لا يليق بنا وبأبنائنا أن نكون ويكونون لقمة سائغة لأعدائنا حتى يُورِدُونا الهاوية؛ بألعاب وأجهزة وتفاهات واهية،.. وليقارن الشباب اليوم، بين الوقت الذي يقضونه على الألعاب والأجهزة الملهية، وبين الوقت الذي يقضونه في قراءة القرآن وآياته ذات العظمة المتناهية..
الحمد لله أعطانا أعظم ما في الحياة، أحمده -سبحانه- وأشكره حتى يبلغ الحمد والشكر منتهاه، وأستعينه وأستهديه وأستغفره؛ يعين من دعاه، ويهدي من رجاه، ويغفر لمن تاب إليه بعد أن عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أسأله بها يوم لا ينفع مال ولا بنون النجاة، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله وعبدٌ من عباد الله، هو اختاره واجتباه، فعليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واهتدى بهداه.
ثم أما بعد: فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله، فمن اتقى الله أعطاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله حاز رضاه، ومن حاز رضاه حسنت دنياه وفاز في أخراه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال:29].
أيها المسلمون: يقول ربكم مخاطبًا لكم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم..)[آل عمران:110]، فَحَرِيٌّ بكلِّ مَن ينتمي لهذه الأمة أن يراعي هذه الخيرية، ويُوليها أعظم أهمية، وأن يحذر كل مَن يريد بهذه الأمة وأهلها الضلال والغواية.
يقول ربنا محذرًا لنا: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)[البقرة:110]، فهم لما علموا بأنا على الحق، استقصدونا، وسعوا ولا يزالوا، وسيسعون لإغوائنا ما كتب الله البقاء لهم ولنا، (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة:120]، والعاقل منا من يقول: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)، وأما من يحيد عن الجادة وينحرف وراءهم، فذاك الذي جاءه الإنذار بقوله -سبحانه-: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[البقرة:120].
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعن سَنَن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ خَرِب لدخلتموه"، وكم في كتاب الله -جل وعلا-، وفي سنة حبيبنا المصطفى، من الأدلة التي تحذِّر من اليهود والنصارى وأهل الكفر والضلال، ومما يريدونه ويطمعون إليه من إغوائنا وإضلالنا، وإفسادنا؛ ردَّ الله كيدهم وبلاءهم وشرَّهم عنا.
أيها الأحبة: إن ما سمعتم ما هو إلا تذكير بهويتكم ومن أنتم، وتنبيه لما يريده الكفرة بكم، وإليكم ملخَّص لما جئت له لكم، تعلمون بأن الشباب هم الركن الأقوى في كلِّ أمة، وهم الهدف الأسمى للأعداء، وبالنيل منهم تذهب الهمة، وتضعف القوة، والكل يعلم بل ومتيقن، بأن شبابنا مستهدَفُون في كل قُطْر وثكنة.
ولا أخفيكم، فقد طلب مني بعض أهل الفضل، بأن أعظ الناس وأحذّرهم من لعبة، تسمى بالبوبجي، على حدِّ قولهم، وواعظكم يجهل ما هي تفصيلاً وجملةً، وما أعرت الأمر اهتمامًا، رغم إلحاح قريب حبيب لي بذلك.
ومرة كنت أجلس مكانًا فسمعت شابًّا يصيح وينادي وحده وهو يمسك بجواله، انتبه، وراءك يمينك يسارك، ويركز تركيزًا عجيبًا، فسألت شخصًا قريبًا وقتها ماذا يفعل؟ فقال لي: يلعب البوبجي، فحرَّك ذلك في نفسي السؤال عنها، فسألت شابًّا ظهر لي من كلامه إعجابه الشديد بها، وشرح لي شرحًا مفصلاً عنها، وأنها عبر الاتصال بأشخاص آخرين حتى في دول أخرى، وأن الشخص يقضي ساعات طوال وهو منشغل بها، حتى وصل لإخباري، بأن باستطاعة أحد اللاعبين يعطي آخر طاقة فيشفيه من جراحة، أو يحييه إن كان ميتًا!!
وهنا توقفت عجبًا، أما اكتفوا بضياع الوقت، وشتات العقل وإذهاب نور العينين، والتأثير على الأذنين، وسماع السبّ والشتم، وقول ما لا يليق، حتى يدخلوا شبابنا في مسألة العقيدة، والموت والحياة، فأصابني الذهول، حتى قلت له: ما زلت منذ مدة أحذّر من ألعاب البلايستيشن، وما فيها من خطر على الأطفال، وما تسبَّبَت فيه من أمراض ومصائب وأهوال، حتى أسمع بل وأشاهد من شبابنا من حالهم بسبب هذه اللعبة مال.
أعلم بأن الكثيرين قد لا يعجبهم ولا يقنعهم المقال، ليس لأني على خطأ، ولكن لأن من نشر هذا الداء بينهم، وصل إلى مبتغاه، وهو إقناعهم بأن اللعبة حلال، وأنها للتسلية، وتضييع الوقت، وسدّ الفراغ القتال، ولهؤلاء الشباب أذكِّر بقول ذي العزة والجلال -إن كانوا يعقلون-، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115].
بارك الله لي ولكم فيما أقول وتسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي بيده كل شيء فالموت والحياة من غيره محال، أحمده -سبحانه- وأشكره على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله منه المبتدأ وإليه المآل، وأن محمدًا عبده ورسوله لا شك في ذلك ولا جدال، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم تُدَكّ فيه الجبال.
وبعد: يا من جاء يسأل ربه صلاح الحال، اتق الله فمن اتقى الله ترك الحرام وعمل بالحلال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: أنتم أمة قال الله فيها: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة:143]، ولا يحل لأمة فضَّلها الله وميَّزها، أن يُضيِّع شبابها وشاباتها ونساؤها ورجالها، أوقاتهم وحياتهم، في لعب وتسلية، فنحن مطالبون بالعبادة؛ لأن لنا هدفًا وهو جنَّة عالية، فلا يليق بنا وبأبنائنا أن نكون ويكونون لقمة سائغة لأعدائنا حتى يُورِدُونا الهاوية؛ بألعاب وأجهزة وتفاهات واهية، تُقلِّل من قيمة الشاب المسلم، وتجعله يتصرف تصرفات غبية، أمام الخاصة والعامة، وليقارن الشباب اليوم، بين الوقت الذي يقضونه على الألعاب والأجهزة الملهية، وبين الوقت الذي يقضونه في قراءة القرآن وآياته ذات العظمة المتناهية، ولا أقصد الإهانة، إنما أريد أن أوصل لإخوتي وأبنائي وأحبتي رسالة:
لقد خُلِقْتَ لأمرٍ لو فَطِنْتَ له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ"(صحيح البخاري).
ألا فاحذروا -أيها الجيل- من التساهل ببرامج وألعاب الزيغ والتضليل، فأنتم هدف الأعداء، وإن أصابوكم دبَّ في الأمة الداء، فكونوا متنبهين فطناء، وقاكم الله كل شرّ وضلال وبلاء، وحفظكم من كل تيه وإغواء.
ثم الصلاة والسلام على إمام الأتقياء وآله وصحابته النجباء.
اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي