ماذا نقول الآن وليس من بيننا عمر ولا أبو بكر ولا الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نعصي الله، نأكل الربا في الليل والنهار، أكثر من ثلاثين عاماً يصبر الله علينا صبراً لم يصبره أحد ونحن نحاربه بالربا، ثم نريد أن ننتصر على عدو؟ كيف ينتصر مسلم أعلن الحرب علانية يوم أن أصر على الربا.
كيف ننتصر على عدونا والصحابة خالفوا مخالفةً واحدة فما شفع لهم خُلص الناس.. لا نصر إلا بعد أن ننصر الله.
وبين الماضي والحاضر زمن طويل، ولكن القرآن العظيم يختصر الزمان وينقلنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعقد مجلس الشورى يشاور أصحابه في معاركه، ولا يستبد يستفيد منهم وهو المعصوم، يستشيرهم في معركة أحد كما استشارهم في بدر فيجمع كبار الصحابة على أن يتحصنوا في المدينة، فإذا دخل الكافرون عليهم قاتلوهم قتالا مستميتا، يُشارك في النساء والأطفال براجمات الحجارة من فوق الدور ويلتحم المجاهدون في الطرقات في حرب شوارع حتى يفتح الله لهم.
ولكن الشباب المتحمس وهذه طبيعة الشباب، قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لا تخرج إليهم وقد أتونا؟ هل نحن جُبناء؟ فلنرى الخروج يا رسول الله، وسيرى الله منا ما لم يره في بدر وكثير منهم لم يشهد بدر، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس قاعدة الشورى لأمته أن الأغلبية تريد الخروج للقتال فتنازل عن رأيه صلى الله عليه وسلم وقد وافق وزيراه أبو بكر وعمر، وقام رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول يتشبث برأيه للقتال في المدينة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم حضرته جنازة فصلى عليها ودخل بيته في يوم الجمعة وخرج على المسلمين وإذا بمظهره الخارجي هو الجواب والقرار الأخير والشباب قد تنازلوا عن رأيهم وقالوا: لأننا أكرهنا صلى الله عليه وسلم على القتال، وإذا بهم يخرج عليهم وفي رأسه المغفر ولامة الحرب، وقد لبس درعين وسيفه وكامل عدته، قالوا: يا رسول الله كأننا أرغمناك على القتال، نرضى ما ترضى قال: "لا ما كان ينبغي لنبي إذا لبس لامة الحرب أن ينزعها حتى يحكم الله بيه وبين عدوه" الأمة التي تتذبذب بعد اتخاذ القرار الأخير لقتال عدوها، وهو يأخذ أرضها شبراً شبراً وقطعة قطعة، يهدر الدماء ويسلب الأموال ويهتك الأعراض، ما كان يعرف ذلك محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه يعلم نتيجة المعركة وأنه سيكون بها ذبح لأنه تلك الليلة رأى رؤية حق.
ويمضي صلى الله عليه وسلم يعبئ الصفوف ونظر نظرة فاحصة لأرض المعركة فرأى ثغراً جبل الرماة خلف جيشه عليه 50 رامياً بقيادة عبد الله بن جبير وعقد اجتماعاً معهم فقال: " لا تغادروا مكانكم لا تتركوا الجبل ولو تخطفتنا الطير" ، أشهد الله على ذلك كل هذه التأكيدات لكي يبين أن الأمر العسكري يختلف عن سائر الأوامر.
فارتقى الرماة على الجبل، بدأت المعركة حاسمة يتقدمها أبطال مسلمين بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم حقق الله فيها نصراً مؤزراً للمسلمين حتى اجتاحوا الكافرين، وعدد المقاتلين من المسلمين 725 مقاتل، والكفار 3000 وقد انهزم المنافقون بقيادة ابن سلول ورجع بثلث الجيش ومع هذا حقق الله النصر للمسلمين واجتاحوا معسكر الكافرين وأخذت نسائهم تصعد الصخور الجبال، وأخذ المسلمون في نهاية هذا النصر يجمعون الغنائم، وفي هذه اللحظة في بعض القلوب لا تكتمل التربية هناك ثغر واحد في ميدان محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا فقالوا: انتهت المعركة فلنجمع الغنيمة.
قال لهم قائدهم عبد الله بن جبير: لا، ذكرهم بالأمر العسكري النبوي فعصوه وتدلوا يجمعون الغنيمة وخالد بن الوليد ومعه 200 فارس والمسلمون 50 فارس، خالد من بدأ المعركة وهو يرى أن محمد صلى الله عليه وسلم أعلم منه، يوم أن سد تلك الثغرة فظل ينظر إليه حتى نزل الرماة، فلما، تركوا صعد إليه وقتل الباقية، كم انحدر بكماشة بخيالة خلف الجيش وهو يجمع الغنائم، وإذا بخالد يحاصر القوم من خلفهم وتحول النصر إلى هزيمة.
وهنا بدأت البطولات الفردية تظهر، فهذا صلى الله عليه وسلم وهو في أزمة القتال، يمر عليه أُبي بن خلف رئيس الكفار، كان يستهزئ بالرسول بمكة يقول له يا محمد: إن عندي حصان أُطعمه الذُره سأقتلك على ظهره، وكان النبي يرد عليه بنفس الأسلوب: أنا سأقتلك على ظهره بإذن الله.
في مثل هذا الجو الصاخب زخم القتال صليل السيوف وإذا به يلتفت يرى أُبي بن خلف صاح بالقوم يقول على تطايرنا منه وجاء الرجل يشتد على حصانه وما إن اقترب فمد النبي صلى الله عليه وسلم الرمح حتى دخل نصره في ترقوته وفار الدم ثم سقط ميتاً الوحيد الذي قتله صلى الله عليه وسلم لأنه وعد والأنبياء لا يخلفون الميعاد واحتدم القتال حول النبي صلى الله عليه وسلم إذا التفت يميناً ترى أبا دُجانة "سماك بن خرشه" وعلى وجهه عصابة الموت الحمراء ...
وجاءت نُسيبة العامرية تضرب من أمامه صلى الله عليه وسلم ومن خلفه وتدفع أبناءها وقالت: اللهم إني أسألك رفقتك في الجنة، قال: "اللهم اجعلها رفيقتي في الجنة" وجاء كعب بن مالك والناس يقولون: قُتل رسول الله فنظر فوجد عينان الرسول تبرقان بكل حيوية وشجاعة، قال: أبشروا لم يقتل النبي، قال صلى الله عليه وسلم حتى لا يعلم الكفار موقعه، ثم بعد ذلك جاء وحشي الذي أمرهُ جُبير بن مطعم أن يقتل حمزه ثم يعتقه لأنه عبد، يقول فأخذت أتحرى حمزة وهو يهد الكافرين هداً، حتى جاءه سباع بن عبد العزى فضرب رأسه كأنه أخطأه وإذا رأسه مقصوص فضربته بالحربة في أحشائه فخرجت الحربة من بين رجليه فالتئم على الجرح وجاءني يجري ولكنه سقط ومات وأخذت الحربة وذهبت إلى الخيمة ودارت معركة رهيبة ظهرت فيها البطولات العظيمة، بطولات كبيرة مصعب بن عمير يستشهد على العلم وهو يحمله، والصحابة يضربون عن النبي سبعة من الأنصار يستشهدون وذلك الرجل يمر أنس بن النضر مالكم أنتم قاعدون؟ قالوا: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأجد ريح الجنة دون أحد"، ثم قاتل حتى استشهد، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه أو شامة في جسده.
أحبائي في الله:
تدبروا كثيراً وتفكروا واربطو بين الماضي والحاضر... وسلطو أنوار الماضي على ظلمات الحاضر لتكشف لكم الزيف والخداع والعمالة الخئون، ولن يكون النصر إلا بعد أن نطيع الله، ونطيع الرسول صلى الله عليه وسلم، ما شفع للمسلمين في أحد؟، ما شفع لهم من الهزيمة والقتل، إن كان من بينهم خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ما شفع لهم من قتل والهزيمة إن كان من بينهم عمر الفاروق وأبو بكر الصديق، وما شفع لهم أبداً إن كان من بينهم خير القرون من المهاجرين والأنصار، نزلت الهزيمة ونزل بهم القتل.
ماذا نقول الآن وليس من بيننا عمر ولا أبو بكر ولا الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نعصي الله، نأكل الربا في الليل والنهار، أكثر من ثلاثين عاماً يصبر الله علينا صبراً لم يصبره أحد ونحن نحاربه بالربا، ثم نريد أن ننتصر على عدو؟ كيف ينتصر مسلم أعلن الحرب علانية يوم أن أصر على الربا.
كيف ننتصر على عدونا والصحابة خالفوا مخالفةً واحدة فما شفع لهم خُلص الناس. لا نصر إلا بعد أن ننصر الله.
عباد الله:
أوصيكم بتقوى الله، العاصم من القواصم، أتلوا عليكم آيات الله نزلت في غزوة أحد تدبروها وتفكروها فيها: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [آل عمران:121].
إذن من أول المعركة الله سميع عليم، وفي كل المعارك من أطاعه نصره ومن عصاه خذله لأنه سميع عليم (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ) [آل عمران:122-127].
الله هو الذي يقطع طرفاً من الذين كفروا أسقط المجاهدون في كل مكان جيوش الكفار من نصر الله نصره، (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) [آل عمران: من الآية128].
سبحانه أو يتوب عليهم تاب على خالد، وعلى عمرو بن العاص، وعلى عكرمة بن أبي جهل، وعلى أبي سفيان وعلى زوجته وعلى زوجة عمرو بن العاص، وعلى زوجة عكرمة بن أبي جهل، وعلى معظم الذين قاتلوا في أُحد، تاب الله عليهم وشرح صدورهم للإسلام والإيمان، وكانوا أبطالاً في الفتوحات الإسلامية من يُعطى مثل الله، من يرحم مثل الله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) [الأنفال: من الآية38] فمالنا إلا ربنا، الوقت لا يتسع أن أقرأ عليكم أكثر من ذلك، فما ذكرت منها شيء وما هو إلا سرد تاريخي ولكم في ثنياه العبر والحكم والدروس التي يجب أن نضع واقعنا الأليم عليها، درساً نفصله لتشفى أمراضنا وليحقق الله فينا وعده ونصره.
أختم الخطبة الثانية بهذه الآيات التي أدخلها الله في خضم المعركة، وصليل السيوف، وصراخ الأبطال، إن الله دخل موضوع الربا وكأنه يقول: إن الذين يأكلون الربا مصيرهم طال الزمان أو قصر الهزائم والحروب، الآيات التي نزلت في غزوة أحد (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) [آل عمران: من الآية109] (لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً) [آل عمران: من الآية130] (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:132].
طاعة الله ورسوله في الشعائر التعبدية في الزكاة في الفرائض في السلوك و الأخلاق في كل حركه وسكنه، نزلت في هزيمة أُحد وكأن الله يقول إن بعض العلائق التي تمت بينكم بين اليهود والمرابين في المدينة فحول النصر إلى الهزيمة.
انتبهوا لهذه المعاني وأرجوا أن تقرؤوا هذه السور عندما تعودوا إلى بيوتكم، الآيات من سورة الأنفال وآل عمران إلى آخر الآيات التي نزلت في غزوة أحد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي