خطر ظهور المنكر على المجتمع

خالد بن عبدالله الشايع
عناصر الخطبة
  1. التحذير من طاعة الشيطان .
  2. خطر السماح للمنكرات بالظهور والانتشار والسكوت عنها .
  3. أخذ العبر من قصص الأنبياء .
  4. الواجب نحو المنكرات وحفلات الترفيه واللهو .
  5. لا علاقة بين الترفيه والترويح عن النفس وبين المنكرات .

اقتباس

إن للمجتمع دور كبير في الإصلاح، دور متى تخلى عنه استحق الهلاك بجريرة السفهاء فيه؛ لأن المجتمع عندئذ شريك أصيل في المعصية حيث لم يعمل شيئا للحيلولة دون وقوعها، ولا بد للمجتمع أن يعمل بما يتاح له من وسائل حتى ينفي خبثه؛ لأنه سيهلك إذا كثر الخبث.

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا أيها الناس: إن المعصية لله بدأت بمعصية الشيطان لما أمر بالسجود فأبى، وبأكل آدم من الشجرة التي نهي عنها، ولا تزال المعصية في بني آدم، تزيد حينا وتقل حينا، وقد فتح الله باب التوبة للجميع، ولقد حذر الله الخلق من طاعة الشيطان وبين لهم أن الشيطان لهم عدو، كما حذرهم أن يفتنهم كما فتن أبويهم من قبل؛ كما قال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ)[الأعراف:27].

عباد الله: إن الله -سبحانه- كتب على بني آدم حظهم من المعصية، ولهذا عذر التائبين فقبل توبتهم، ولا يوجد في الحياة من عصم من المعصية من بني آدم، فكيف يعصمون وقد وقع أبوهم في المعصية من قبلهم، ليتبين للناس أنهم سيعصون كما عصى أبوهم، ولهذا يجب عليهم التوبة كما تاب أبوهم، إلا أن الأمر قد يستفحل أحيانا فيعلن المنكر، ويظهر على سبيل المحادة لله، وهنا يقع الخطر، وتعظم البلية، وتكبر المسؤولية على الجميع بلا استثناء، فمن أنكر نجى، ومن سكت هلك مع الهالكين، فإذا كثر الخبث، وسكت الناس عن الانكار، صاروا شركاء مع أهل المعصية في الإثم ولو لم يفعلوه،  قال ابن النحاس -رحمه الله تعالى-: "قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز والإنكار؛ لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها من القلوب شيئا فشيئًا، إلى أن يراها الإنسان فلا تخطر بباله أنها منكرات! لما أحدث تكرارها من تألف القلب لها" أ. هـ.

فالحذر الحذر -عباد الله- من أمرين: السماح للمنكر بالظهور والانتشار.

والثاني: السكوت وعدم الانكار.

فبهذين الأمرين تنعقد أسباب العقوبة على المجتمع.

إن في قصص الأنبياء عبرةً للمعتبرين، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى)[يوسف: 111].

ومن العبر المستفادة من قصة نبي الله صالح -عليه السلام- وقومِه ثمود: تآمروا على قتل الناقة، ثم قتل صالح، ولم ينكر عليهم أحد، فلم نزلت العقوبة عمتهم جميعا؛ لأنهم سكتوا عنهم، ولهذا قال فعقروها، مع أن العاقر واحد منهم، ولكن الراضي والساكت كالفاعل.

إن هؤلاء العصاة لم يجروا البلاء على أنفسهم فحسب، بل كان بلاء عاماً نال المقترف بيده والساكت ذا الموقف السلبي، ولم ينج إلا المنكرون لهذه الجريمة بما استطاعوا.

ولذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة بمثابة صمام الأمان للمجتمع؛ أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث  زينب بنت جحش -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".

وأخرج أبو داود في سننه قال أبو بكر -رضي الله عنه- بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)[المائدة: 105]، وإنا سمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب"، وقال: وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".

إذاً، فإن للمجتمع دور كبير في الإصلاح، دور متى تخلى عنه استحق الهلاك بجريرة السفهاء فيه؛ لأن المجتمع عندئذ شريك أصيل في المعصية حيث لم يعمل شيئا للحيلولة دون وقوعها، ولا بد للمجتمع أن يعمل بما يتاح له من وسائل حتى ينفي خبثه؛ لأنه سيهلك إذا كثر الخبث.

ويعظم الدور  على أهل العلم وأهل الحل والعقد والولاة، قال تعالى: (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)[المائدة: 63].

اللهم ارفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا رب العالمين.

الخطبة الثانية:

أما بعد: فيا أيها الناس: بين فينة وأخرى يخرج لنا منكر معلن صاخب، يعج بما يغضب الله ورسوله، والناس بين متحسر على واقع الأمة وليس في يديه شيء يفعله -أيها الناس-، وبين متحرك بالنصح بما يستطيع، وبين راض بالفعل حاضر للمنكر، مسرور به، إن ما يحصل هذه الأيام من حفلات غنائية ماجنة، واختلاط للنساء، وتفسخ في الملبس، شيء يدمي قلب المؤمن، أن تقام هذه الحفلات في بلاد التوحيد ومهبط الوحي، والواجب علينا جميعا أولا عدم الرضا بهذه المنكرات، وإنكارها بقلوبنا، وعدم حضورها، ثم مناصحة من نستطيع ممن بيديهم الإصلاح، لكي ينجو المجتمع من العقاب.

معاشر المسلمين: إن الراغبين في مثل هذا البلاء قلة بالنسبة لتعداد أهل الفضيلة والعفاف، ولا يكفي أن نقول لن نحضر ونحن منعزلون عنهم، وسنتركهم وشأنهم، أخرج البخاري في صحيحه من حديث النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا".

معاشر المسلمين: ليس هناك علاقة بين الترفيه والترويح عن النفس وبين المنكرات، إن الراحة في طاعة الله ولكن كثيرا من الناس لا يعلمون، قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

فمن أراد السعادة والرفاهية والراحة فليلزم طاعة الله، بطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، أبى الله أن يجعل السعادة إلا في طاعته، وكثير من الناس يبحثون عنها في الحفلات والسفريات والأموال، فلا يجدون إلا متعة الجسد، وأما الروح فلا سعادة لها إلا بالطاعة.

اللهم اجعلنا من أهل طاعتك يا رب العالمين.

اللهم وفقنا لهداك...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي