ونظرًا لأن محبة آل بيت نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمر تهفو إليه النفوس، فقد نفذ من هذا الباب من استغله وتاجر به واستخدمه من ادعى خدمته منذ القرن الأول من عمر هذه الأمة إلى يومنا هذا، تحت شعار محبة آل البيت والانتصار لهم، برزت مطامع مادية واندس شانئون لهذا الدين وأهله، يهدمون أساسه حتى غيرت معالم الدين، ونبتت الفرقة، فطالوا أهم ما فيه...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: الشريف في ذاته يفيض بالشرف على من حوله، والكريم في معدنه يسري كرمه في المحيطين به، انظر إلى زجاجة العطر كيف تبقى فواحة بعد نفاد ما فيها، وكذلك بعض البشر تفيض بركة على من حولها، وتتعداها إلى غيرها، كثير من سلالة إبراهيم -عليه السلام- غدوا أنبياء، وأنصار عيسى -عليه السلام- صاروا حواريين، وصحابة محمد -صلى الله عليه وسلم- شرفوا بالصحبة، وأزواجه أمهات المؤمنين ونسله استحقوا وصف الشرف والسادة.
كيف لا وفيهم من دمه دم، ومن روحه نبض، ومن نوره قبس، ومن شذاه عبق، ومن وجوده بقية، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وعلى صحابته وسلم تسليماً كثيراً.
فلكرم النبي -صلى الله عليه وسلم- كرمت ذريته، ولشرفه شرف آل بيته، وكانت مودة آل بيته ومحبته جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، رعوها على مر الزمان كما رعوا باقي الشريعة، وأقاموها كما أقاموا بقية أحكام الدين.
عباد الله: آل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمعنى الخاص هم أقاربه الذين حرمت عليهم الصدقة وأزواجه وذريته؛ قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم وقرآنه العظيم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب:33]، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في أزواجه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن ما قبلها وما بعدها كله خطاب لهن -رضي الله عنهن-؛ فعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ خَرَجَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ جَاءَ عَلِىٌّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (صحيح مسلم 2424). خلافاً لما يدعيه الرافضة، فهم يضيفون ويدخلون في آل النبي -صلى الله عليه وسلم- الأئمة الاثنا عشرية، وهذا لم يرد فيه نصٌّ.
وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، وهذا يفسر اللفظ الآخر للحديث: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد"، فالآل هنا هم الأزواج والذرية خلافاً لما عليه الرافضة -قبحهم الله- فإنهم لا يدخلون أزواجه في آله عليه الصلاة والسلام.
عباد الله: وفضائل آل البيت في مذهب أهل السنة والجماعة كثيرة، فهم يعرفون لآل النبي -صلى الله عليه وسلم- قدرهم، ويبذلون المودة لهم، ويحبونهم ويوالونهم، شهدت بذلك عقائدهم المدونة وتفاسيرهم المبسوطة، وشروحات السنن وكتب الفقه، كيف لا وهم وصية نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهم بقيت، يقول عليه الصلاة والسلام: "أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي" (رواه مسلم)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" (رواه البخاري).
وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فاطمة بَضعة مني، فمن أغضبها أغضبني"، وفي رواية في الصحيحين: "فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما آذاها".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للحسن: "اللهم إني أحبه فأحب من يحبه".
وروى البخاري -رحمه الله-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أنت مني وأنا منك"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحسن بن علي رضي الله عنه: "إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" (رواه البخاري).
عباد الله: وقد عرف أهل السنة والجماعة لآل بيت النبوة فضلهم ومكانتهم، ومن طالع مؤلفات ودواوين كتب السنة والجماعة، علمهم تقديرهم لهم وإنزالهم منازلهم اللائقة بهم من غير إفراط ولا تفريط؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- قال: "ارقبوا محمداً في أهل بيته".
وفي الصحيحين أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليّ أن أصل من قرابتي".
وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شهد بالرضا لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والسبق والفضل.
ولما وضع عمر -رضي الله عنه- الديوان بدأ بأهل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول للعباس: "والله لإسلامك أحب إليّ من إسلام الخطاب؛ لحب النبي -صلى الله عليه وسلم- لإسلامك".
كما استسقى عمر -رضي الله عنه- بدعاء العباس، وأكرم -رضي الله عنه- عبد الله بن العباس وأدخله مع الأشياخ، كل ذلك في صحيح البخاري وغيره.
أيها المسلمون: روى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- عن عبد المطلب بن ربيعة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمه العباس: "والله لا يدخل قلب مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحبون أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتولونهم، ويحفظون وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم، حيث قال: "أذكركم الله في أهل بيتي" (رواه مسلم)".
وقال الطحاوي -رحمه الله تعالى-: "ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبُّهم دين وإيمان وإحسان، وبُغضهم كفرٌ ونفاق وطغيان، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزوجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برأ من النفاق".
إن مذهب أهل السنة والجماعة زيادة حبهم وتعظيمهم واقتفاء أثرهم، والدفاع عنهم وعن منهجهم، وعن منهج أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد اتخذوا ذلك ديناً وقربة إلى الله -عز وجل-.
عباد الله: ولآل بيت محمد -صلى الله عليه وسلم- حقوق نجملها بما يلي:
أولاً: حقهم في الخمس والفيء كما قال الله عز وجل: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)[الأنفال:41]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "فآل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخُمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم، مع الصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم-".
ومن حقوقهم: اليقين الجازم بأن نسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونسب ذريته هو أشرف الأنساب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
وأيضاً من حقوقهم: تحريم الزكاة عليهم، وذلك لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ؛ ففي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وأما تحريم الصدقة عليهم، فحرمت عليه -عليه الصلاة والسلام- وعلى أهل بيته؛ تكميلاً لتطهيرهم، ودفعاً للتهمة عنهم".
وذكر شيخ الإسلام أن آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حُرموا من الخُمس والفيء، وانقطع ذلك عنهم؛ فإنه يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة.
ومن حقوقهم: زيادة محبتهم ومودتهم ونصرتهم، قال الله -عز وجل-: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[الشورى:23]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أذكركم الله في أهل بيتي".
ومن حقوقهم: الدفاع عنهم. وبُغض شانئهم ومبغضهم. ومعرفة فضلهم وسابقتهم. والصلاة عليهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
أيها المسلمون: ونظرًا لأن محبة آل بيت نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمر تهفو إليه النفوس، فقد نفذ من هذا الباب من استغله وتاجر به واستخدمه من ادعى خدمته منذ القرن الأول من عمر هذه الأمة إلى يومنا هذا، تحت شعار محبة آل البيت والانتصار لهم، برزت مطامع مادية واندس شانئون لهذا الدين وأهله، يهدمون أساسه حتى غيرت معالم الدين، ونبتت الفرقة، فطالوا أهم ما فيه وهو التوحيد.
كل ذلك تحت شعار محبة آل البيت، ثم أخذوا يعيثون فساداً في بقية شرائع الدين، وأطاعوا شيوخهم في التحليل والتحريم بلا هدى، حتى صاروا كمن قال الله فيهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)[التوبة:31]، فعظموا المشاهد وعطلوا المساجد، وأكلوا أموال الناس بالباطل، واستحلوا فروج الحرائر، وكفروا عموم الأمة، وكنّ العداوة والبغضاء للعرب الذين هم مادة الإسلام وأصل الإسلام، كل هذا وآل البيت بريئون من أعمالهم وعقائدهم.
عباد الله: وقد تسترت الرافضة بادعاء حبهم وموالاتهم، وأنهم وحدهم القائمون بهذا الحق، وأما سائر المسلمين فإنهم يعادون آل البيت ويكرهونهم، وربوا أتباعهم وأولادهم على ذلك، ثم غالت طائفة منهم في حب علي -رضي الله عنه- حتى جعلوا له شيئاً من الألوهية، كما أنهم يكرهون من سواهم من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: إن أهل السنة والجماعة وسطٌ في آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، بين الناصبة الذين ينصبونهم العداء، وبين الرافضة الذين يغلون فيهم، بل يعرفون لهم حقوقهم التي تقدمت، ويؤمنون بالله عز وجل، ويعتقدون ذلك شريعة يدينون الله عز وجل بامتثاله.
فأحبوا آل البيت واعرفوا لهم حقهم، ولا تغلوا في أحد منهم، وردوا الغلو عنهم.
اللهم إنا نسألك محبتك، ومحبة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة آل بيته.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي