فيا مَن ابتُلِيت بمرض ملازم، أو بفقر وشدَّة، اصبر عليها فعمَّا قليلٍ تنفرج، ويا من ابتُلِيتَ بهمٍّ وغمٍّ لازِمْ ذِكْر الله واستغفِرْه، فإنَّ الهمَّ يزول والغم ينجلي، يا من ضاقت عليه الدنيا اعلم أنَّ أوقات الضيق يوماً ما ستنتهي، فأبشر وأمِّل بفرج قريب...
الحمد لله لا يُفرِّج الكرب إلا هو -سبحانه وتعالى-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، فإنَّ من اتقى الله وفَّقه وأحسن عاقبته وجعل السعادة مصاحبة له في الدنيا والآخرة.
معاشر المسلمين: إنَّ الابتلاءات والكربات التي قد يتعرض لها الإنسان إنَّما هي أجور؛ إن أحسن المبتلى المكروب التعامل معها، فصبَر واحتسب وجاهَد واجتهد في طاعة الله، وانتهى وابتعد عن المناهي والسيئات، أما من لم يصبر عليها وأساء عمله وأسرف على نفسه في المنهيات، فإنَّه آثم متوعَّد بالعقاب.
أيَّها المكروب: إنَّ الكرب الذي تعانيه والغُصَص التي تتجرعها، سيأتي اليوم الذي ينفرج فيه كربك، وينتهي فيه ما تعانيه من غصص وآلام، فاصبر وأبشر، ولا تيأس أو تقنط، فمهما طال الكرب فالفرج آتٍ بمشيئة الله وفضله ورحمته، فكم من مكروبٍ مكث سنوات ثم جاء الفرج، فمن عباد الله الصالحين الأخيار المصطفين من لم يزل البلاء ملازماً له إلى أربعين عاماً، هذا هو النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام- عندما فقد ابنه يوسف (وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف:84].
ثم لمَّا شكا بثَّه وحزنه إلى الله، جاءه البشير، وألقى قميص ابنه يوسف على وجهه؛ فارتدَّ بصيراً بعد أن كُفَّ بصره حزناً على فراق ابنه يوسف، ثم جمعه الله به بعد أن أصبح عزيز مصر.
ومنهم من نزل به بلاء ثماني عشرة عاماً ثم جاءه الفرج، وهذا هو نبي الله أيوب -عليه الصلاة والسلام-، ابتُلِيَ بلاءً شديداً فدعا الله –تعالى- فاستجاب له (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء:83-84]، وقال -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص:41-44]؛ أثنى الله على نبيه أيوب -عليه السلام- بأنَّه "نعم العبد الذي كمَّل مراتب العبودية في حال السرَّاء والضرَّاء والشدة والرخاء، وأنَّه كثير الذِّكر لربه"(تفسير السعدي، ص:714).
أيها المبتلى المكروب: أبشر بالأجر والفرج إن كنت صابراً محتسباً كثير الذِّكر لله، كثير الدعاء، ولا تقل: دعوتُ دعوتُ فلم يُستجَبْ لي، فإنَّما تتأخر الإجابة لحكمة يعلمها الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ، وَفِي مَالِهِ، وَفِي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ"(أخرجه الإمام أحمد، وصححه الألباني).
أيها المبتلى المكروب: اعلم أنَّه كلَّما عظُم البلاء واشتد الكرب عظُم الأجر والجزاء قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ"(أخرجه الترمذي وحسنه الألباني)؛ فيا مَن ابتُلِيت بمرض ملازم، أو بفقر وشدَّة، اصبر عليها فعمَّا قليلٍ تنفرج، ويا من ابتليت بهمٍّ وغمٍّ لازِمْ ذِكْر الله واستغفِرْه، فإنَّ الهمَّ يزول والغم ينجلي، يا من ضاقت عليه الدنيا اعلم أنَّ أوقات الضيق يوماً ما ستنتهي، فأبشر وأمِّل بفرج قريب.
أيها المكروب: ادعُ بالأدعية الصحيحة التي وردت في السنة المطهرة، ومنها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ".
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ -أَوْ فِي الْكَرْبِ-؟ اللهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"(أخرجه أبو داود وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ أَلَا أَنْتَ"(أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني).
أيها المبتلى المكروب: انظر إلى من هو أشد وأعظم منك بلاءً وكرباً، واحمد الله أنَّ كربك أهون من كربه.
معاشر المسلمين: إنَّ في الدنيا كربات وفي يوم القيامة كربات، ومن أراد أن يُفرِّج الله عنه كربة من كربات القيامة فليُفرِّج عن أخيه المكروب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ"(أخرجه الشيخان).
إنَّ الموفَّق -يا عباد الله- مَن يسعى في تفريج كربات المكروبين، إذا رأى مكروباً يستطيع تفريج كربته فلا يتردد، وإن لم يستطع فليسع إلى تفريجها بالدلالة على من يستطيع ذلك.
ومن الفوائد المترتبة على تفريج الكربات: ظهور معنى من معاني السموِّ في الأخوة الإسلامية؛ فالمكروب يشعر بوقوف أخيه المسلم معه، فيسود الحب، ويحصل التراحم والتعاطف والتعاون، ويصبح المجتمع قويًّا في لُحْمته، قويًّا في ترابطه.
اللهم فرِّج كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي