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/ 176) حديث رقم (9288).

معاشر المسلمين: قال الله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:23-24]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر"(تفسير السعدي ص: 456).

وعن مجاهد قال: "لا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول، كما كانا يميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما" (تفسير الطبري 17/ 415)، وقال الإمام الطبري رحمه الله: "كن لهما ذليلاً رحمةً منك بهما، تُطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا"(تفسير الطبري 17/ 418).

عباد الله: إنَّ البر بالوالدين من أحب الأعمال إلى الله، عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه-، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَاقَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِقَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"(أخرجه البخاري 527). وفي لفظ عند مسلم "أيُّ الأعمال أقرب إلى الجنة".

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوْ احْفَظْهُ"(أخرجه الإمام أحمد 27511 والترمذي 1900).

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ، أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ. فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟"، قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: "الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا"(أخرجه الإمام أحمد 15538، والنسائي 3104)، ومعنى الحديث: "أي نصيبك من الجنة لا يصل إليك إلا برضاها، وكأنه لها، وهي قاعدة عليه، فلا يصل إليك إلا من جهتها". "انظر: حاشية السندي على سنن النسائي 6/ 11).

ومن صور البر -يا عباد الله- أن يسعى جاهداً في التماس رضا والديه؛ فإنَّ رضا الله متعلق برضاهما، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رِضَا الرَّبِّ في رَضَا الوَالِدَيْنِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِهِمَا"(أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 14368، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3507).

ومن كان بوالديه باراً فلا يغرَّنه ذلك البر فيقول: لقد جزيتُ والديَّ وأديت حقهما كاملاً، فإنَّه مهما تفانى خدمةً لهما وطلباً لرضاهما فإنَّه لا يبلغ جزاءهما، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"(أخرجه مسلم 1510).

وعن أبي بردة؛ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ، ورجلٌ يمانيٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ -حَمَلَ أُمَّهُ وراء ظهره-يقول:

إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلِ *** إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ

ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ! أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: "لَا. وَلَا بِزَفْرَةٍ واحدة"(أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص: 36 وصححه الألباني).  وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "ليعلم البار بالوالدين أنَّه مهما بالغ في برهما لم يفِ بشكرهما"(بر الوالدين ص: 1).

ومن صور بر الوالدين -يا عباد الله- الاعتراف بفضلهما والدعاء لهما؛ فعَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَكِبَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عَلَيْكِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أُمَّتَاهُ، تَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَقُولُ: رَحِمَكِ اللهُ رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، وَأَنْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا"(أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص: 37 وحسنه الألباني).

وإنَّ الدعاء للوالدين بالمغفرة يرفع الله به درجتهما في الجنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "تُرْفَعُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ دَرَجَتُهُ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: وَلَدُكَ اسْتَغْفَرَ لَكَ"(أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (36) وحسنه الألباني).

معاشر المسلمين: إنَّ البر بالوالدين من أعظم أسباب دخول الجنة، ولقد كان الصحابي الجليل حارثة بن النعمان -رضي الله عنه- من أبرِّ الناس بأمِّه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نِمْتُ، فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ" وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ. (أخرجه الإمام أحمد 25182 وصححه الألباني في الصحيحة برقم 913).

وكان من بره بأمِّه أنه يفلي رأسها ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاماً قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ما أرادت أمي؟ (بر الوالدين لابن الجوزي، صفحة 5). لحيائه منها وعظيم تقديره لها.

ومن سلف هذه الأمة من اشتُهر ببره بوالدته حتى إنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يسأل عنه أمداد أهل اليمن، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ"(أخرجه مسلم 2542).

وأويس بن عامر -رحمه الله ورضي عنه- هو خير التابعين وأعظمهم صلاحاً إضافة إلى عظيم برِّه بأمِّه فإنَّه من الزاهدين في الدنيا، المبتعدين عن ملذاتها، بلغ من صلاحه أنَّه لو أقسم على الله لأبرَّه، كما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وصور البر عند السلف كثيرة، منها أنَّ عمرَ بنَ ذرٍّ لمَّا مات ابنه قيل له: كيف كان بِرُّه بك؟ قال: "ما مشى معي نهاراً إلا كان خلفي، ولا ليلاً إلا كان أمامي، ولا رقد على سطح أنا تحته"(بر الوالدين لابن الجوزي ص: 6).

معاشر المسلمين: إنَّ البرَّ يضفي على صاحبه بركة في العمر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ"(أخرجه الإمام أحمد 22386، وابن ماجه 90، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم 154).

فهنيئاً لمن رزقه الله بر والديه، فإنَّه هو الموفق الذي نال أجراً عظيماً، وجزاء جزيلاً في الآخرة بأن يُدخله الله الجنة، وإنكم تجدون البار بوالديه أسعد الناس وأهنئهم عيشاً وأشرحهم صدراً وأصلحهم حالاً ومآلاً، وكثير من الوجهاء والشرفاء هم من أعظم الناس برَّاً بوالديهم، اللهم ارزقنا البر بآبائنا وأمهاتنا واغفر لنا ولهم يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ نبينا محمداً رسول رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون وأحسنوا إلى آبائكم وأمهاتكم كما أحسنوا إليكم.

معاشر المسلمين: من صور البر بالوالدين: صلة صديقهما والسؤال عن أحوال أولئك الأصدقاء وتفقدهم والإحسان إليهم بما يستطيع، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: "أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ" وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ"(أخرجه مسلم 2552).

عباد الله: في هذا العصر صور مشرقة من البر بالوالدين وهي كثيرة ولله الحمد والمنَّة، ولعلكم رأيتم من يحمل أباه أو أمه على ظهره في موسم الحج أو في العمرة، حيث يأتون بآبائهم وأمهاتهم من أقاصي الأرض ليحجوا بهم ويخدمونهم ويتلطفون معهم ويرفقون بهم، في صور تُذكِّرنا ببر السلف بآبائهم وأعرف منهم من هؤلاء البررة الأخيار من يمكث في تنظيف والده وتعميم جسمه بالماء وتدهينه وتطييبه ساعتان أو ثلاث، لم يكل ذلك إلى الخدم، بل هو الذي يتولى ذلك بنفسه ملتمساً رضا والده يترفق به ويُحسن إليه، فجزاه الله خيراً.

ومن صور البر المعاصرة أنَّ أحدهم يذهب بوالده إلى المسجد كلَّ فريضة ممسكاً بيده لم يرض أن يذهب به سائق أو خادم، بل هو ذلك الابن البارّ الذي حاز قصب السبق وجزيل الأجر.

ومن صور البر المعاصرة: أنَّ أحد الأبناء البررة حبس نفسه على خدمة والديه بعد أن كبرا في السن، من حين يأتي من عمله إلى أن يذهب إليه وهو في خدمتهما أحسن خدمة.

ومن صور البر المعاصرة: أنَّ أحدهم وهو في السبعين من عمره هو الذي يخدم والدته ويلبي رغباتها ويفعل ما تأمره به، مع أنَّ عنده أبناء بررة إلا أنَّه لا يرضى أن يسبقه أبناؤه في بره بوالدته.

هذه صور مشرقة في البر عند السلف وعند المعاصرين فاحرصوا يا عباد الله على البر بآبائكم وأمهاتكم في حياتهم وبعد مماتهم.

عباد الله: ما بال أقوام تقاصرت همهم عن البر، فيُدخلون على آبائهم وأمهاتهم ما تضيق به صدورهم، ويبخلون عليهم بالخدمة وبالمال، ويرفعون أصواتهم عليهم، ويخالفونهم فيما يأمرونهم به، ما بال أقوام لا يُدخلون السرور على آبائهم وأمهاتهم، خيبةً وتعساً وخساراً وبواراً لمن أدرك والديه أو أحدهما ولم يرضيا عنه ولم يقم بواجب بره بهما، محروم والله من لم يذق طعم البر، محروم والله من بخل على والديه بماله، محروم والله من عقَّ والديه وآذاهما، اللهم أصلح لنا في نياتنا وفي ذرياتنا.

معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]؛ اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده وارزقهما بطانة صالحة ناصحة تدلهم على الخير وتعينهم عليه وأبعد عنهما بطانة السوء، اللهم أصلح أحوال المسلمين وول عليهم خيارهم ووفق ولاة أمور المسلمين للحكم بكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وانصر قوات التحالف العربي وأهلنا في اليمن ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الحوثيين وأعوانهم.

اللهم عليك بأعداء الدين الذين يحاربون دينك ويكذبون رسلك مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وصُبَّ عليهم سوطا من عذاب.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين وأصلح قلوبنا وأعمالنا وأصلح لنا في ذرياتنا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، أغثنا برحمتك وجودك وكرمك وإحسانك.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً برحمتك يا أرحم الراحمين (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201] (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات:180-182]


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي