وسائل التواصل الاجتماعي .. الآثار والعلاج

عبد الله بن محمد الطيار

عناصر الخطبة

  1. تيسير التواصل والاتصالات بين الناس نعمة كبيرة
  2. إيجابيات استخدام الشبكات الاجتماعية ومواقع الإنترنت
  3. سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي
  4. سبل الوقاية من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم المعاد، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: تعددت نعم الله -جل وعلا- على عباده فأصبح الناس لا يستطيعون عدها، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: الآية 18].

ومن تلك النعم التي أسبغها الله -جل وعلا- على عباده: وسائلُ التواصل الاجتماعي، كالهواتف، والبرامج، والمواقع. فهي نعمة عظيمة لمن استغلها الاستغلال المفيد، واستعملها فيما يرضي الرب المعبود.

 فبعد أن كان الناس يعانون من قلة التواصل فيما بينهم، وصعوبة الوصول إلى المواقع المهمة، وتحصيل المعلومات الضرورية لحياتهم، أصبحت الأمور أكثر تيسيراً وعوناً على ذلك بعد ظهور وسائل التواصل الحديثة، فالحمد لله على تتابع نعمه وآلائه على عباده.

لقد أصبح العالم بما فيه من قارات، ودول، ومدن، كالقرية الصغيرةِ بسبب وجود شبكات الإنترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين الناس.

وقد حظيت بانتشار كبير على الصعيد المحلي والعالمي، وأصبح أغلب البشر من مختلف الجنسيات واللغات كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً يستخدمونها، ويتواصلون عن طريقها بيسرٍ وسهولةٍ، وبدون حواجز جغرافية، أو حدود دولية، مع تنوع برامجها ووسائلها، وسهولة استخدامها، وقلة تكلفتها.

عباد الله: ومن إيجابيات استخدام تلك الشبكات والمواقع ما يلي:

1- أنها تسمح للمستخدمين لها بالتواصل مع الأصدقاء عبر المدونات، والكتابات، والمحادثات الصوتية والفيديو، وتبادل الصور والمقاطع الصوتية والمرئية، ونقل الأخبار والأحداث المهمّة التي تحدث في جميع أرجاء العالم.

2- أنه يمكن استخدامها للتواصل مع جميع فئات المجتمع، كالأقارب والأصدقاء والطلاب والمدرسين، وغيرهم.

3- أنها أصبحت من ضروريات الحياة اليومية، فأغلب الشباب والفتيات في وقتنا الحالي أصبح ميّالاً لاستخدامها أكثر من نشاطهم العملي على أرض الواقع.

4- تعتبر من أقصر الطرق للتعامل مع الدوائر الحكومية؛ من حيث سهولةُ وصولِ المستخدمين لخدماتها، وقضاءِ حوائجهم، ومعاملاتهم بيسر وسهولة ودون أدنى مشقة، مما ترتب عليه توفير الكثير من الوقت والجهد والمال.

5- أنه يمكن عن طريقها مشاركة جميع مستخدميها بدون النظر إلى انتماءاتهم أو ديانتهم أو لغاتهم أو جنسياتهم أو بلدانهم، مما يتيح إمكانية الدعوة إلى دين الله تعالى ونشره بين العالمين.

6- أنها تعتبر من أهم وسائل الدعاية والإعلان والتواصل بين الشركات التي تروّج منتجاتها وبين المشترين الذين يبحثون عن مبتغاهم؛ من خلال هذه المواقع بدون أدنى مشقة عوضاً عن النزول للأسواق ومعاناة البحث المضني.

7- أنها تعتبر مركزاً مهمّاً لعرض الوظائف المختلفة، للتيسير على الباحثين عن العمل، أو وظائفَ معينة.

8- أنّها تعمل على توفير روابط المواقع المهمة للجامعات والمعاهد والكليات للشباب الباحث عن منحٍ دراسيّة، أو طلب الدراسة بها.

9- أنها تساهم في نشر العديد من الأحداث المهمة، كالمؤتمرات، والندوات، والمحاضرات، والأنشطة الإنسانيّة والخدمية.

10- أنها تساهم بشكل كبير في نشر الوعي الصحي بين الناس، عن طريق النشرات، والرسائل، والكتب، والكتابات المختلفة التي تبين للناس خطورة بعض الأمراض وكيفية التعامل معها والوقاية منها.

عباد الله: هذه بعض الإيجابيات حول وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي.

أما عن سلبياتها فهي كثيرة ومنها:

1- التعلق بها، وإدمانُ التعامل معها، والجلوسُ أمامها ساعات طويلة تؤثر سلباً على حياة من يتعامل معها من الناحية العلمية، والعملية، بل وتسبب الكثير من الأمراض النفسية، والعقدية، والبدنية.

2- العزلة عن المجتمع: فأغلب من يتعامل مع هذه البرامج والمواقع ينعزلون وينقطعون عن التواصل مع من حولهم، فيجلسون في غرفهم، أو أماكن بعيدة عن الناس، مما يؤثر تأثيراً بليغاً على حالة الشخص وعدم توازنه.

3- ضياع الكثير من الوقت، وهدرُه دون أدنى حسيب، ودون فائدة تُرجى، بل إن ذلك يتسبب في تضييعه لكثير من الواجبات والنوافل، بسبب انشغاله بها، وانكبابه عليها، وهذا من أكبر الخسارة للعبد.

4- نشرُ الأفكار الهدامة والمنحرفة بين فئات الشباب المختلفة، عن طريق النشرات، والمقاطع الصوتية والمرئية الحماسية التي تدعوا إلى تقليدهم، والسيرِ خلفهم، والاستجابةِ لأفكارهم الضالة، وما وقع في زماننا هذا من نشرٍ للفكر الضال ووقوعِ اعتداءات على الحرمات والأنفس إلا بسبب التأثر بتلك الأفكار الخطيرة، التي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح، بل من ورائها شر عظيم يراد بهذا البلد ودينه وأهله وقيادته.

5- نشرُ الفساد الاعتقادي والانحلال الأخلاقي بين المسلمين: عن طريق مواقع مخصوصة، وضعها أعداءُ الدين لنشر شبهاتهم وضلالاتهم، ونشرِ العقائد الهدامة والمخالفة لشريعة الإسلام، ونشر المواقع الإباحية التي تنشر الصور والمقاطع وتروج للزنا واللواط ونشرِ الفاحشة بين المسلمين.

6- قضاءُ الأطفال لساعاتٍ طويلة بشكل منفرد مع تلك التقنيات يؤثر سلبًا على مهاراتهم الاجتماعية، والأخلاقية؛ حيث ظهرت على الكثير منهم بوادرُ العنف، والتقليد، ومحاكاةِ أخلاق الآخرين.

7- انصرافُ أحدِ الزوجين أو كليهما إلى استعمال تلك الوسائل، مما يسبب التقصير في حقوق الآخر، ويضيع على الأسرة في كثير من الأحيان أوقاتًا يحتاجها الأولاد في تربيتهم، وتقوية العلاقات الأسرية بينهم.

8- نشرُ الشائعات، والأخبار الكاذبة، والنشرات المسيئة للأفراد والمجتمعات والدول، مما يترتب عليه مفاسدُ عظيمة، كالعداوة والبغضاء والتفرق والاختلاف والاقتتال.

9- حصولُ علاقات مشبوهة وعلاقات محرّمة ومكالمات غير نزيهة بين الجنسين، مما يترتب عليه حدوث حالات ابتزاز ووقوعٍ في المحرم.

أسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾ [سورة العصر: 1- 3].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أنه يجب علينا جميعًا الانتباهُ لخطورة تلك الوسائل والمواقع لئلا يحدث ما لا يحمد عقباه.

ومن الأسباب الواقية التي ينبغي عملُها تجاه تلك الوسائل ما يلي:

أولاً: على مؤسسات الدولة دورٌ كبيرٌ في توعية أفراد المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص بأضرار وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الشبكة العنكبوتية -الإنترنت-، وتوجيههم إلى استغلالها الاستغلالَ الأمثلَ الذي يعود عليهم وعلى مجتمعهم ووطنهم بالنفع والخير.

ثانياً: أهميةُ دورِ الآباء والأمهات في رعاية ووقاية الأبناء من مخاطر تلك الوسائل، من خلال مراقبتهم ومنعِهم من الجلوس أمام هذه الوسائل والمواقع لساعاتٍ طويلة، أو منفردين، ومتابعتِهم والتعرفِ على أصدقائهم ومن يتواصلون معهم، لكي لا يفاجئوا بأن أولادَهم قد تأثروا بالأفكار المنحرفة، والأعمال الخطيرة.

ووصيتي لأولياء الأمور التقربُ لأولادهم، وتكوينُ صداقات معهم، ومجالستُهم ومحاورتُهم فيما يَعرضُ لهم من الشبهات الباطلة، وتفنيدُها وتصحيحُها، وتبصيرُهم بخطورة الشائعات والأخبار الكاذبة، والصحبة الخفية التي يتعرفون عليها من خلال تلك المواقع.

ثالثاً: ينبغي على وسائل الإعلام التعاونُ في نشر الوعي الثقافي حيال تلك الوسائل والمواقع، والتذكيرُ بخطورتها وأضرارها، وكيفيةِ الاستفادةِ منها في مجال التعليم والتجارة وغيرهما.

رابعاً: استغلالُ تلك الوسائل والمواقع في الدفاع عن دين الله -جل وعلا- ضدَّ الهجمةِ الشرسة التي يتعرض لها، وشرحِ مبادئه وقيمهِ وتعريفِ العالم بعظمته، ودحض الشبهات الباطلة التي تحاك ضده، استجابةً لقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125].

خامساً: تقويةُ وسائلِ التواصل بين القيادات الفاعلة في الدولة والمواطنين لكسرِ الحواجز وتعزيزِ اللحمةِ الوطنيةِ وتقويتِها.

أسأل الله -جل وعلا- أن يحفظ علينا ديننا وأمننا واجتماع كلمتنا، ووحدة صفنا، وعلمائنا، وولاة أمرنا، وأن يحفظ شبابنا وفتياتنا، وأن يهديهم إلى صراطه المستقيم.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56].


تم تحميل المحتوى من موقع