وفائدة هذه القوامة عائدة إلى المرأة حيث وجب على الرجل العمل على صيانتها وحفظها في بدنها ومالها وعرضها وفكرها ودينها، وليس في ذلك غضاضة على المرأة، ولا انتقاص من حقها، وليس من شأن هذه القوامة...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: بين ربنا -عز وجل- علاقة العباد فيما بينهم وبين ربهم، وعلاقة بعضهم ببعض ومن ذلك العلاقة بين الزوجين وما يجب لكل واحد منهما وما عليه، فورد في القرآن والسنة بيان الأحكام العامة للزوجين وكثير من التفاصيل متروكة للعرف بشرط أن لا يخالف شرعاً لقوله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء:19].
وفي خطبتنا هذه نتناول حقوق الزوج على امرأته، ولنبدأ بالكلام أولاً عن منزلة ومكانة الزوج عند الزوجة في الإسلام؛ إذ حق الزوج على زوجته عظيم؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: "زوجها"(أحمد والحاكم وصححه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها؛ حتى تؤدي حق زوجها كله"(أحمد وصححه الألباني)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو تعلم المرأة حق الزوج، لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه"(صحيح الجامع). قال ابن تيمية: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله، أوجب من حق الزوج".
وإنما عظم حق الزوج على زوجته لما له عليها من فضل، وبما أوجب الله عليه من واجبات تجاه زوجته من سكنى ونفقةٍ وقوامةٍ عليها، قال –تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء:34]، فما أوجبه الله عليها تجاه زوجها إنما هو من باب الوفاء ورد الجميل، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(رواه أحمد وأبوداود وصححه الألباني)، وتعظيم حق الزوج عليها لا يعني هضم منزلتها، ولا بخسها شيئاً من حقوقها أو قدرها ، ولا يلزم منه احتقارها وإذلالها
عباد الله: إن مما أوجبه الله على الزوجة لزوجها أمور منها:
حق الجماع: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح"(البخاري ومسلم). فإذا لم تمكن المرأة زوجها منها من غير عذر شرعي، فبات زوجها غاضبا عليها لعنتها الملائكة؛ لأنها كانت مأمورة بطاعة زوجها في غير معصية.
فلا يحل للمرأة أن تحول بين الزوج وبين رغبته في تحصين فرجه في المباح وإعفاف نفسه؛ فربما أغراه الشيطان في الوقوع في المحرم؛ فكانت شريكة له في الوزر، فاستحقت الوعيد الشديد في امتناعها من فراش زوجها.
والحيض ليس بعذر في الامتناع؛ لأن له حقا في الاستمتاع بها بما عدا الوطء في الفرج، فعن أنس: "أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[البقرة:222] فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"(رواه مسلم).
ولعظم الأمر أوجب الشارع عليها أن تمتنع عن كل ما يكون سبباً في عدم تمكن الزوج منها، ولو كان من نوافل العبادات، بخلاف الواجب كاشتغالها بصلاة الفرض والصيام الواجب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"(البخاري ومسلم)؛ فنهيت أن تصوم تطوعا؛ لأن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع.
ومن حقوقه عليها: عدم خروجها من البيت إلا بإذنه يقول ربنا -عز وجل- (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب:33]، فالأصل بقاء المرأة في بيتها وخروجها خلاف الأصل، فهو خروج للحاجة، وليس معنى هذا الأمر ملازمة النساء البيوت فلا يخرجن منها إطلاقاً وأن تكون المرأة حبيسة بيتها.
فعلى الزوج إذا استأذنته زوجته في الخروج لصلة رحم أو عيادة مريض أو قضاء حاجة لها أو لبيتها أو لأولادها؛ فليأذن لها، ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض الأزواج أنَّه يمنع زوجته من الخروج للسوق لقضاء حاجتها، فلا سمح لها بالخروج ولا هو خرج معها ولا قام بتوفير حاجاتها؛ فيجعلها عالة على غيرها تتعرض لمنة الناس والتسويف في قضاء ما تحتاجه، والأفضل أن يخرج الرجل مع أهله لقضاء الحوائج وليختار الأوقات التي لا توقعه في الحرج.
ومن حقوق الزوج على زوجته: أن لا تدخل في بيته من لا يرضى دخوله، فلا يحل للمرأة أن تأذن لرجل أو امرأة من الأقارب أو الأباعد في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له بذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ففي حديث جابر: "ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحداً تكرهونه"(رواه مسلم). وقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعدْ في بيته على تَكْرِمته إلا بإذنه"(رواه مسلم). وتكرمته الموضع الخاص المعد لجلوس الرجل من الفرش.
ومن حقوق الزوج: القوامة عليها فيجب عليها أن تطيعه في المعروف، قال -سبحانه-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء:34]، فأي شأن من شؤون الناس صغر أو كبر لا بد من مسؤول يتحمل المسؤولية فيه، ويسعى للحفاظ على الكيان المسؤول عنه وحمايته والارتقاء به ومنع ما من شأنه أن يدخل الضرر عليه.
وأصل الأسرة من الزوج والزوجة فلا بد من أن يكون أحدهما مسؤولاً عن الأسرة، فالمرأة بطبعها وخصائصها لا تتناسب مع هذا الدور فجعلت القوامة للرجل؛ لما فضل الله به الرجل على المرأة في العقل والرأي، وقوة النفس والطبع، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيما عليها ،كما قال الله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[البقرة:228]، فجعل له القوامة على المرأة من التأديب والتدبير والحفظ، ومنعها مما يعود عليها وعلى أسرتها بالضرر.
وفائدة هذه القوامة عائدة إلى المرأة حيث وجب على الرجل العمل على صيانتها وحفظها في بدنها ومالها وعرضها وفكرها ودينها، وليس في ذلك غضاضة على المرأة، ولا انتقاص من حقها، وليس من شأن هذه القوامة إلغاء شخصية المرأة، بل هو تقرير لأمر فطري واقع تسلم به الفطر السليمة التي لم تقع في وحل التأثر بثقافة من انتكست فطرهم.
فالقوامة إذن وظيفة داخل الأسرة لإدارتها وصيانتها وحمايتها، والسلوك بها طريق السعادة في الدارين، ومن الخطأ الظن بأن معنى القوامة التسلط، والاستبداد بالرأي، وعدم الاكتراث بشعور الآخرين، وعدم إشراك الزوجة في ما يتعلق بشؤون الأسرة.
والاستبداد بالرأي والشدة في غير موضعها، وإن بدت لها نتائج حسنة وسريعة في الظاهر، لكن الأمر لن يستمر على هذا الحال، ولربما انقلبت الطاعة عقوقا والإذعان جفاء، وانظر في من حولك لتجد شواهد ذلك، فاعتبر بغيرك، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَمْ يَدْخُلِ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"(رواه مسلم).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
عباد الله: ومن حقوق الزوج على زوجته: الخدمة في البيت، وإذا نظرنا في النصوص الشرعية تبين لنا وجوب الخدمة على المرأة في بيتها بالمعروف، وفي حدود قدرتها، فعن علي: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سبي، فانطلقت فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، قال علي: فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: على مكانِكما، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري، ثم قال: ألا أعلمكما خيراً مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم"(رواه البخاري ومسلم).
ويقول ربنا -عز وجل-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228]، وخدمة المرأة في بيت زوجها من المعروف عند من خاطبهم الله -سبحانه- بكلامه، فقد كانت النساء حين نزول القرآن يخدمن في بيوتهن، وقال ربنا -عز وجل-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء:34]. وخدمة المرأة لزوجها داخل في مفهوم القوامة.
وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، وهذا هدي النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عائشة قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون في مِهْنَةِ أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"(رواه البخاري).
فهذه بعض حقوق الزوج على زوجته، ولا ننسى أن الإنصاف في الآدميين عزيز، والنفس تميل إلى استيفاء حقوقها وتبخس الآخرين بعض حقوقهم، فلا بد لاستمرار العشرة والمحبة من التغاضي عن بعض الحقوق وبذل ما ليس واجباً.
فمعاملة الناس درجتان الأولى: عدل وإنصاف، وهو أخذ الواجب وإعطاء الواجب، والثانية: فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، وهذه الدرجة أرشد الله إليها فيما يقع بين الزوجين في قوله تعالى: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة:237].
وإذا التزمت المرأة -عباد الله- شرع ربها فيما أوجبه عليها من حقوق زوجها؛ فإنها تظفر برضى ربها وتدخل جنته، وهو أعظم مطلوب لها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ، دخلت الجنة"(رواه الترمذي).
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي