ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: عزة التوحيد؛ فالحمد لله على هذه النعمة، فلا يخنع إنسانٌ لمخلوق، ولا يخضع لمخلوق، بل هو عزيزٌ رافعٌ رأسه بتوحيد ربِّه، لا يستذل الإنسان لقبر، ولا لولي، ولا لمخلوق، ولا لجنٍ، ولا لشطانٍ، ولا لكائنٍ ما كان...
الحمد لله؛ الحمد لله القائل: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء:111]، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارٌ به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله وكيلاً، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا مزيدًا.
أمَّا بعد عباد الله: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسكوا بالعروة الوثقى تنالوا جنة المأوى، إخوة الإسلام، ربُّنا -سبحانه- أنزل علينا كتابه لنتدبَّره، ونقف معه، ونأخذ منه الدروس والعبر.
وبالتَّدبُرِ والتَّرْتِيْلِ فاتْلُ كِتَابَ *** اللهِ لا سِيَّمَا في حِنْدِسِ الظُلَمِ
فالله أنزله لحكمةٍ عظيمة، وغايةٍ كبيرة (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه)[ص:29].
فَتَدَبَّرِ القُرْآنَ إِنْ رُمْتَ الهُدَى *** فَالْعِلْمُ تَحْتَ تَدَبُّرِ القُرْآنِ
ومن هذه الآيات التي تستحق وقفات من الآيات المحكمات خاتمة سورة الإسراء: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء:111]؛ هذه الآية آيةٌ عظيمة، آيةٌ كبيرة، آية التوحيد والعقيدة، تسمى: آية العز.
وقبل البداءة بذكر شيءٍ من فوائدها، في هذه العجالة لنعلم أنه لم يثبت فيها فضلٌ خاص، لا من جهة تعليم النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا من تسميتها مرفوعًا إلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كونها وردًا وإنما هي آيةٌ عظيمة من الآيات الكبيرة في كلام ربِّنا -عزَّ وجلَّ-.
في هذه الدقائق المعدودة واللحظات المحسوبة نأخذ بعض الفوائد المعدودة من هذه الآية:
- فالفائدة الأولى: التصريح بالمعتقد الصحيح، نعم عباد الله، ينبغي للإنسان أن يصرِّح بعقيدته، وأن يعتقد عقيدته من أعماق قلبه؛ ولهذا ربُّنا استفتح خمس سور في هذا الباب في سورة: (الجن، وسورة الكافرون، والصمد، والفلق، والناس) يستفتحها ربُّنا بـ(قُلْ)، والآيات في هذا الباب كثيرةٌ معلومة؛ ففي ذلك -عباد الله- التصريح بالعقيدة، وأن الإنسان يعتقد ما اعتقد أهل السنة والجماعة دون شكٍ أو ريبٍ أو ترددٍ، أو تلعثم.
وفيها -عباد الله- حمد الله سبحانه، وشكره على هذه النعمة: نعمة التوحيد والعقيدة، وربُّنا يقول: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58]، وذكر -سبحانه- عن أهل الجنة -جعلني الله وإيَّاكم من أهل الجنة- أنهم يقولون حينما يدخلون الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف:43]؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يحمد الله على نعمة التوحيد، ونعمة العقيدة، ونعمة الإسلام فهي أعظم النعم بالاتفاق، وأجلُّها بغير شقاق.
ولهذا -عباد الله- خرج ذات يومٍ -عليه الصَّلاة والسَّلام- على حلقةٍ في المسجد فقال لأصحابه: "مَا أَجْلَسكُمْ؟" قالُوا: جلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّه، وَنَحْمَدُ الله أَنْ هَدَانَا عَلَى نِعْمَةِ الإسْلامِ، فَقَالَ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: "آللَّهِ مَا أَجْلَسكُم إِلاَّ ذَاكَ؟" قالوا: وَاللَّهِ، مَا أَجْلَسنَا إِلاَّ ذَاكَ، قَالَ: "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ"(أخرجه مسلمٌ).
وها هم الصحابة -رضي الله عنهم- ينقلون الحجارة ويرتجزون: "والله، لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا".
- ومن هذه الفوائد: نفي الولد عن الله -عزَّ وجلَّ-: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا)[الإسراء:111]، وأنزل الله -عزَّ وجلَّ- سورةً خاصةً كاملةً في باب التوحيد والعقيدة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص:1-4]، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ)[البقرة:116]، والله -عزَّ وجلَّ- منزهٌ عن الوالد والولد -جلَّ جلاله وعَظُمَ سلطانه-.
- ومن الفوائد: نفي الشريك عن الله، فلا شريك معه في ملكه، ولا في خلقه، ولا في رزقه، ولا في تدبيره، ولا في تصريفه فهو الواحد في مُلكه، الواحد في خلقه -سبحانه وبحمده-: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)[الإسراء:111]، فليس له مُعين، ولا ظهير، ولا وزير، ولا شريكٌ في خلقه.
- ومن الفوائد عباد الله: نفي الذل عن الله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ)[الإسراء:111]؛ لأنه -سبحانه- هو العزيز، هو القيوم القائم بنفسه، المقيم لغيره، المستغني عن خلقه، فلا حاجة لخلقه فهو -سبحانه- ليس بذليلٍ يحتاج إلى عز.
وَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ *** جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالى شَأنُهُ
وكُلُّ شَيْءٍ رِزْقُهُ عَليْهِ *** وَكُلُّنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ
- ومن الفوائد -أيُّها الإخوة-: تكبير الله وتعظيمه، وإجلاله وتوقيره: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء:111]، ولتعلم أخي المسلم أنك كلما عظَّمت الله وقدَّرت الله -سبحانه- حقَّ قدره فإن ذلك تكون أعظم لطاعتك واستجابتك له، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[الزمر:67]، وقال -سبحانه-: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح:13].
- ومن الفوائد: الرد على اليهود القائلين: (عزيرٌ ابْنُ اللهِ)، وعلى النصارى القائلين: (المسيحُ ابْنُ اللهِ)، وعلى المشركين القائلين: "الملائكة بنات الله"، وعلى المشركين المدعين أن الله -عزَّ وجلَّ- معه شريك.
ولهذا كان من تلبية المشركين كما جاء ذلك في الصحيح: "لبيك لا شريك لك"، فيقول النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد، قد": يعني: قفوا عند هذا الحد، فلا يقفون، فيقولون: "إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك"، فكان شعار الحج التلبية: "لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
- ومن الفوائد في هذه الآية: أنواع التوحيد الثلاثة، ذلكم -عباد الله-، أن أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية. وتوحيد الألوهية. وتوحيد الأسماء والصفات؛ فتوحيد الربوبية هو: الإقرار والاعتراف بأن الله -عزَّ وجلَّ- الخالق وحده، والرازق وحده، والمدبر وحده، والمالك وحده -سبحانه وبحمده-؛ فلا خالق معه، ولا رازق معه، ولا مالك معه -سبحانه جلَّ جلاله-.
وتوحيد الألوهية هو: إفراد الله بالعبادة، إخلاص العبادة لله وحده -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56]، (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)[البينة:5]؛ فالله خلقنا لحكمة، وأوجدنا لغاية وهي: إفراده -سبحانه- بالعبادة فلا شريك معه، ولا نِدَّ معه، ولا إله معه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن:18].
وتوحيد الأسماء والصفات: أن يوصف الله -سبحانه- بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى:11].
- ومن الفوائد في هذه الآية: أن الله يملك السماوات والأرض وما بينهما (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)[المائدة:18]؛ فالله يملك العالم العلوي، والعالم السفلي، وما بينهما -سبحانه-، فليس هناك شيءٌ في الأرض ولا في السماء إلا وهي مُلكٌ لربِّ الأرض والسماء.
إذًا عبد الله، عليك أن توحد الله، وأن تؤمن بهذا التوحيد العظيم، أسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يوفقني وإيَّاكم لمراضيه، وأن يجنبني وإيَّاكم أسباب سخطه ومناهيه. قلت ما سمعتم وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده.
- ومن الفوائد في هذه الآية العظيمة: إثبات الكمال والجمال والجلال للكبير المتعال لا إله إلا الله، (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف:180]، (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح:13]، فله الكمال المطلق، والجلال المطلق، والجمال المطلق -سبحانه- وبحمده (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء:111]؛ سبحانه وبحمده.
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: فضل التوحيد والعقيدة، قال الله -عزَّ وجلَّ-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82]، فالموحدون المؤمنون آمِنون في الدنيا والآخرة، وبقدر إيمانك يكون أمنُك.
ومن فضل التوحيد عباد الله: قول الله -جلَّ في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج:38]، ومن فضل التوحيد عباد الله: قول الله -جلَّ في علاه-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة:11]، ومن فضل التوحيد عباد الله: قول الله -جلَّ في علاه-: (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)[المؤمنون:59].
وفي الصحيحين حديث عبادة بن الصامت: أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن شهد أن لا إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
وفي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك مرفوعًا: "من قال لا إله إلا الله حرَّم على النار، من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".
وفي الصحيحين أن أبا هريرة قال: "من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". وفي صحيح مسلم من حديث عثمان -رضيَّ الله عنه-: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"؛ ففضل التوحيد عظيم؛ فالحمد لله الذي جعلنا من أهل التوحيد، وجعلنا من أهل السنة والجماعة.
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: أن الله غنيٌّ عن عباده -سبحانه- بل نحن الفقراء، بل نحن المحتاجون، بل نحن الأسراء، بل نحن الضعفاء المساكين، قال الله -جلَّ وعلا-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر:15]، سبحانه، فالله لم يخلق خلقه ليستكثر بهم، ولا ليستقوي بهم، ولا ليستعزَّ بهم حاشا وكلا، بل غناه الكامل المطلق -سبحانه- وبحمده.
ولهذا عباد الله:
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي *** وأيقنتُ بِأنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
فَمَا كَانَ مِنْ رِزْقٍ فليسَ يَفُوتني *** وَلَو كَانَ في قَاع البِحَارِ العَوامِقِ
فَلأيِّ شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرةً *** وَقَدْ قَسَّمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
فالله خلق الخلق ورزقهم، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)[الأنعام:38]، فهو الغنيُّ -سبحانه- وغيره مُحتاجٌ إليه، فهو الغني بذاته؛ سبحانه جلَّ ثناؤه تعالى شأنه.
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: إثبات العزة لله، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون:8].
وهو العزيزُ فلن يُرامَ جنـابُه *** أنَّى يُرامَ جنابُ ذي السلطانِ
وهو العزيزُ القاهرُ الغلَّابُ لم *** يغـلِبْه شيءٌ هـذه صـفتانِ
وهو العزيز بقوةٍ هي وصـفُهُ *** فالـعِزُّ حينئذٍ ثـلاثُ معانِ
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: عزة التوحيد؛ فالحمد لله على هذه النعمة، فلا يخنع إنسانٌ لمخلوق، ولا يخضع لمخلوق، بل هو عزيزٌ رافعٌ رأسه بتوحيد ربِّه، لا يستذل الإنسان لقبر، ولا لولي، ولا لمخلوق، ولا لجنٍ، ولا لشطانٍ، ولا لكائنٍ ما كان، بل يعبد الله وحده معتزًّا بهذا التوحيد (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:139].
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: مشروعية حمد الله على نعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً)[لقمان:20]؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يُكثر من حمد الله؛ لأن شكر الله سببٌ لمزيد النعم وبقائها: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم:7]، فأكثروا عباد الله من قول: "الحمد لله ربِّ العالمين".
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة: أن توحيد الربوبية أعظم دليلٍ لتوحيد الألوهية كما ذكره الله -عزَّ وجلَّ- في غير ما موضعٍ من كتابه، وكما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: أن توحيد الربوبية دليلٌ على توحيد الألوهية، كما قال الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)[البقرة:21-22]، قال: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا)[البقرة:22]: أي شبهاء ونظراء ومثلاء.
- ومن الفوائد في هذه الآية الكريمة وهي خاتمتها، وهي العشرون: عظمة التكبير (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء:111]؛ ولهذا الله أكبر، الله أكبر من كلِّ شيء، الله أكبر من همك، وغمِّك، ومرضك، ودينك، وحاجتك، الله أكبر من كلِّ سوءٍ يسوئك، الله أكبر من كل ما يعتريك.
فإذا لاحظت التكبير وقلت: "الله أكبر"، واستحضرت أن الله أكبر من كلِّ شيء هانت عليك الدنيا بما فيها؛ ولهذا ونحن نصلي الصلوات الخمس أيُّها الأحبة نُكثر من التكبير، فالرباعية فيها: "اثنان وعشرون" تكبيرة، والثنائية: "إحدى عشرة"، والثلاثية: "سبع عشرة"، والجميع: "أربعٌ وتسعون" تكبيرة في الصلوات المفروضة.
هذا ولهذه الآية من الفوائد والعبر، والتدبر والفِكَر ما تقصر عنه الأفهام.
نسأل الله الكريم ربَّ العرش العظيم أن يجعلنا ممَّن يعيش مع القرآن، ويتدبَّر القرآن، ومن أهل القرآن.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي